يشهد الأدب العربي تطورًا مستمرًا في مختلف أنواعه، ومن ضمن هذه الأنواع التي برزت مؤخرًا هو الأدب البوليسي. يُعتبر علي الماجد أحد الروائيين البارزين الذين أسهموا في تعزيز هذا النوع الأدبي في المملكة العربية السعودية. بفضل إبداعه وجرأته في خوض تجربة كتابة الرواية البوليسية، وفي هذا المقال، نلقي الضوء على حياته وإسهاماته في هذا المجال الأدبي الفريد.
وُلد علي الماجد في مدينة الخبر بمنطقة الأحساء عام 1974م. جاءت عائلته إلى الدمام مع اكتشاف النفط، حيث بحث والده عن فرص عمل جديدة. هذا التنوع الجغرافي والاجتماعي أثّر بشكل كبير على رؤيته الأدبية، إذ أتاح له الاختلاط مع أقران من مناطق مختلفة في المملكة.
عاش الماجد في بيئة تشجّع على القراءة؛ فقد كانت أسرته مولعة بالكتب، مما ساعده على اكتساب شغف مبكر بالقراءة والمطالعة. هذا الشغف تطور مع الوقت ليصبح حجر الأساس في مسيرته الأدبية. وعلى الرغم من عمله كمهندس كيميائي في شركة «سابك»، إلا أن الكتابة كانت دائمًا جزءًا أساسيًا من حياته.
كان لعلي الماجد العديد من التأثيرات الأدبية التي ساهمت في تشكيل رؤيته الكتابية. بدأ بقراءة الروايات المصرية، وخاصة سلسلة «المغامرون الخمسة» لمحمود سالم، التي أثارت فضوله نحو عالم الغموض والتحقيق. ومن هنا، بدأ في التعمق في أعمال أدباء عالميين مثل أجاثا كريستي وآرثر كونان دويل، ما عزّز اهتمامه بالأدب البوليسي.
كما تأثر بالعديد من الكتّاب العالميين والعرب على حد سواء، مثل شكسبير، فيكتور هوغو، نجيب محفوظ، وميخائيل نعيمة. هذه القراءات الواسعة زوّدته بأساليب مختلفة للكتابة وأثّرت بشكل واضح في إنتاجاته الروائية.
في إحدى المرات، قرأ الماجد مقالًا للكاتب السوداني أمير تاج السر، الذي انتقد فيه الأدب البوليسي في العالم العربي. هذا النقد أشعل حماسة الماجد، فقرر خوض تجربة الكتابة في هذا المجال. بدأ بكتابة حلقات في المنتديات الإلكترونية، ولاقت هذه الحلقات اهتمامًا كبيرًا، ما دفعه لتحويلها إلى رواية مطبوعة.
أصدر علي الماجد العديد من الروايات البوليسية التي حازت على اهتمام النقاد والقراء على حد سواء. كانت روايته الأولى «الكوب الأخير» علامة فارقة في مسيرته، حيث طُبعت ثلاث مرات. تلتها روايات مثل «رسائل ودم بارد»، «ذات المعطف الأزرق»، و«الأجراس الصفراء». تتميز أعماله بالجمع بين التحقيق العلمي وتحليل الأدلة، مع لمسة عربية أصيلة.
في رواياته، يبرز بطل التحقيق ماجد، شخصية ذكية ولكنها لا تتحمل رؤية الدم. يساعده في حل الجرائم فريق من المحققين، مما يجعل كل رواية تتميز بقصتها ومحورها الفريد، رغم تكرار الشخصيات.
لم يقتصر إبداع علي الماجد على الأدب البوليسي فقط، بل كتب في مجالات أدبية متنوعة. روايته «الانحدار إلى القمة» تعكس توجهه نحو أدب الكوميديا السوداء، بينما تناولت روايته «الصقر لا يحلق إلا وحيدًا».
كما كتب الماجد عن تاريخ وثقافة المنطقة الشرقية في روايته «الناقوس»، التي جمعت بين الدراما والكوميديا في سرد شيق لأحداث تاريخية واجتماعية مهمة.
حرص علي الماجد على تقديم صورة علمية دقيقة في رواياته البوليسية. لهذا السبب، قام بقراءة العديد من الكتب المتعلقة بالتحقيقات الجنائية، والتشريح، وأصول العلم الجنائي. كما خالط المحققين والأطباء لفهم طبيعة عملهم بشكل أعمق، ما أضفى على رواياته طابعًا واقعيًا يجمع بين الخيال والعلم.
يرى النقاد أن كتابة الرواية البوليسية من أصعب أشكال الكتابة الأدبية، حيث تتطلب حبكة دقيقة ونهاية منطقية تثير دهشة القارئ. وهذا ما تميّز به علي الماجد، إذ استطاع مزج الأدلة والتفاصيل الدقيقة لبناء روايات ذات هيكل متماسك تشد القارئ حتى النهاية.
إلى جانب الروايات، كتب الماجد العديد من القصص القصيرة التي تناولت قضايا اجتماعية مهمة مثل الإرهاب، الانحراف، واليتم. نُشرت معظم هذه القصص في الصحف المحلية وتم جمعها لاحقًا في مجموعة إلكترونية.
اقتباسات من رواياته:
- الأحلام مثل السيوف، إن أمسكت بها من الجهة الصحيحة نفعتك وإن أمسكت بها من الجهة الخطأ جرحتك وأدمتك.
- نحن مثل أوراق الشاي يا بني، نحتاج الوقت اللازم والحرارة الكافية لنطلق نكهتنا.
- بوجود الشر يُعرف الخير كما أن بوجود الليل يُعرف النهار.
- أحيانًا الاستماع إلى أوجاع الآخرين أفضل من نصحك لهم.
- تذوق الكلمات قبل أن تقدمها للآخرين.
- إن لم تكن عثرة لأهدافك فلا تكن عثرة أمام أهداف الآخرين.
- اعرف نقاط قوتك ثمّ تصرف تبعًا لها.
** **
أبو حماد ناصر الأنصاري - الهند