بحضور صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل، دشّنت جائزة الملك فيصل النسخة العربية من كتاب «الحملات الصليبية: منظور إسلامي» للبروفيسورة كارول هيلينبراند، الحائزة على جائزة الملك فيصل عام 2005. أُقيم حفل التدشين بحضور صاحب السمو الأمير بندر بن سعود بن خالد آل سعود، الأمين العام لمؤسسة الملك فيصل الخيرية، وصاحبة السمو الملكي الأميرة مها الفيصل، الأمين العام للمركز، وسعادة الدكتور عبدالعزيز السبيّل، الأمين العام لجائزة الملك فيصل، إلى جانب نخبة من الباحثين والأكاديميين والمهتمين بالدراسات التاريخية.
تركي الفيصل: «الحروب الصليبية لم تنتهِ وهذه الترجمة تأتي في وقت حاسم»
خلال كلمته في حفل التدشين الذي انعقد في معهد الفيصل بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، أعرب الأمير تركي الفيصل عن تقديره لجهود الجائزة في إصدار الترجمة العربية لهذا الكتاب المهم، مشيدًا بطباعته الجيدة التي تتجاوز جودة الطبعة الأصلية. وأكد سموه على الأهمية البالغة للكتاب، لكونه يعتمد على المصادر التاريخية والرؤية الإسلامية للحملات الصليبية، وهي رؤية ظلّت غائبة لقرون في الأوساط الأكاديمية الغربية.
وأشار إلى أن البروفيسورة هيلينبراند عملت على إبراز وجهة النظر الإسلامية تجاه هذه الحملات، مما يسهم في تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة في الغرب، وتعزيز الحوار الثقافي بين الحضارات. كما شدد على أن الترجمة العربية للكتاب تتيح للقارئ العربي فهماً أوسع لهذا الحدث التاريخي المحوري، مؤكدًا أن الحملات الصليبية لم تنتهِ، بل ما زالت مستمرة بأشكال مختلفة حتى اليوم.
ودعا سموه الأمانة العامة لجائزة الملك فيصل إلى تنظيم ندوات علمية في الجامعات العربية، لمناقشة الكتاب وإثراء البحث الأكاديمي حول الحملات الصليبية، التي لا تزال بحاجة إلى المزيد من الدراسات العميقة.
عبدالعزيز السبيّل: «الكتاب يتجاوز كونه تأريخًا للحروب الصليبية»
من جانبه، رحّب الدكتور عبدالعزيز السبيل بالحضور، مشيدًا بالقيمة العلمية الكبيرة للكتاب، الذي نال تقدير الأوساط الأكاديمية ولجان التحكيم بجائزة الملك فيصل. وأوضح أن الكتاب لا يقتصر على كونه تأريخًا للحملات الصليبية، بل يتناولها بصفتها حروباً دينية ثقافية تداخلت فيها أبعاد سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وجغرافية، وأدبية، وهو ما انعكس في فصول الكتاب التسعة.
وأشار السبيّل إلى أن قرار ترجمة الكتاب جاء بعد تواصل الجائزة مع المؤلفة، التي أبدت تعاونًا كاملاً لإنجاز المشروع. ووقعت الجائزة اتفاقية مع مطبعة جامعة إدنبره، تتيح لها حقوق الترجمة العربية، كما زوّدت المطبعة الجائزة بالصور والأشكال الواردة في النسخة الأصلية.
كما نوّه إلى الجهود الكبيرة التي بذلها الدكتور محمد الفريح، الذي راجع الترجمة بدقة متناهية، إضافة إلى المراجعة العلمية للدكتور عبدالله الربيعي، مما ساهم في تحسين جودة الترجمة وتدقيق بعض الأسماء والتواريخ.
أهمية الترجمة ودورها في نقل المعرفة
أوضح السبيّل أن نقل عمل ضخم من لغة إلى أخرى يعني انتقاله من ثقافة إلى ثقافة جديدة، وهو ما استدعى إعادة صياغة بعض العبارات لضمان انسجامها مع السياق الثقافي العربي، مع الأخذ في الاعتبار الحساسية الدينية والمذهبية في بعض المواضع، وقد تم ذلك بعد مناقشات علمية مع المؤلفة في جلسات متعددة في إدنبره والرياض وأكسفورد.
وأكد أن جائزة الملك فيصل لا تتبنى بالضرورة الأفكار المطروحة في الكتاب، إذ تعود المسؤولية إلى المؤلفة، لكن الجائزة تؤمن بحرية البحث الأكاديمي، وتأمل أن تسهم الترجمة في تحفيز الباحثين على مناقشة الكتاب ودراسته بعمق.
آراء أكاديمية حول الكتاب
شهد الحفل مداخلات من عدد من الأكاديميين والمتخصصين، حيث أشار البروفيسور عبدالعزيز الهلابي، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الملك سعود، إلى أن البروفيسورة هيلينبراند كانت أول مستشرق يتجرؤ على تقديم الرؤية الإسلامية للحملات الصليبية، بعد أن ظلت هذه الرؤية مغيّبة عن الدراسات الغربية.
كما أعرب البروفيسور ريتشارد مورتيل، رئيس تحرير مجلة دارة الملك عبدالعزيز باللغة الإنجليزية، عن دهشته من الجهد البحثي الذي بذلته المؤلفة، مشيرًا إلى أنها اعتمدت على مصادر عربية بشكل غير مسبوق في الأوساط الاستشراقية.
بدورها، تحدثت البروفيسور إنعام بيوض، مديرة المعهد العربي العالي للترجمة، عن التحديات التي واجهها فريق الترجمة أثناء العمل، فيما اقترحت الأميرة مها الفيصل طباعة نسخة شعبية من الكتاب، يسهل حملها وقراءتها على نطاق واسع.
وثمنت البروفيسورة موضي السرحان الترجمة العربية للكتاب حيث إن المكتبة العربية لا تزال بحاجة إلى مزيد من الدراسات حول موضوع الحروب الصليبية.
وأشار الدكتور زاهر عثمان إلى المستوى المتميز لطباعة الكتاب الذي تمثل في زيادة مقاسه عن الأصل، والاعتناء بمئات الصور التوضيحية التي ساهمت في إثراء النص معرفياً.
كارول هيلينبراند: «سعيدة بجودة الترجمة العربية»
في ختام الحفل، عُرض فيلم وثائقي عبّرت فيه البروفيسورة كارول هيلينبراند عن سعادتها بترجمة كتابها إلى العربية، مشيدةً بالجودة العالية للترجمة ودقة المراجعات التي خضع لها النص، مما أسهم في ضمان وضوح المعاني واحترام الفروق الدلالية بين اللغتين.
وأكدت هيلينبراند أنها وافقت على التعديلات الطفيفة التي أجرتها الجائزة لضمان ملاءمة النص للسياق العربي، لا سيما في المواضع ذات الحساسية الثقافية والدينية، معربةً عن أملها في أن يسهم الكتاب في تعزيز الفهم المتبادل بين الثقافتين.
ختام الحفل وتطلعات مستقبلية
اختُتم الحفل بشكر الدكتور السبيل لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، الذي دعم مسيرة الجائزة على مدار خمسة عقود، وللأمير تركي الفيصل على رعايته المستمرة، وللأمير بندر بن سعود بن خالد، الأمين العام لمؤسسة الملك فيصل الخيرية، على دعمه لبرامج الجائزة. كما ثمن التعاون المثمر بين الجائزة ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، بقيادة الأميرة مها الفيصل، لتحقيق الأهداف الثقافية والمعرفية التي تخدم البحث العلمي والحوار الحضاري.