اللغة العربية من اللغات التي تُفرِّق بين المذكر والمؤنث، وينعكس ذلك على كثير من مفرداتها وتراكيبها، وتعدّ مسألة التذكير والتأنيث من أصعب المسائل التي تواجه غير الناطقين بالعربية، وربما بعض الناطقين بها.
والتذكير والتأنيث معنيان من المعاني، فلم يكن بدٌّ من دليل عليهما، ولمّا كان المذكّر أصلاً، والمؤنّث فرعًا عليه؛ لم يحتج المذكّرُ إلى علامة؛ لأنّه يُفهَم عند الإطلاق، إذ كان الأصلَ، والدليلُ على أنّ المذكّر أصلٌ أمران: أحدُهما مَجيئُهم باسم مذكّر يعُمّ المذكّرَ والمؤنّثَ، وهو شَيْءٌ. الثاني أنّ المؤنّث يفتقر إلى علامة. ولو كان أصلًا، لم يفتقر إلى علامة، كالنكرة لمّا كانت أصلاً، لم تفتقر إلى علامة. والمعرفةُ لمّا كانت فرعًا، افتقرت إلى العلامة.
ومن الألفاظ التي تذكر وتؤنث:
- السبيل: تذكر وتؤنث. قال الله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله}. وقال تعالى: {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا}.
- الطاغوت: يذكر ويؤنث. قال الله تعالى: «والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها». وقال تعالى: «يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أمروا أن يكفروا به».
- الأنعام: تذكر وتؤنث. قال الله تعالى: {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه}. وقال تعالى في موضع آخر: {نسقيكم مما في بطونها}.
- العاتق تذكر وتؤنث. والقفا يذكر ويؤنث. وأنكر الأصمعي فيها التذكير. والإبط تذكر وتؤنث، والتذكير فيه أكثر.
- العنق: يذكر ويؤنث. وقيل إن ضمت النون كان مؤنثاً وإن سكنت كان مذكراً. وقال الأصمعي: لا أعرف فيه التأنيث.
- الصاع: تؤنثه أهل الحجاز، وتجمعه ثلاث أصوع مثل أكلب وأشهر، والكثير الصيعان. وأسد وأهل نجد يذكرونه، ويجمعونه ثلاثة أصواع، وربما أنثه بعض بني أسد؛ هذا قول الفراء.
- الكُراعُ: يذكر ويؤنث، والتأنيث أكثر، وجمعه أكرع، وأكراع، وبعضهم يقول: كرعان للجميع.
- النخل: يذكر ويؤنث، وتصغيره نخيل لئلا يشبه تصغير نخلة.
- الطريق: يذكر ويؤنث، قال صاحب المصباح المنير: (وَالطَّرِيقُ يُذْكَرُ فِي لُغَةِ نَجْدٍ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} وَيُؤَنَّثُ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ). ولاحظ أنه في قراءة الحسن البصري (يبْسا) بالسكون، وفي قراءة الأعمش (يَبِسا) بالكسر، وهذا لا يحتمل التأنيث، ولما قال صاحب القاموس (الطّريق ... يُذكّر ويؤنَّث)، تعقبه ابن الطيب الفاسي بقوله: (وظاهِرُه أنّ التّذكيرَ هو الأصلُ والتّأنيثُ مرْجوحٌ والصّوابُ العَكْس؛ فإنّ المشهورَ في الطّريق هو التّأْنيث والتّذكيرُ مرْجوح خِلاف ما يوهِمُه المصنِّف)، فتعقبه الشارح الزبيدي بقوله: (والذي صرّح به الصّاغانيّ أن التّذكيرَ أكثرُ فتأمّل ذلك، وشاهِد التّذكير قولُه تعالى: {فاضْرِبْ لهُم طَريقاً في البَحْر يَبَساً}). وأما شواهد التذكير في كلام العرب فهي أكثر من أن تحصى، وهي الفيصل في مسألة الأفصح، ومن المشهور جدا في كلام العرب قولهم (طريق مهيع).
قال عنترة:
فَما تَرَكتُ لَهُم وَجهاً لِمُنهَزِمٍ
وَلا طَريقاً يُنَجّيهِم مِنَ العَطَبِ
وقال حجل الباهلي:
إِذ لا أَزالُ عَلى طَريقٍ لاحِبٍ
وَكَأَنَّ مَتَنَيهِ حَصيرٌ مُرمَلُ
وقال جرير:
إِنَّ الطَريقَ إِذا تَبَيَّنَ رُشدُهُ
سَلَكَت طُهَيَّةُ في الطَريقِ الأَخيَبِ
الزَّوج: عند أهل الحجاز يقع على الذكر والأنثى جميعاً. وعلى واحد منهما. الرجل زوج المرأة والمرأة زوج الرجل بغير هاء وهما جميعاً زوج، وذلك أفصح عند العلماء وأصح. وأهل نجد يقولون: زوجة للأنثى وهو أكثر من زوج، وزوج أفصح من زوجة.
وأما الشهور كلها مذكرة إلا جماديين؛ فإنهما يؤنثان ويذكران.
والأيام مذكرة إلا الثلاثاء والأربعاء والجمعة فإنها يجوز تذكيرها وتأنيثها.
** **
- محمد بن عثمان الخنين
aooa14301@