يوضح الفيلسوف الفرنسي رينو هيتيي أنه إذا كانت الانهيارات تقود إلى هشاشة حضارية ناجمة عن الاقتصاد الرأسمالي، فإن لهذه الانهيارات جذورا أنثروبولوجية تتعلق بالعملية التعليمية.
أصبح مفهوم الأنثروبوسين معروفا بشكل جيد في الأدبيات العلمية والفلسفية. وبالتالي فان المؤلف لا يستهدف إعادة النظر في الأشياء المكتسبة (ظاهرة التحول المتسارع لنظام الأرض بفعل الأنشطة البشرية)، لكنه يقترح تحليلا تاريخيا لهذه الظاهرة ومدى ارتباطها بالنظام الرأسمالي. سيلاحظ القارئ أن محاولات المؤلف الحثيثة لمحاكمة النظام الرأسمالي Capitalocène تتجاوز بكثير مظاهر العصر الأنثروبوسيني Anthropocène.
في هذا الكتاب، يؤكد رينو هيتيي على أن العديد من المؤلفين يخلطون بين الأنثروبوسين والاقتصاد الرأسمالي، ويشير الى أن «التسارع الرأسمالي الكبير» بدأ منذ الخمسينيات من القرن الماضي، ورافق هذا التسارع الفائق استغلالا للموارد بشكل مفرط (خاصة الحفريات) وعولمتها وإنتاجها ومن ثم استهلاكها بكميات كبيرة. ومع ذلك فلا تزال «هيكلة» هذا الاقتصاد قائمة منذ زمن بعيد. لقد ارتبط النظام الرأسمالي منذ القرن الخامس عشر بالعولمة عن طريق إنشاء المراكز التجارية في أفريقيا وآسيا، ثم عن طريق غزو «العالم الجديد» واستغلال للموارد البشرية والطبيعية.
ان الهدف الذي ينشده مؤلف كتاب «الإنسانية ضد الأنثروبوسين - مقاومة الانهيارات « هو دراسة الدور المحدد الذي تمارسه كل مرحلة من هذه المراحل ضمن ظاهرة عالمية يتشكل من خلالها ما يسمى التجريد التدريجي من الإنسانية. ولقد رافقت بداية هذه المراحل المفهوم الذي طرحه آلان بير Alain Bihr وفقا لوجهة نظر ماركسية، ويقصد به التجريد من الملكية التي يعتمدها النظام الرأسمالي. إن الموارد التي اكتشفها هذا الاقتصاد وسلط الضوء عليها لم تسقط من السماء: إننا نتحدث عن رجال ونساء مطرودين من أراضيهم ومشردين بسبب العمل القسري والعبودية الحديثة، كما أننا نتحدث عن الأراضي التي يتم نهب ثرواتها الى أبعد حد.
يرى المؤلف ان التجريد من الملكية له آثار كارثية على المستوى الإنساني بشكل خاص عن طريق انتزاع الإنسان من بيئته الطبيعية ومن أصوله وثقافته، اذ ان ظاهرة التجريد من الملكية التي تسببت في الكثير من المعاناة والدمار لا تزال مستمرة حتى اليوم: اننا نشاهد مظاهرها الوحشية كالعبودية الحديثة أو العمل القسري. ولأن هناك أعدادا قليلة تمكنت من الاستيلاء على كل شيء تقريبا، فقد تم تجريد ملكية معظم الناس: انهم يفقدون أراضيهم ويتعرضون للتهديد لأنه لا يوجد مكان لهم في أوطانهم. من الواضح أن التجريد من الملكية تفاقم بسبب عصر الأنثروبوسين وبسبب الاقتصاد المبني على الاستغلال المفرط للموارد والذي نتج عنه تصحّر المناطق المأهولة بالسكان تاريجيا.
لقد تفاقمت ظاهرة التجريد من الملكية نتيجة للاختراعات باختلاف أنواعها. ومع التحول إلى الإنتاج الصناعي، الذي بدأ في إنجلترا منذ نهاية القرن الثامن عشر، أصبحت هذه الظاهرة واضحة تماما. حيث تكثف وجود القوة العاملة الفقيرة جدا في المدن ولا سيما بسبب إلغاء الملكيات العامة، الأمر الذي جعل الناس يعيشون على أرض لا يملكها أحد، وبالتالي أصبح التجريد من الملكية يعني ما تفرضه السلطة الحاكمة على الشعوب لجعلهم ينتمون قسرا الى طبقة البُروليتاريا. لقد تطلب استخراج الفحم والمحركات البخارية، في بداية الأمر، الحفاظ على الحد الأدنى من أجور تلك القوى العاملة، فقط حتى يستمر الانتاج وفقا لنظرية ماركس. وهكذا توّلد ما سميناه «الانفصال» الذي يؤدي إلى تفاقم عملية التجريد من الملكية خاصة ضمن نظام الاغتراب الصناعي الذي يجعل العمال يعانون بسبب مدة العمل التي تمتد لـ 14 ساعة في اليوم.
يعتقد رينو هيتيي في كتابه «الإنسانية ضد الأنثروبوسين - مقاومة الانهيارات» أن الأمور ازدادت سوءا. على الرغم من اصدار القوانين التي وضعت حدا لهذه العبودية الحقيقية (على الأقل في الغرب). لكن في القرن العشرين، ومع التقدم التقني الجديد سيكون هناك نوع جديد من الاغتراب. اننا مجتمع يتّسم بالاستهلاك وباستخدام أدوات التواصل. لا يمكن إنكار التطور الكبير الذي أدى الى توفير الوقت (الكهرباء والمياه والآلات ...)، ناهيك عن التقدم في الطب والتكنولوجيا بشكل كبير جدا في القرن العشرين.
ان جديد القرن العشرين، وفقا لرؤية المؤلف، تكاد تنحصر في مفهوم «الجاهزية». ان الأفراد أصبحوا جاهزين للعمل أكثر من أي وقت مضى، حتى مع تقليل ساعات العمل والتخلص من الوظائف المتعددة التي تستغرق وقتا طويلا. لكن توفير الوقت هو جزء من استمرارية التجريد من الملكية والانفصال: فالأفراد موجودون قبل كل شيء لتلبية توقعات النظام الاقتصادي. ما الذي يفعلونه في أوقات «فراغهم»؟ من ناحية، في العديد من المهن، انهم جاهزون للعمل دائما، من خلال العمل في المنزل ومن خلال إمكانية الوصول إليهم بشكل مستمر وأيضا من خلال وجود رسائل صوتية تعمل بدون جداول زمنية. ومن ناحية أخرى، عندما يريدون القيام بشيء آخر غير العمل، فإن أنشطتهم الترفيهية ليست سوى تلك التي يبيعها المجتمع الاستهلاكي.
لقد فهم هنري فورد Henri Ford كل شيء» عندما قرر زيادة أجور عماله حتى يتمكنوا من شراء السيارات التي ينتجها. باختصار، ان الأفراد جاهزون للعمل بطريقة أو بأخرى، الأمر الذي يجعلهم يعملون ويتواصلون ويرفهون عن أنفسهم باستمرار ودائما لمصلحة هنري فورد. وهذا الأمر يبعدهم عن احتياجاتهم العميقة ويجعلهم تابعين له وسينتهي بهم الأمر إلى جعلهم غرباء عن أنفسهم.
يستعرض المؤلف قضية جوهرية مرتبطة بظاهرة التجريد من الملكية وتتصل اتصالا وثيقا بالرقمنة، لدرجة أنه يتساءل كيف استطاع الناس العيش بدون كل وسائل الراحة منذ ثلاثين عاما. لقد انتهى الأمر بالناس إلى الربط بين الحرية والاستهلاك، وهو ما يشير إلى انتصار الرأسمالية حيث تحتل الرقمنة رأس الهرم لهذا الاقتصاد.
وبمناسبة اصدار هذا الكتاب، فقد أجرت مجلة الفكر البيئي بفرنسا حوارا مع المؤلف حول كتابه «الإنسانية ضد الأنثروبوسين - مقاومة الانهيارات».
س. عنوان كتابك «الإنسانية ضد الأنثروبوسين». توجد العديد من المنشورات في السنوات الأخيرة تتناول الأنثروبوسين. ما الجديد الذي تقدمه؟
ج. أصبح مفهوم الأنثروبوسين معروفا بشكل جيد في الأدبيات العلمية والفلسفية. وبالتالي فأنا لا أستهدف إعادة النظر في الأشياء المكتسبة (ظاهرة التحول المتسارع لنظام الأرض بفعل الأنشطة البشرية)، لكنني اقترح تحليلا تاريخيا لهذه الظاهرة ومدى ارتباطها بالنظام الرأسمالي. لهذا فان محاولاتي الحثيثة لمحاكمة النظام الرأسمالي Capitalocène تتجاوز بكثير مظاهر العصر الأنثروبوسيني Anthropocène.
س. ما الذي تعنيه بهذا الكلام؟
ج. العديد من المؤلفين يخلطون بين الأنثروبوسين والاقتصاد الرأسمالي. ان «التسارع الرأسمالي الكبير» بدأ منذ الخمسينيات من القرن الماضي، ورافق هذا التسارع الفائق استغلالا للموارد بشكل مفرط (خاصة الحفريات) وعولمتها وإنتاجها ومن ثم استهلاكها بكميات كبيرة. ومع ذلك فلا تزال «هيكلة» هذا الاقتصاد قائمة منذ زمن بعيد. لقد ارتبط النظام الرأسمالي منذ القرن الخامس عشر بالعولمة عن طريق إنشاء المراكز التجارية في أفريقيا وآسيا، ثم عن طريق غزو «العالم الجديد» واستغلال للموارد البشرية والطبيعية.
س. لقد كرست النصف الأول من كتابك لتحليل هذا النظام الرأسمالي: ما الذي يجعلك تعتقد أنه من المفيد تناول هذا الموضوع بشكل معمّق؟
ج. من الضروري التمييز بوضوح بين عدة مراحل لعبت دورا رئيسيا في تطوير هذا النظام الاقتصادي منذ القرن الخامس عشر. ان الهدف الذي أنشده الآن هو دراسة الدور المحدد الذي تمارسه كل مرحلة من هذه المراحل ضمن ظاهرة عالمية يتشكل من خلالها ما يسمى التجريد التدريجي من الإنسانية.
س. ما هي هذه المراحل برأيك؟
ج. البداية كانت ضمن مفهوم طرحه آلان بير Alain Bihr وفقا لوجهة نظر ماركسية، ويقصد به التجريد من الملكية التي يعتمدها النظام الرأسمالي. إن الموارد التي اكتشفها هذا الاقتصاد وسلط الضوء عليها لم تسقط من السماء: إننا نتحدث عن رجال ونساء مطرودين من أراضيهم ومشردين بسبب العمل القسري والعبودية الحديثة، كما أننا نتحدث عن الأراضي التي يتم نهب ثرواتها الى أبعد حد. ان التجريد من الملكية له آثار كارثية على المستوى الإنساني بشكل خاص عن طريق انتزاع الإنسان من بيئته الطبيعية ومن أصوله وثقافته.
س. ألم تتناول كل شيء وفقا لمفهوم التجريد من الملكية؟
ج. ان هذه الظاهرة التي تسببت في الكثير من المعاناة والدمار لا تزال مستمرة حتى اليوم. ألا نشاهد مظاهرها الوحشية كالعبودية الحديثة أو العمل القسري. ولأن هناك أعدادا قليلة تمكنت من الاستيلاء على كل شيء تقريبا، فقد تم تجريد ملكية معظم الناس: انهم يفقدون أراضيهم ويتعرضون للتهديد لأنه لا يوجد مكان لهم في أوطانهم. من الواضح أن التجريد من الملكية تفاقم بسبب عصر الأنثروبوسين وبسبب الاقتصاد المبني على الاستغلال المفرط للموارد والذي نتج عنه تصحّر المناطق المأهولة بالسكان تاريجيا.
س. ما الجديد في تاريخ الرأسمالية؟
ج. لا يوجد أي تغيير، فقط تفاقمت هذه الظاهرة نتيجة للاختراعات باختلاف أنواعها. ومع التحول إلى الإنتاج الصناعي، الذي بدأ في إنجلترا منذ نهاية القرن الثامن عشر، أصبحت هذه الظاهرة واضحة تماما. حيث تكثف وجود القوة العاملة الفقيرة جدا في المدن ولا سيما بسبب إلغاء الملكيات العامة، الأمر الذي جعل الناس يعيشون على أرض لا يملكها أحد، وبالتالي أصبح التجريد من الملكية يعني ما تفرضه السلطة الحاكمة على الشعوب لجعلهم ينتمون قسرا الى طبقة البُروليتاريا. لقد تطلب استخراج الفحم والمحركات البخارية، في بداية الأمر، الحفاظ على الحد الأدنى من أجور تلك القوى العاملة، فقط حتى يستمر الانتاج وفقا لنظرية ماركس. وهكذا توّلد ما سميناه «الانفصال» الذي يؤدي إلى تفاقم عملية التجريد من الملكية خاصة ضمن نظام الاغتراب الصناعي الذي يجعل العمال يعانون بسبب مدة العمل التي تمتد لـ 14 ساعة في اليوم.
س. ألا تلاحظ أن ساعات العمل انخفضت ومع ذلك لم تتحسن ظروف العمل بشكل كبير منذ ذلك الحين؟
ج. أعتقد أن الأمور ازدادت سوءا. على الرغم من اصدار القوانين التي وضعت حدا لهذه العبودية الحقيقية (على الأقل في الغرب). لكن في القرن العشرين، ومع التقدم التقني الجديد سيكون هناك نوع جديد من الاغتراب. اننا مجتمع يتّسم بالاستهلاك وباستخدام أدوات التواصل. لا يمكن إنكار التطور الكبير الذي أدى الى توفير الوقت (الكهرباء والمياه والآلات ...)، ناهيك عن التقدم في الطب والتكنولوجيا بشكل كبير جدا في القرن العشرين.
س. أنت تتحدث عن التطور الكبير وعن العمل الذي أصبح أكثر إنسانية عما سبق. ومع ذلك فإنك تنتقد بشكل مفرط؟
ج. ان جديد القرن العشرين، برأيي، يقدم لنا مفهوم «الجاهزية». مما لا شك فيه أن الأفراد أصبحوا جاهزين للعمل أكثر من أي وقت مضى، حتى مع تقليل ساعات العمل والتخلص من الوظائف المتعددة التي تستغرق وقتا طويلا. لكن توفير الوقت هو جزء من استمرارية التجريد من الملكية والانفصال: فالأفراد موجودون قبل كل شيء لتلبية توقعات النظام الاقتصادي. ما الذي يفعلونه في أوقات «فراغهم»؟ من ناحية، في العديد من المهن، انهم جاهزون للعمل دائما، من خلال العمل في المنزل ومن خلال إمكانية الوصول إليهم بشكل مستمر وأيضا من خلال وجود رسائل صوتية تعمل بدون جداول زمنية. ومن ناحية أخرى، عندما يريدون القيام بشيء آخر غير العمل، فإن أنشطتهم الترفيهية ليست سوى تلك التي يبيعها المجتمع الاستهلاكي. لقد فهم هنري فورد Henri Ford كل شيء» عندما قرر زيادة أجور عماله حتى يتمكنوا من شراء السيارات التي ينتجها. باختصار، ان الأفراد جاهزون للعمل بطريقة أو بأخرى، الأمر الذي يجعلهم يعملون ويتواصلون ويرفهون عن أنفسهم باستمرار ودائما لمصلحة هنري فورد. وهذا، برأيي، يبعدهم عن احتياجاتهم العميقة ويجعلهم تابعين له وسينتهي بهم الأمر إلى جعلهم غرباء عن أنفسهم.
س. نقرأ بوضوح انتقاداتك للمجتمع الاستهلاكي. كيف يمكننا أن نفهم اختراع الإنترنت وكل «وسائل الراحة» التي توفرها الرقمنة؟ ألا «تفيد» هذه الأشياء الناس؟
ج. ملاحظتك تقودني إلى المرحلة الأخيرة التي أصفها وأنتقدها وأسميها «المحاكاة الافتراضية المتطورة». إن الاعجاب الشديد بالرقمنة لافت للنظر بدرجة كبيرة، لدرجة أننا نتساءل كيف استطاع الناس العيش بدون كل وسائل الراحة منذ ثلاثين عاما. أنت تتحدث عن الحرية. علينا أن نطرح سؤالا بمنهج نقدي لأن معظم الناس يفعلون بالضبط ما يتوقعه السوق منهم. بعبارة أخرى، انتهى الأمر بالناس إلى الربط بين الحرية والاستهلاك، وهو ما يشير إلى انتصار الرأسمالية حيث تحتل الرقمنة رأس الهرم لهذا الاقتصاد.
س. ما الذي يجعلك مهتما بالتعليم، لقد ظل محور تفكيرك لسنوات عديدة؟
ج. بهذا السؤال، أنت تشير إلى أننا لن نستطيع الدفاع عن حتمية التعليم، وبالتالي الدفاع عن مستقبل أطفالنا، أنت متشائم بشكل كبير. بالنسبة لي، من الضروري أن نطرح تحليلا للمشاكل بطريقة معمقة، وإلا فلن نفهم ما يحدث لنا (فبما أننا عالقون في هذه المشاكل، فلن يعد بإمكاننا أن نتخيل شيئا آخر)، إن تدمير الأرض والحياة والمعاناة والظلم الناجم عن نظامنا الاقتصادي غني عن التعليق: كل هذا يوضح الطبيعة غير القابلة للحياة لهذا الاقتصاد القائم على الاستغلال المفرط، والإنتاج المفرط والاستهلاك المفرط.
س. لا عودة الى الوراء ولا هروب للأمام أيضا، ما المخرج؟
ج. أنا أركز بشدة على المستقبل وأؤمن بقوة التعليم. التعليم لا يقتصر على الأطفال فحسب، بل يجب أن يشمل جميع البالغين الذين يشعرون بالمسؤولية وبالقلق على المستقبل. إن العيش من أجل الأطفال يعني أيضا العيش من أجل المستقبل.
س. أهذا ما تكتبه في كتابك؟
ج. في كتابي «الإنسانية ضد الأنثروبوسين»، وبالتحديد في الجزء الثاني، أتناول مشكلة الانهيارات (العنوان الفرعي للعمل هو «مقاومة الانهيارات»). وبالعودة إلى الانهيارات، فان الاقتصاد الرأسمالي حرمنا من مواردنا (انه يُفقرنا ويجعلنا نعتقد أنه «يثرينا»). نعم، انني أتحدث انهيارات منذ زمن طويل لأننا فقدنا قوتنا الروحية والعقلية.
س. ما العلاقة بين ما تقوله عن الروحانيات والواقع المادي للأنثروبوسين وللاقتصاد؟
ج. الروحانية التي أتحدث عنها ليست علما خفيا: إنها تربطنا بالعالَم، لكن هذا الارتباط بالعالم تفكك وأصبحنا نعيش في مدننا وداخل بيوتنا بحيث تحيط بنا الأشياء الصناعية، اننا منفصلون عن هذا العالم الذي يتصدع. ولإيجاد حل لهذا الصراع، لا يزال يتعين عليك أن تتواصل مع هذا العالم.
س. ألا يتطلب هذا الأمر بذل مجهود «نفسي» كما تصرح أنت بذلك؟
ج. إن الروحانية التي تربطنا بالعالم تسمح لنا بالخروج من المحيط الرأسمالي، ولكن يجب علينا أيضا أن نكون قادرين على التواصل مع أنفسنا. الواقع أن كل واحد منا يطارده ما سماه وينيكوت Winnicott «الخوف من الانهيار»: فالقلق من الفراغ أسوأ حتى من الخوف من الموت.
س. ألا يبدو أن هناك صراعا سياسيا يلوح في الأفق؟
ج. يجب على المرء أن يتعلم كيف يحب هذا العالَم بما فيه الكفاية، وأن يحب كل من يعيش فيه لكي يستحق أن يعيش، حتى يمتلك في نهاية المطاف الشجاعة اللازمة للتعبئة السياسية. المعركة القادمة لا تتطلب مواطنين مطلعين فحسب، بل تتطلب مقاتلين أقوياء يحبون الحياة ويحبون العالم حتى لا يقعوا في فخ الدمار الذي تسببت فيه الرأسمالية.
** **
أيمن منير - أكاديمي وكاتب مصري