«الثقافية» - بندر العزاز:
يجمع بين الثقافة، الفنون، والقانون. منذ صغره، تميز بحبه للقراءة واستطلاع المعارف، لينطلق في مسيرة مهنية وعلمية لافتة، يفتح لنا المستشار القانوني والأديب الأستاذ منصور عمر الزغيبي في لقاء لـ»الثقافية» أبواب مسيرته المهنية والعلمية المتميزة، التي تجمع بين شغفه بالثقافة، الفنون، والقانون. منذ نعومة أظافره، في هذا اللقاء، يتحدث الزغيبي عن رحلته مع القانون، التحديات التي واجهها، وأهم المحطات التي أثرت في تشكيل مسيرته. كما يكشف عن اهتمامه الواسع بالقراءة في شتى المجالات، ورؤيته العميقة لدور القانون في تنظيم المجتمع وتحقيق التوازن الحضاري، كما أنه مؤسس «صالون نبل الثقافي»، وله إسهامات أدبية متعددة، من بينها كتب مثل «أرواح قانونية موهوبة»، «حروف حضارية»، و«حروف قانونية».
البدايات
* كيف كانت بداياتك مع عالم القراءة والمعرفة، وكيف أسهمت تلك المرحلة في تشكيل اهتماماتك وتطوير شخصيتك العلمية؟
كان البدايات تتشكل من المرحلة الابتدائية وتحديدا من الصف الخامس الابتدائي، بدأت علاقتي مع الكتاب – قراءة وفهما واقتناء. ومن هذه المرحلة عملت على تأسيس مكتبة صغيرة وأصبحت تنمو مع الأيام، وكذلك الشغف والعشق والاهتمام بعالم القراءة، وكان لدي فضول معرفي عالٍ جدا بفضل الله، وبسبب ذلك أصبحت قراءاتي متوسعة في كافة حقول المعارف والعلوم، والاهتمام بمعرفة الجديد في كل المجالات والاتجاهات وما يصدر من كتب ورسائل علمية وبحوث، أيضا كنت حريصا على حضور الدروس واللقاءات، والندوات، والمؤتمرات العلمية، وهذا انعكس على طريقة منهجي العلمي، وتأسيس مكتبتي وما تحتوي من موضوعات، والقراءة ساعدتني كثيرا في اكتشاف ذاتي وميولها وتطويرها.
القانون وحياة الإنسان
* ما الذي دفعك لاختيار تخصص القانون، وكيف ترى أهمية هذا العلم في حياة الإنسان وفي تعزيز الوعي الحضاري والسلوكي في المجتمعات؟
عشقي لهذا التخصص، هو سبب اختياري ومعرفة مدى أهميته في جميع تفاصيل حياة الإنسان، والقانون علم جليل مرتبط ارتباطا وثيقا مع كافة العلوم الأخرى، وأيضا القانون هو عبارة عن مجموعة قواعد أخلاقية، في أساسها لتعزيز الوعي الحضاري والسلوكي من خلال تنظيم سلوك الناس في المجتمعات ومنع أي اعتداء على الآخرين وقيمهم وما يمس كرامتهم وإنسانيتهم.
الإنجازات
* لمن تعزو الفضل فيما وصلت إليه من نجاحات وإنجازات، سواء على المستوى الشخصي أو المهني؟ وهل كان هناك أشخاص أو عوامل معينة كان لها تأثير كبير في مسيرتك؟
بهذه المناسبة أشكر الله عز وجل على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ولا يتصورها عقل الإنسان من كثرتها وليس قادرا على عدها وإحاطتها.
أولا: الوالدان، الأسرة الصغيرة، لا شك هم أصحاب الفضل الأول من ناحية الدعاء والاهتمام والعناية والحرص والتوجيه والمتابعة، وأيضا الأسرة الكبيرة وما تقوم عليه من القيم العائلية والمعاني لجميلة التي تسكنها نحو أفرادها.
كذلك من تتلمذنا على أيديهم من العلماء والأساتذة الكبار الذين درسنا عليهم ولازمناهم في مراحل مختلفة من الحياة وفي مجالات كثيرة.
الصعوبات
* ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتك خلال مسيرتك المهنية والعلمية، وكيف تمكنت من تجاوزها والتعامل معها؟
هذا السؤال مفتوح والصعوبات متنوعة ومختلفة الحجم، والحمد لله كثير من الصعوبات تتفتت بفضله وكرمه. والباقي منها يستلزم منا الإيمان بالله، والتفاؤل والتفكير الإيجابي، والعمل على فعل ما هو مناسب بأسلوب حكيم.
القانون وجودة الحياة
* كيف ترى دور القانون في تحسين جودة الحياة وتنظيم العلاقات الاجتماعية، ولماذا تعتقد أن القانون ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها في المجتمعات؟
القانون جوهره خدمة الإنسان والنهوض به، وجعل معايير الحياة أكثر جودة وجمالا من خلال تنظيماته ومعانيه وأهدافه ورسالته، فهو يخدم جميع أفراد المجتمع وأطيافه، وحتى معني بمكافحة الفئة معدومة الضمير، وقليلة الذوق والحس الإنساني التي تشكلها معاني الكراهية وممارسة الأذى.
الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة ومن المستحيل أن يعيش بمعزل عن الآخرين، لذلك القانون ضرورة من أجل تحقيق التوازن بين المصالح المتضاربة، والعدل في المعاملات.
المسيرة العلمية
* ما هي أجمل التجارب التي مررت بها خلال مسيرتك العلمية، سواء في المملكة أو خلال دراستك في المملكة المتحدة؟ وما هي التحديات أو الجوانب السلبية التي صادفتها خلال تلك الرحلة؟
من ضمن أجمل الأشياء حقيقة في مسيرتي العلمية، هي أثناء دراستي في المملكة المتحدة ربطتني الدراسة بشكل واقعي بثقافات عميقة ومختلفة من كل مكان، أيضا دراسة مناهج جديدة، وأساليب مختلفة، وحياة مختلفة، وناس رائعة كانت تجربة ثرية وعظيمة فوق الوصف. وأيضا حتى دراستي داخل المملكة كانت في كلية معروفة بقوتها العلمية، وعمق وكثافة منهجها، والشمولية، وتشرفت أن درست فيها على كبار العلماء في تخصصاتهم العلمية.
أجمل شيء حقيقة حينما ترى هذا العلم وقيمه ومعانيه يجسدها العالم القدوة، هنا يكون للعلم معنى حضاري نبيل وعظيم يفوق كل وصف، وتتحقق مقاصد العلم الشريفة.
وأسوأ شيء حينما نلمس حضور النفس المادي ومفاهيمه حتى في أبسط التعاملات اليومية، كذلك تراجع السلوك الحضاري والقيم المعنوية – الذوق، ومهارات الاتصال، والابتسامة، وسيطرت المزاجية..
الاهتمامات الأخرى
* ما هي اهتماماتك خارج نطاق علم القانون، وكيف تؤثر هذه الاهتمامات المتنوعة في تشكيل رؤيتك وفهمك للأمور؟ وهل تعتقد أن التنوع في القراءات والمعارف يسهم في تطوير الفكر والتحليل؟
قبل أن نبتعد عن القانون أود أن أضيف أن علم القانون جميل، وله علاقة وثيقة مع كافة العلوم والمعارف والفنون في القديم والحديث. حقيقة اهتماماتي متجددة لا استحسن البقاء على رتم معين أو نطاق محدود بحكم أن القراءات المتوسعة تجعلك تدرك وتشاهد عوالم ومدن من الجمال، والمجالات والتجارب الإنسانية العالمية، والمعارف التاريخية المختلفة، وهذا يغذي التفكير وأسلوب التحليل والفهم، والخيال وحس التجربة والمغامرة، وتجعلك ترى كل شيء بشكل مختلف عن المألوف والتقليدي. اقرأ في الفكر والفلسفة والأدب وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ وعلم الجمال وفلسفته والفن وتاريخه، والدبلوماسية ومهارات الاتصال والأزياء وغيرها. وأميل إلى منهج المفكر المثقف الشمولي ومفهومه.
الإبداع في القانون
* كيف ترى أهمية الجمع بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي في مجال القانون؟ وهل تعتقد أن الإبداع في القانون يأتي من خلال تطبيق مقاصده على أرض الواقع؟
القانون لن يمكنك منه ومن فهم جوهره وأجزائه العميقة المتناثرة بشكل موضوعي ودقيق؛ حتى تقوم بالقراءة العميقة والمكثفة والمتواصلة والدراسة، وأيضا التطبيق والممارسة وكل شيء متصل بذلك. والاحتكاك بأهل الفكر القانوني المميزين، ونجد الشخصية القانونية الذي يجمع بين الدراسة والتطبيق، والاطلاع الواسع أكثر عمقا وخبرة وإضافة وإثراء في هذا المجال، وحتى يستطيع رجال القانون الإبداع والتأثير لا بد من عكس مقاصده وجوهره على أرض الواقع بشكل عملي.
القانون والعلوم الأخرى
* كيف ترى العلاقة بين علم القانون والعلوم الأخرى مثل علم النفس وعلم الاجتماع؟ وهل تعتقد أن الإبداع القانوني يتطلب فهما شاملا لهذه الفروع العلمية المرتبطة؟
كما أشرت في السابق أن علم القانون له علاقة وثيقة بكافة العلوم الأخرى على سبيل المثال لو نظرنا إلى علم النفس نجد أحد فروعه هو علم النفس الجنائي، وعلم النفس القضائي، وكذلك لو نظرنا لعلم الاجتماع نجد أحد فروعه علم الاجتماع القانوني. والإبداع القانوني يتحقق من خلال ذلك.
التجاوزات القانونية
* ما رأيك في السلوكيات السلبية التي تتجاهل منظومة الآداب والقيم المجتمعية؟ وكيف يمكن، من خلال رؤيتك القانونية، العمل على ردع هذه التصرفات والحد منها؟
المملكة أعزها الله تبذل جهودا كبيرة من أجل تعزيز معاني جودة الحياة، وهذا يتحقق بالسلوك والوعي الحضاري، وهناك فئة تتجاهل منظومة الآداب والقيم في عدم مراعات آداب النظر للآخرين، وقيادة السيارة بتهور وأنانية، وعدم احترام حقوق الآخرين في أبسط التفاصيل مثلا تجاوز الطابور.. وغيرها من الممارسات المؤذية بشكل يومي في الأماكن العامة.
القانون وعلم السلوك
* ما هو آخر كتاب قرأته، وما انطباعك عنه؟ وهل يمكنك أن تشاركنا تجربتك مع كتاب «كيف يؤثر القانون في السلوك» من سلسلة عالم المعرفة الكويتية؟
آخر كتاب قرأته هو «كيف يؤثر القانون في السلوك» للورانس فريدمان وترجمة مصطفى ناصر والكتاب من سلسلة عالم المعرفة الكويتية. الكتاب يقدم تحليلا عميقا حول كيفية تأثير القوانين في سلوك الأفراد والمجتمعات، ويبرز دور القانون في توجيه السلوكيات وتعديلها بما يخدم مصلحة المجتمع. كان كتابا ممتعا وقيما، وأوصي بقراءته لكل من يهتم بفهم العلاقة بين التشريعات والسلوك الاجتماعي.
الرسالة الأخيرة
ختاما.. أمامك ورقة وقلم وطلب منك أن تكتب رسالة ما هي الرسالة ولمن توجهها...؟
إلى القلوب البيضاء الجميلة رسالتي استمروا في التمسك بابتسامتكم أمام الأذى المعنوي.