نستعرض من خلال العملين التاليين جوانب مختلفة للخطط المستقبلية التي تحملها ولاية ترامب الثانية لبلاده وللعالَم: فإلام ستؤول إليه الأوضاع في الولايات المتحدة الأمريكية؟
الكتاب الأول عنوانه «ماذا بعد أمريكا؟» (صدر عن دار نشر بالان عام 2024 في حوالي 224 صفحة)
مؤلف الكتاب هو جي ميلييرMillière Guy، الأكاديمي المتخصص في الاقتصاد والقضايا الجيوسياسية، والرئيس السابق لمعهد تورجوTurgot، والباحث في معهد جيتستون Gatestone في نيويورك، وعضو التحالف الأمريكي للحرية l»American Freedom Alliance في لوس أنجلوس. ترجم مقدمة مذكرات رونالد ريجان الشخصية إلى الفرنسية. كتب آلاف المقالات باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وفاز بجائزة الكتاب الليبرالي في عام 2004 عن مجمل أعماله.
يقدم كتاب «ماذا بعد أمريكا؟» وصفا دقيقا وموثقا لتأثير سياسة إدارة بايدن على الولايات المتحدة الأمريكية داخليا وخارجيا، كما أنه يساعد في فهم الضغوط الجيوسياسية والدوافع التي أدت الى المواجهة بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي.
يأتي العنوان الفرعي لهذا الكتاب طارحا سؤالا محوريا حول الانتخابات الرئاسية التي تقررت في 5 نوفمبر 2024 والتي يمكن أن تكون الانتخابات الأخيرة نتيجة لطبيعية الاستقطاب السياسي بين هذين الحزبين الرئيسيين.
يذكر مؤلف كتاب «ماذا بعد أمريكا؟» أن التضخم الناتج عن إنفاق تريليونات الدولارات لتطوير المجتمع أدى، على الصعيد المحلي، إلى انخفاض حاد للقدرة الشرائية وإلى زيادات كبيرة في أسعار الوقود والغاز والكهرباء، جاء ذلك بالتوازي مع تخلي إدارة بايدن عن مراقبة الحدود بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وانفجار الهجرة غير الشرعية وزيادة نسبة الجريمة.
أما على الصعيد الخارجي، وفقا لمؤلف كتاب «ماذا بعد أمريكا؟»، فقد أدت الإدارة الكارثية للانسحاب الفوضوي من أفغانستان إلى فشل أمريكي مهين، اذ يرى المؤلف أن هذا الانسحاب، الذي يشكل في حد ذاته مصدر قلق لكثير من المحللين والخبراء السياسيين، ما كان ليحدث إلا نتيجة لتواطؤ الحزب الديمقراطي ورجال الأعمال الكبار وإدارة بايدن مع الصين.
يشدد جي ميليير على أن الولايات المتحدة الأميركية ستواجه تحديات داخلية كبيرة مرتبطة بالركود الديمقراطي، الأمر الذي يجعل الممارسات الديموقراطية الحقيقية قد لا تتوفر بشكل جيد لقطاع كبير من الأمريكيين، كما أنها ستواجه أيضا تحديات خارجية تتعلق بالتأثير الذي ستخلفه هذه الانتخابات على السياسة الخارجية الأميركية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، فهل ستواصل الولايات المتحدة الأمريكية دعم إسرائيل في تصديها للمشروع النووي الإيراني؟ وهل تتوقف الولايات المتحدة عن لعب الدور الذي لعبته منذ الحرب العالمية الثانية؟ وهل يدخل العالَم مرحلة ما بعد أميركا؟
أخيرا، ان كتاب «ماذا بعد أمريكا؟» مهم جدا من أجل التعرف على الرجل الأقوى في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يُصنّف بأنه قريب من اليمين المتشدد، الأمر الذي يعدّ مفتاحا أساسيا لمعرفة الى أين وصلت الولايات المتحدة الأمريكية اليوم وأين ستكون غدا. من هذا المنطلق، يرى المؤلف جي ميلييرMillière Guy إن فهم ما يحدث اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية يعد أمرا بالغ الأهمية ويجب أن يثير اهتمام ويقظة كل المهتمين بدولة القانون والديمقراطية والحرية.
الكتاب الثاني عنوانه: «أمريكا متصدعة، تغرق في قلب أمة منهارة» (صدر عن دار نشر أرمون كولان هذا العام 2025 في حوالي 200 صفحة)
مؤلف الكتاب هو رومول سكيوراRomuald Sciora ، كاتب مقالات فرنسي أمريكي، ومدير المرصد السياسي والجيوستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية IRIS. وهو أيضا عضو مشارك في كرسي راؤول داندوران في جامعة كيبيك في مونتريال، مؤلف للعديد من الكتب وكاتب مقالات ومعد أفلام وثائقية، ويظهر عدة مرات في الأسبوع في وسائل الإعلام الفرنسية والدولية للتعليق على الأحداث الجارية.
في هذا الكتاب، يجول المؤلف بين ممرات البيت الأبيض وبعض الولايات الأمريكية التي مزقتها عقود من الليبرالية الجديدة وما زالت تكافح في سبيل التعافي من عواقب جائحة كوفيد-19. يؤكد المؤلف على أن أميركا أصبحت ضعيفة بشكل متزايد بسبب الانقسامات العرقية والثقافية والدينية، الأمر الذي أدي الى مطالبة بعض الأقاليم بالحكم الذاتي أو الانفصال.
يطرح مؤلف الكتاب مجموعة من الأسئلة تدور حول الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت صورة نمطية لأمة فقدت وحدتها وتماسكها وكشفت عن شقوق عميقة تهدد مستقبلها:
ما الانقسامات الرئيسية التي تحكم المجتمع الأمريكي وكيف يمكننا تفسيرها؟
تشهد الولايات المتحدة الأمريكية تزايدا في الاستقطاب السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين حول قضايا رئيسية مثل الأقليات، خاصة الأمريكيين من أصل أفريقي، التي لا تزال تواجه تباينات اجتماعية واقتصادية. فهذه الانقسامات غالبا ما تتفاقم بسبب العوامل التاريخية والثقافية والاقتصادية، كما أنها تعكس التوترات العميقة التي توجد في مجتمع متنوع ومعقد مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
كيف تعتبر عودة دونالد ترامب إلى السلطة مؤشرا على تفكك أمريكا؟
ان أسلوبه القيادي المثير للجدل وتصريحاته المستفزة أدت إلى زيادة التوترات بين الجماعات السياسية والاجتماعية المختلفة وأثارت تساؤلات حول حالة الديمقراطية الأمريكية، كما أن سياساته الاندفاعية ونهجه المتعالي أثرت على العلاقات مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الأمريكية وساهمت في تراجع قوة أمريكا على الساحة العالمية.
ما السيناريوهات المستقبلية التي يمكن تصورها للولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة الانقسامات الحالية؟
تواجه الولايات المتحدة العديد من الانقسامات الحالية على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وهذا السيناريو قد يؤدي إلى صراعات داخلية أكثر حدة والى تفكك المجتمع الأمريكي، مما قد يكون له عواقب خطيرة على الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.
ختاما: يستطيع كاتب هذا المقال أن يخلص الى القول بأن أعمار الأمم تشبه الى حد بعيد عمر الانسان، فكما أن هذا الأخير سينتهي به المآل الى الموت لا محالة، كذلك يكون سقوط الأمم والحضارات، فانها حتما إلى زوال وإن طال الزمن، وخير شاهد على ذلك في العصر الحديث الإمبراطورية التي لم تكن شمس زمانها تغيب عنها، إلام صارت اليه الآن؟
** **
- د.أيمن منير