الثقافية - كتب:
صدر كتاب: «أحكي لكم عن أبي.. شيء من حياته.. شيء من أعماله»، عن دار جداول، وهو من تأليف طارق نجل الشيخ محمد العبودي، ويندرج هذا الكتاب ضمن السيرة الغيرية، ويقع في 359 صفحة، من القطع المتوسط، ويضم مجموعة من الصور النادرة للشيخ محمد العبودي، يقول المؤلف مبيِّنًا سبب تأليف هذا الكتاب: «بدأت فكرة هذا الكتاب، قبل وفاة والدي الشيخ محمد بن ناصر العبودي، رحمه الله، بسنوات عدة. وقد باشرت كتابته، ثم أطلعت والدي على نسخة مبدئية منه، فأقرها بعد أن أدخل عليها بعض التعديلات بخط يده، وطلب مني إكماله، جزاه الله عني خير الجزاء.
ثم انشغلت بأمور شتى فتركته، ولم أعد إلى إكمال الكتاب إلا بعد رحيله، جبر الله كسري على فقده.
وكنت أود أن يظهر هذا الكتاب في حياته، كما ظهرت كتب شقيقاتي، لكن قدَّر الله وما شاء فعل، والأمر له وحده من قبل ومن بعد، والحمد لله على كل حال.
توفي والدي، رحمة الله عليه بالرياض في الثاني من ذي الحجة 1443هـ (الأول من تموز/يوليو 2022م)، وهو في الثامنة والتسعين من عمره محسوباً بالسنوات الهجرية بعد حياة حافلة بالمنجزات التي سأبين لمحات منها في الصفحات المقبلة.
فمن فضل الله تعالى أن مَدَّ الله في عمره، وعافاه في بدنه، وأوسع له في رزقه، ومنحه محبة الناس له، وأنعم عليه بالزوجة التي أحبها وأحبته، وبالبنين والبنات، وحباه بوظيفة، بل وظائف حكومية قيادية، كأنها مفصلة على مقاسه وتطلعاته وشغفه.
وعندما يراجع المرء كامل مراحل حياته، سيجد أنه عاش في فترة ذهبية، خاصة أن الله قد أنعم على بلاده - مع مولده - بالأمن والاستقرار، وأغدق عليها من الخيرات، وهو ما مكنه بعد أن عاش في تلك المرحلة المفصلية التي جمعت بين عصرين مختلفين، أن يستخدم أدوات الحاضر، متسلحا بخلفية زمن مختلف، ليستطيع في النهاية أن يكتب ويُسجل، ويضمن لنفسه مكانة بارزة في تاريخ بلاده الثقافي.
على المستوى الشخصي، ربما تكون أهم نعم الله الكثيرة على والدي، نعمة حب المطالعة، والتطلع لتعلم الجديد، والجلد في البحث عن المعلومات، وجمع الأسانيد، ثم مباشرة أو مكابدة الكتابة، فتعلقه بهذه المناشط والاهتمامات، جعله يزهد في مجالس القيل والقال، ويترفع عن مواطن اللغو والهزل، ولا أظنه يُخفى أن مجالس القيل والقال لا تنحصر في بيئة أو طبقة معينة، بل ستجدها في شتى المجالس، وعند مختلف الطبقات من أدناها إلى أعلاها.
لقد أشغل والدي نفسه بما يُحب، بل وكرَّس نفسه لذلك. وكان من فضل الله عليه، أنَّ بعده عن الأضواء، وزهده في التصدر والشهرة، لم يمنعانه من التمتع بتقدير عال لدى جموع كثيرة من الناس. ولا أعزو ذلك، بعد القبول من الله، إلا للبعد عن الشللية والتحزّب، فهو عملياً بلا أعداء، وإن كان أيضًا بلا حلفاء، إذ هو منشغل بما بين يديه من بحث وتدوين، ولا تدور هذه الأمور أصلا في مخيلته.
ورغم أن والدي كان منذ نعومة أظفاره، من أكثر الناس مداومة على تسجيل يومياته، ودأب على استخدام تلك اليوميات في كتبه، إلا أن هناك جانباً، بل جوانب من حياته لم يتطرق إليها، إذ ستجد في كتبه شذرات من هنا وهناك لحياته الخاصة، لكنه لم يكن يستفيض في ذكرها، كعادته بالاستطراد في كتبه.
أما ما لن تجده في كتبه، فهو الاستطراد في أعماله الخيرية، وبره بأهله وبأصدقائه، وهو باب كبير للكتابة فيه، لإيضاح جهوده في إسعاد أولئك الذين يهمه أمرهم، وأداء ما يراه واجبًا عليه تجاههم.
كما لن تجد ذكرًا لخيبات الأمل العملية، فهو دائما إنسان إيجابي، لا يقف كثيرا عند العثرات، ويترفع عن الولوغ بالدسائس والتكتلات، أيا كانت تلك التكتلات مناطقية أو حزبية أو غيرها.
كذلك لن تجد حديثًا له، عن طريقة تعامله في بيته، ومع زوجته وأولاده وجميع من هم حوله من إخوة وأخوات، وما يتبع أولئك من حلقات.
في هذا الكتاب، سأتناول شيئًا من حياة والدي، ومسيرته العلمية والعملية والعائلية، مع التركيز على جانب حياته الخاصة، وربما أبث وجهة نظري تعليقا على بعض الأحداث وسياقاتها.
لن اقتصر في هذا الكتاب على جوانب حياته الخاصة، بل سوف أذكر ملاحظات جديرة بالتسجيل حول هذا الرجل الكبير، خاصة فيما يتعلق به أبا وابنا وزوجا ومؤلّفا وموظفا حكوميًا، كما لن أضع حدا ألتزم به فيما يتعلق بالاستطراد عند الحديث في أمور ليس لها علاقة مباشرة به بل بنا نحن عائلته.
وقد كان عزمي منذ بداية التفكير بكتابة هذا الكتاب ألا يكون سيرة تبجيلية، وحقوق هذه التسمية، كما هو معروف، هي للباحث علي العميم، وإن كان العميم قصد بالسيرة غير التبجيلية تسليط الضوء على مثالب سيرة من كتب عنه وفكره وتقلباته، أي أنه كان منصبا على النقد الموضوعي لمن تناول الحديث عنه، لا رواية القصة والانطباعات كما هو الحال في هذا الكتاب.
وإنما قصدت أن يكون هذا الكتاب موضوعيا قدر الاستطاعة، مبتعدا فيه عن المديح المباشر أو الممجوج لوالدي، مدركا أن الموضوعية والحياد مهمة صعبة، فأنا شديد المحبة والامتنان له لما قدمه لي ولأسرته والمجتمع كما حرصت على عدم نفخ الكتاب وتضخيم حجمه، بل إنني أعددت قائمة مفصلة بكتب والدي، وذكرتُ فيها كل ما يتعلق بتلك الكتب مما أود التعليق عليه أو تقديم شرح مختصر عنه، لكني صرفت النظر عنها لطولها، إذ رجحت أن القارئ سوف يتجاوزها إلى غيرها عند قراءته للكتاب.
وقد استبدلتُ تلك القائمة بقائمة قصيرة تحتوي على عناوين الكتب وسنين نشرها فقط، اعتمادًا على أن المهتم يمكن له أن يصل إلى الكتاب من عنوانه وسنة نشره، فمثلا كتاب: «مأثورات شعبية»، من الكتب الظريفة والقليلة الصفحات التي لم تنل حقها من الانتشار، وضاع ذكره بين المعاجم والتراجم والرحلات.
هنا أنني قد دللت القارئ المهتم عليه، وسيجده من رغب في وحسبي المكتبات العامة، وبعض الخاصة.
هذا الكتاب ثم رأيتُ ألا أفعل وتركتها خشية كما كنت قد جمعت نقولات مطوّلة من كتب والدي وما نشره من مقالات أن يمل القارئ ويكبر حجم الكتاب. فالقارئ يهمه في النهاية أن يسمع الجديد الحميم عن لأقتبسها في هذا الرجل الذي له ريادة في ميادين شتى.
كما ابتعدت عن نقل ما كُتب عنه من مقالات ودراسات، إلا ما يطرأ عرضًا ويتعلق بنقطة أريد التعليق عليها أو تأكيد صحتها أو العكس، ضاربًا المثل بما كتبه فلان من الناس حول هذه النقطة أو تلك، مع محاولة إبقاء ذلك في أضيق نطاق ممكن.
وأُدرك أن القارئ الكريم سيستحضر المقولة المنسوبة لتشرتشل، التي اعتذر فيها عن طول خطابه بعدم وجود وقت لديه للاختصار، فرشاقة الكتاب دليل على احترام وقت القارئ، وتخليصه من عناء البحث عن اللحم بين الشحوم.
وقد أكثرت، بل أسرفت، في استخدام الصور، ووجهة نظري - التي أرجو أن تكون صحيحة - تقول إن الصور ليست من الحشو، فهي تقدم جديدًا وتُعطي للقارئ مساحة للتأمل والبعد الإنساني لمحتوى هذا الكتاب.
وقد كان من الصعب جدًا علي الالتزام بعدم إيراد نماذج من بعض أعماله، فعمدت إلى مخرج هو وضع عملين من أعماله فقط كملحق في نهاية الكتاب لا في متنه، إذ لم أستطع مقاومة إغراء وضعهما، لأنني أظن أن أكثر قرائه لم يطلعوا عليهما.
كذلك أعتذر عما يمكن أن يراه القارئ من استطراد في غير موضعه كحديثي عن نفسي وعن أسرتي، لكن عذري أنني كنت أكتب كما أتحدث، بمعنى أنني كنت أتخيل القارئ الكريم جالسًا أمامي، ويستمع إلي، وقَدَّرتُ أن حديثي في مثل هذه الحالة سيشتمل على مثل هذه القصص.
ومعلوم أن المرء صنيعة والديه، فما بك من خير وما لديك من مهارات، إنما يكون في الغالب نتيجة التنشئة التي نشأتها، وما أنا وأشقائي وشقيقاتي، إلا تلاميذ في مدرسته، رحمة الله عليه.
هذا ما بدا لي في أثناء إعداد هذا الكتاب، راجياً الله أن يكون جهدي المتواضع هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يغفر لهذا الرجل الكبير، ويُجزيه عنَّا خير الجزاء»، ويرصد هذا الإصدار جوانب متعددة من حياة الشيخ العبودي، ومعلومات مهمة ترد لأول مرة عن الفقيد - رحمه الله.