من ضمن الإنتاج التلفزيوني الذي شدني عنوانه، والخلفية التي يقف عليها، كان المسلسل التلفزيوني 100 «من العزلة»، للمخرج الأرجنتيني الأصل أليكس غارسيا ماركيز، والتي تستند بشكل شبه حرفي على الرواية الأكثر شهرة للكاتب الشهير غابرييل جارثيا ماركيز، وهي تعد أحد أهم روايات الواقعية السحرية في أدب أمريكا الجنوبية، وقد انتهيت من مشاهدة الحلقات الثماني التي أعدت للعرض لحد الآن.
لن أتحدث هنا عن العمل الأدبي لأنه غني عن التعريف، ومستغني عن كتابتي عنه، فحديثي سينصب على المسلسل التلفزيوني.
في البداية، يتعامل الناس مع الأعمال الفنية التي تنتجها الشاشة الصغيرة أو السينما، وتستند على قصص وأعمال مكتوبة أو أحداث تاريخية، بطريقتين، هناك من يفضَّل أن ينقل العمل المكتوب، سواء كان عمل سيرة أو تاريخاً أو تناولاً لحدث ما، أو عملاً أدبياً، كما هو. على وجه الخصوص الأعمال التي تستند على كتب التاريخ والأحداث والوقائع التاريخية والسياسية والسير، وعلى الرواية السائدة للحدث. لأن تغيير الأحداث أو الوقائع، أو اختلاق أحداث جديدة، قد يعتبر نوعاً من تزييف التاريخ. وهنا يميل العمل غالباً ليكون توثيقياً وثائقياً، لا يتطلب الكثير من الإبداع في الكتابة والإخراج.
وهناك أعمال تستند على أعمال أو أحداث مكتوبة، لكنها تحاول إعادة قراءتها، برواية أخرى، ومن زوايا مختلفة، أو التركيز على إظهار جوانب مضمرة وإعادة تسليط الضوء عليها، أو الانتصار لوجهة نظر مختلفة وغير سائدة، لكنها تمتلك وجاهة تمنحها الحق في الظهور، سواء، فإذا تم الأمر بطريقة موضوعية مهنية محترفة، عد ذلك إعادة قراءة للعمل المكتوب أو الحدث، أو تعميق بعض الجوانب فيه، أو نقد له. وهناك أعمال تحاول إعادة تكوين العمل المكتوب أو الحدث لأسباب أيديولوجية، تعيد تكوينه عبر إعادة تفسير وتأويل أحداثه، بما يخدم وجهة النظر المسبقة، لدى من يحاول فعل ذلك.
من جهة أخرى، فإن الأدوات والشروط الفنية التي يمتلكها العمل الفني المصور عبر الشاشتين الصغيرة والكبيرة، لها تمايزها واختلافها عن تلك الأدوات في حال كتابة العمل للقراءة فقط، فعمليات كتابة السيناريو والحوار، الإخراج، التصوير، المونتاج، جميعها عمليات إبداعية، لها أدواتها وشروطها، وهناك «البنية» العامة للعمل الدرامي، التي يجتمع فيها كل ذلك. ولا نغفل أهمية إدراك الفارق بين الجمهور المستهدف في العمل المكتوب، بغض النظر عن نوعه، وبين جمهور العمل التلفزيوني أو السينمائي. وآثر طبيعة كل جمهور على طريقة تنفيذ كل عمل منهما.
ولو عدت إلى المسلسل، والذي كان جابرييل جارثيا ماركيز قد رفض تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي في حياته، لأنه حسب وجهة نظره كانت تغطي فترة طويلة تصل إلى عدة أجيال، ومن الصعوبة تختزل في عمل سينمائي واحد. فإنني كقارئ للعمل الروائي بشكل مسبق، وهو عمل أدبي، لا يدخل تحت مفهوم التأريخ أو التوثيق، لموضوع أو حدث أو قصة أو وقائع تاريخية. ويستند في جزء كبير منه إلى رؤية خيالية، تلمس أو تتماس مع بعض مشاهد الواقع.
كنت أتوقع من مخرج العمل والقائمين عليه، أن يمارسوا إبداعهم الخاص، وفق الأدوات في المجال الذين يمارسون دورهم الفني فيه، لكيلا يكونوا مجرد «ناقلين» للرواية، من شكل فني إلى آخر، دون قيمة مضافة إبداعية كبيرة، إذا ما استثنيت عملية «تأثيث المكان» بصرياً، والتصوير واختيار الألوان والإضاءة، والأزياء، والتي أدخلتنا بشكل كبير في أجواء الواقعية السحرية.
لكنه على مستوى الأحداث والسيناريو والحوار، التزم بشكل يكاد أن يكون حرفياً، بنص الرواية، فلم يكن هناك دور إبداعي كبير لمن كتب حوار وسيناريو ومشاهد المسلسل، في التحرر الجزئي، من نص الرواية، وإعادة الكتابة، بما يتناسب مع شروط الشاشة وجمهورها، فلمن قرأ الرواية، سيبدو كل حوار ومشهد متوقع ومحفوظ بشكل مسبق، مع بطء وانفصال، كأننا أمام مشاهد متتالية لكنها تبدو منفصلة عن بعضها، ومع اعترافي أن هذا العمل نال إعجاب الكثير، لكنني مع توالي الحلقات كنت أصاب بخيبة وملل.
** **
عبدالخالق عمر مرزوقي - الدمام
a.khalq@gmail.com