ليس غريبا على الرياض أن تتفوق باحتضانها لأهم عرس ثقافي دولي للكتاب، المعرض الذي يتسارع الجميع للمشاركة فيه وأخذ حصته في التواجد بين أروقته؛ لما له من اهتمام واضح على الصعيدين الإقليمي والدولي.
والحقيقة أن شعار هذا العام (الرياض تقرأ) ليس بالغريب لأن الرياض بالفعل تقرأ، بل المملكة بأكملها تقرأ.. والشاهد على ذلك جميع المعارض الدولية، فحضور القارئ والمثقف السعودي موجود ومؤثر من الشارقة إلى مسقط، الدوحة، الكويت والقاهرة.. وغيرها. الرياض تقرأ منذ الأزل وما زالت، وستظل.
ولا يقتصر الاهتمام على الكتاب وحده، بل تواجد أحدث الإصدارات إذ إن الكاتب يحرص على إطلاق إصداره الجديد في معرض الرياض الدولي على وجه الخصوص لما فيه من قوة حضور وتواجد القارئ المهتم فيه، كذلك حضور عديد من الأنشطة والفعاليات وكل ما يصب في اهتمام القارئ والزائر للمعرض: من ندوات ثقافية، ورش عمل، مسرح مباشر، عروض موسيقية وفرق شعبية، وأجنحة مخصصة لبعض الهيئات الثقافية مثل هيئة التراث والسياحة، وحضور إعلامي مرئي ومسموع. وعديد من دور النشر المشاركة المتنوعة في طرحها بين الأدب والتاريخ والمعرفة والعلوم، ومنطقة بأجنحة وأقسامها المهمة مخصصة للأطفال.
هذا التنوع الكثيف المثري أقام الحجة والتحدي لدى زوار المعرض للحد بأنه بات من المستحيل أن يرتاد المعرض أحد لا يجد ما يعجب ذائقته، فكل زائر وجد ملاذه ولم يكتف بزيارة واحدة.
أثبت المعرض طوال أيامه العشرة نجاحه ليس فقط على الصعيد الإعلامي، بل أيضا الحضور الكثيف والرضا التام من الزائر وهذا هو المقياس الحقيقي على النجاح، إضافة إلى تكرار الزيارة لأن الوقت لم يسعفه أن يجوب جميع أرجاء المعرض الضخم وكذلك الفضول والتعطش للمزيد يدعه أن يكرر الزيارة وأن يبكر في قدومه حتى يتسنى له حضور الفعاليات أو يجوب المعرض للحصول على مبتغاه من الكتب.
هذا الكم الهائل من التواجد الثقافي لم يجعلني أتغافل عن فئة هي الأحب والأقرب لي، ودائما أحرص على معرفة الجديد في عوالم الطفل واليافعين رغم تنوع الإنتاجات المشاركة في المعرض من وسائل تعليمية وترفيهية وكذلك الأدب المخصص للأطفال واليافعين.
راودني تساؤل عن قلة الإنتاج السعودي لهذه الفئة؟
وعن الشح الكبير فيها؟
لكني احمل أمنية ورغبة جامحة بأن العام المقبل يكون لهم نصيب الأسد من الحضور.
لاسيما وأن الفرص متاحة للمبدعين من الكتاب وصناع الثقافة والمحتوى الخاص بهذه الفئة العمرية وكذلك دور النشر الناشئة والمخضرمة التي يتوجب عليها التوجه بتخصيص إنتاج سنوي مستمر ولو بعدد بسيط لا يتجاوز الخمسة إصدارات تستهدف فئة الأطفال واليافعين التي تعد اللبنة الأساسية لكل المجتمعات.. من خلال كتابات أدبية إبداعية تستوفي متطلبات هذه الفئة ورغباتها، حتى يزيد الإقبال على الكتب من قبلهم ولا يكون حجة أن الإنتاج السعودي لم يوف لهم أو يكون كافيا.
الأمر يتطلب بعض التصنيف بين الإنتاج الترفيهي الممتع الذي يحمل حسا إبداعيا وبين إنتاج تعليمي معرفي يحمل عدة رسائل ووصايا تربوية وعلمية تناسب هذه الفئة.
ومن هنا أدعو بل أتمنى أن يكون هناك إنتاج سعودي مكثف لفئة الأطفال واليافعين يحمل هويتنا وثقافتنا السعودية الغنية بالموروث الشعبي الأصيل الذي يحوي بين ثناياه منبع تاريخنا وهوية أجدادنا، يتعرف عليها الأطفال واليافعون من خلال إيصالها إليهم بالشكل الصحيح، ويتمسكوا بها أكثر عندما يقرؤونها ليجدوا أنفسهم بين صفحات الكتب.
فعشاق الثقافة والكتاب بالتحديد يهربون من التكرار والتقليد، فلا أحد يرغب أن يقرأ أو يتصفح المألوف والمعروف!.
والمثقف والقارئ السعودي على وجه الخصوص معروف بانتقائيته وتفرده، ومن هنا آمل أن العام المقبل سيكون معرض الرياض زاهرا وزاخرا وباهرا كما اعتدناه، ومليئا بالمفاجآت التي تحقق رغباتنا وتطلعاتنا وطموحات ثقافتنا ووطننا.
وستظل الرياض تبدع وتتفرد، وتبقى الرياض تقرأ، وتقرأ...
** **
- مروة الجامع