الثقافية - علي بن سعد القحطاني:
أعرب الناشر عبدالله الماجد صاحب دار المريخ التي أُغلقت مؤخرا عن قلقه العميق إزاء التراجع المستمر للكتاب الورقي في ظل الاكتساح الرقمي المتسارع، معتبرًا أن هذا التحول لا يمثل مجرد تطور طبيعي في وسائل النشر، بل هو أزمة حقيقية تهدد موثوقية المعرفة. وأكد الماجد في حديثه لـ«الجزيرة الثقافية» أن الاعتماد المتزايد على المحتوى الإلكتروني أدى إلى تراجع التدقيق العلمي والتحكيم المتخصص، مما أثر على جودة النشر ومصداقيته.
وفي سياق حديثه عن تاريخ الطباعة والنشر العربي، أوضح الماجد أن جذوره تمتد لأكثر من قرنين ونصف، حيث شهد نقلة نوعية عقب إدخال المطبعة إلى مصر عام 1798م على يد نابليون بونابرت. إلا أن البدايات الفعلية للطباعة في العالم العربي سبقت ذلك، إذ ظهرت أول مطبعة عربية قرابة عام 1468م، وكانت مخصصة لطباعة الكتب المقدسة.
ومع بداية القرن التاسع عشر، شهد النشر العربي تحولًا نحو مزيد من التنظيم والتخصص، مع تركيز متزايد على تحقيق التراث المخطوط بدقة وجودة تفوق ما هو عليه اليوم. وكان لهذا التطور دور كبير في نشوء حركة تحقيق التراث، حيث ساهم علماء بارزون، مثل أحمد شاكر، محمود شاكر، عبد السلام هارون، وحمد الجاسر، في حفظ هذا الإرث ونشره. كما أسهم اتساع النشر الأكاديمي في الجامعات في وضع معايير صارمة لضبط جودة النشر العلمي، إلا أن العقود الأخيرة شهدت تراجعًا ملحوظًا في معايير التدقيق العلمي، مما انعكس على جودة المحتوى المنشور.
ويروي عبدالله الماجد عن الدكتور شعبان عبد العزيز - رحمه الله - ما ذكره عن الناشر نجيب متري، صاحب دار المعارف، الذي كان يُعرف بدقته الشديدة، حيث كان يراجع كل صفحة مطبوعة بالعدسة المكبرة لضمان أعلى معايير الجودة. لكن اليوم، لم تعد الدقة الطباعية هي التحدي الأكبر، بل أصبح التحدي الحقيقي في توثيق المحتوى الرقمي ومصداقيته، خاصة مع الانتشار الواسع للنشر الإلكتروني دون ضوابط واضحة. وفي ختام حديثه لـ«الثقافية»، شدد عبدالله الماجد على أن توسع النشر الإلكتروني أدى إلى تراجع دور الكتاب الورقي، مما خلق إشكالية جوهرية تتعلق بموثوقية المحتوى الرقمي. وفي ظل هذا الواقع المتغير، يتساءل الماجد: «هل سيتمكن النشر الرقمي من الحفاظ على معايير الجودة والتوثيق التي ميزت النشر الورقي، أم أننا أمام مرحلة جديدة تعيد صياغة مفهوم المعرفة؟».