اللغةَ العربيةَ زاخرةٌ بالكثير من الألفاظ والمعاني التي لا يوجد لها مثيل في اللغات الأخرى، فمن جمال اللغة العربية مرونتها وقابليتها للتطويع في الكثير من أشكال الفنون الشعرية، والنثرية والأدبية، حيث تتنوع فروعها ما بين البديع والبيان والمعاني، وبالتالي أصبحت لغة خفيفة على السمع وسهلة النطق على اللسان، واللغة العربية لغة لكل العصور بسبب قابليتها للتطور ومواكبة التغيرات، فلن تموت أمة ولغتها حية، ولن تعيش أمة إذا ماتت لغتها.
يقول الشاعر:
رَبِيبَةَ الوَحيِ يا مَن باسمِها نَزَلَا
و رَسْمِهَا عَنكِ إنِّي قائِلٌ غَزَلَا
قلبي ذُكِرْتِ فَأَمسى غازِلًا دَمَهُ
قَصِيدةً ليسَ يُحنِي رَأسَها خَجَلا
بيني وذِكراكِ إرثٌ لم يزل عَبِقًا
يَطوي العُصُورَ وآتٍ يَقطَعُ الأزَلا
مِن مَهبطِ الضَّادِ مِن لامِيَّةٍ لَمَسَت
لامَ الكَلامِ إلى أنْ قَطَّرَت عَسَلا
كَم أَزهَرَ الشِّعرُ ضادًا غَيرَ ذابلةٍ
وأَسهَرَ اللَّيلَ شَدْوٌ بالنَّدَى اغتَسَلا
قَلائِدٌ مِن جُمَانٍ لا تَشِيخُ ومِن
وَلَائِدٍ نَيِّرَاتٍ نُورُها اكتَمَلَا
لا بد من النظرِ إلى اللغة العربية على أنها لغةُ القرآن الكريم والسنة المطهرة، ولغةُ التشريع الإسلامي؛ بحيث يكون الاعتزازُ بها اعتزازًا بالإسلام، وتراثه الحضاري العظيم، فهي عنصرٌ أساسي من مقوماتِ الأمة الإسلامية والشخصية الإسلامية، والنظر إليها على أنها وعاء للمعرفةِ والثقافة بكلِّ جوانبها، ولا تكون مجردَ مادةٍ مستقلة بذاتها للدراسة؛ لأنَّ الأمَّةَ التي تهمل لغتَها أمةٌ تحتقر نفسَها، وتفرضُ على نفسِها التبعية الثقافية.
يقول مصطفى صادق الرافعي -رحمه الله- مبينًا هذا: «ما ذلَّت لغةُ شعبٍ إلاَّ ذلَّ، ولا انحطَّت إلاَّ كان أمرُه في ذَهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرضُ الأجنبيُّ المستعمر لغتَه فرضًا على الأمَّةِ المستعمَرة، ويركبهم بها، ويُشعرهم عظمتَه فيها، ويستلحِقهم من ناحيتِها، فيحكم عليهم أحكامًا ثلاثةً في عملٍ واحدٍ؛ أمَّا الأول: فحَبْس لغتهم في لغته سجنًا مؤبَّدًا، وأمَّا الثاني: فالحكمُ على ماضيهم بالقتلِ محوًا ونسيانًا، وأمَّا الثالث: فتقييد مستقبلهم في الأغلالِ التي يصنعها، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ».
وعلى هذا؛ ينبغي لمن يعرفُ العربيةَ ألا يتكلَّم بغيرِها، وكره الشافعي ذلك، وينبغي لمن دخل الإسلامَ من الأعاجمِ أن يتعلَّمَ العربية.
وتتميز اللغة العربية عن غيرها من اللغات بعدة سمات، منها:
الإعراب: على الرغم من وجود الإعراب في بعض اللغات الأخرى إلا أن اللغة العربية تتفرد بوجود إعراب لكل كلمة، أو حرف واقع في الجملة.
الاشتقاق: تتميز اللغة العربية بوجود المشتقات للكلمة الواحدة مثلاً ( كتب – يكتب – كتاب – كتّاب – مكتوب – مكتبة – كاتب ).
السلم الصوتي: تحتوي اللغة العربية على أكبر سلم صوتي من الحروف بداية من الشفاه مرورا باللسان ووصولا للحلق.
غنية بالمترادفات: اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي تجد فيها للكلمة الواحدة أكثر من معنى كما تجد للمعنى الواحد أكثر من كلمة.
الدقة في التعبير: لا يوجد على وجه الأرض لغة تضاهي اللغة العربية في دقة التعبير والبلاغة عن وصف المشاعر والأحاسيس وذلك من خلال الأشعار والنثر.
ويرى بعض المهتمين بقضايا اللغة العربية إلى أن الهوية العربية في خطر بسبب عدم الاعتناء بلغة الأجيال عناية كافية، فضعف اللغة يعني بالضرورة ضعفا في شعور الانتماء، كما يورث لدى الأجيال شعور الانسياق وراء الآخر، وتمجيد هويته ولغته.
وشبه الباحث عيسى برهومة الهوية واللغة والثقافة بمثلث يقوم عليه عماد الأمم والشعوب، فإذا ضعف أحد الأضلاع أو اهتزّ أو سقط تهاوت الأضلاع الأخرى إلى التهاوي والسقوط.
واختلف بعض المهتمين بقضايا اللغة والهوية حول العلاقة بينهما، فانقسموا قسمين:
* محافظ يرى أن نثمن الأصول والجذور التي انطلقنا منها، ونتمسك بها، ونرعاها، ونحييها.
* وآخر يرى أن مثل هذا التماسك يتعارض مع عجلة التطور والتقدم.
والحقيقة أن هناك نقطة وسطا بين الفريقين نستطيع من خلالها أن نتمسك بالأصول، ونحافظ عليها، وننفتح على الجديد، ونتلقى منه ما يفيد دون المساس بجوهر الهوية، أو العبث بأهمية اللغة.
ومن الأمور التي قد تقلل الانتماء إلى لغتنا:
* ضعف استعمال وتداول العربية في بعض المجتمعات، واقتصار هذا الاستعمال على ميادين محددة أو ضيقة.
* تدريس بعض التخصصات باللغة الإنجليزية وذلك على اعتبارها لغة العلم والمعرفة.
* استعمال بعض من شرائح المجتمع اللغة الإنجليزية واعتبارها أداة للتقدم، والتحضر.
ومن أهم الوسائل المعينة على تنشئة الأطفال على حب اللغة العربية وتشجيعهم على الاعتزاز بها:
تحفيظ الأطفال القرآن الكريم، وتعويد أسماعهم عليه، فهو أحسن وسيلة؛ للتمكن من اللغة العربية والتعود عليها نطقا وسماعاً.
تعليم الأطفال الحروف والمبادئ الأساسية للغة العربية منذ نعومة أظفارهم، والاستعانة على ذلك بالوسائل المحببة، والوسائط الإلكترونية، والتطبيقات الحديثة.
توفير القصص والكتب العربية الخاصة بالأطفال، وتشجيعهم على قراءتها.
** **
- محمد عثمان الخنين
aooa14301@