الثقافية - كمال الداية / تصوير - بدر الدوسري:
استضافت غرفة الخرج الأستاذ الدكتور: عبدالعزيز بن محمد الفيصل، رائد تحقيق الشعر العربي، في أمسية ثقافية تاريخية تحدث فيها عن تاريخ اليمامة في الشعر العربي، حيث طرح في هذه المحاضرة رؤى جديدة، حول تاريخ اليمامة، وقد أدار اللقاء المثقف أ.علي بن سليمان الدريهم، وبعد كلمة ضافية افتتح بها المقدم المحاضرة انتقل الحديث للضيف الذي افتتح الأمسية بمحاضرة قال فيها:
أول من ذكر أنه سكن اليمامة العماليق، ثم جاءت بعدهم قبيلة عنزة، ولم يصل إلينا شعر عن فترة العماليق أو فترة عنزة، أما حقبة طسم وجديس فقد ورد فيها شعر متفق على تحقيقه مثل شعر الأعشى الذي سنورده وشعر أوردته معاجم البلدان، وسوف نورده للاستئناس به لأننا لا نجزم بصحته، فقد يأتي بغير نسبة، وقد يتطرق الخلل إلى نظمه، ومن هنا تكون بدايتنا في كون الشعر شاهداً على التاريخ من فترة طسم وجديس، فنقول: سميت اليمامة على اسم اليمامة بنت سهم بن طسم، واليمامة تطلق على حمامة البيوت والبروية حمامة بالحاء. وطسم وجديس كان بينهما نزاع، ملك على طسم وجديس ملك يقال له: عمليق بن هباش بن هيلس بن ملادس بن هركوس بن طسم، وكان جباراً ظلوماً؛ تقدم إليه امرأة وزوجها في نزاع على ابنهما، أيهما أحق بحضانة، فأخذه وجعله في غلمانه، ثم أمر ببيع المرأة وزوجها، والرجل اسمه قابس والمرأة اسمها هُزيلة وهما جديسيان فقالت المرأة:
أتيْنا أَخَا طَسْمٍ لِيَحْكمَ بيْنَنَا
فأظْهَر حُكماً في هُزيلةَ ظَالِماَ
لَعَمْري لقدْ حَكًمْتَ لا مُتورعاً
ولا كُنتَ فيمَا يَلْزمُ الحُكْمَ حَاكِماً
نَدِمتُ ولمْ أنْدَمْ، وأني بعترتِي
وأصْبَحَ بعْلِي في الحُكومةِ نادِمَا
وقد بلغت أبياتها عمليق، فأمر ألا تزوج بكر من جديس حتى تدخل عليه فيكون هو الذي يغترعها قبل زوجها، فتزوجت امرأة من جديس يقال لها عفيرة بنت غفار أخت سيد جديس أي الأسود بن غفار فزفتها البنات إلى عمليق وهن يضربن بمعازفهن مغنيات:
ابدي بعْمليق وقُوِمي فارِكبي
وبَادِرِي الصُّبْح بأمْرٍ مُعْجِبِ
فسوْف تلقَيْنَ الذي لمْ تَطْلبي
وما لِبكْر دُونَهُ من مَهْربِ
ولما أدخلت على عمليق امتنعت عليه فوجأها بحديدة في قبلها فأدماها فخرجت من عنده، وقصدت مجلساً يجلس فيه أخوها وجمع من جديس فلما اقتربت من المجلس شقت ثوبها من الخلف ليرى أخوها ومن معه الدماء تسيل على قدميها وهي تنشد:
لا أحَدَ أذَلَّ من جِديس
أهكذَا يُفعلُ بالعَروُسِ؟
فأخذها أخوها فطاف بها على مجلس قومه وهي تنشد:
قصيدة منها:
فموُتُو كراماً أوْ أمِيتُو عدُوَّكُمْ
وكُونُوا كنارٍ شُبَّ بالحطبِ الجّزْلِ
عند ذلك عزم الأسود بن غفار زعيم جديس على حرب طسم، فدعا عمليقاً وكبار قومه إلى وليمة، وأمر رجال جديس بدفن سيوفهم في الرمل، فكل واحد يكون سيفه تحته في الرمل، فإذا بدأ رجال طسم في الأكل أخذ كل واحد سيفه وضرب عنق رجل من طسم، وقد بدأ الأسود بقتل عمليق وتبعه قومه فأبادوا طسماً وقد هرب من طسم رجل هو رياح بن مرة فاستنجد بتبع قيل أسعد تبان، وقيل استنجد بحسان بن تبع الحميري، وكان بنجران، والأرجح أنه استنجد بحسان لأنه ورد في قصيدة رياح وهي طويلة فورد منها بيتان هما:
إني طَلَبْتُ لأوتاري ومَظْلمتي
يا آل حَسَّانَ يَالَ العِزِّ والكَرمِ
وعِندَ حَسَّانَ نَصْرٌ إن ظَفِرْتَ به
مِنْهُ يمينُ وَرَأْيُ غيُر مُقتَسَمِ
وقد استجاب حسان بن تبع لطلب رياح بن مرة فسار حسان بجيشه إلى جو، فلما قرب من جو قال رياح لحسان إن لي أختاً متزوجة في جديس، وإنها ترى من مسيرة يوم وليلة، وإني أخاف أن ترانا فتنذر قومها، فأمر حسان رجلاً من قومه فصعد جبلاً ليرى ما حوله فرأته، وكان الرجل يخرج شوكة من رجله، وكانت اليمامة زرقاء العين، وقد رأته وأنذرت قومها فكذبوها، ثم إن رياحاً قال لحسان مر قومك أن يأخذوا من أغصان الشجر، فأخذ كل رجل غصن شجرة، وساروا إلى جو على تلك الحال فرأتهم زرقاء اليمامة وقالت لجديس يا آل جديس سارت إليكم الشجْراء أو جاءتكم أوائل خيل حمير فكذبوها فصبحتهم حمير، يقول الأعشى:
ما نَظَرتْ ذاتُ أشْفارٍ كنظرتِهَا
حقاً كما صَدَقَ الذئبيُّ إذ سَجَعَا
إذ نَظَرَتْ نَظْرةً ليستْ بكاذِبةٍ
إذ يرْفَعُ الآلُ رأسَ الكلبِ فارتَفَعَا
وقلَّبَتْ مُقلَةُ ليستْ بمُقرفةٍ
إنْسانَ عيْنِ ومُوقاً لم يكُن قمَعَا
قالتْ أرى رَجُلاً في كَفِّهِ كتِفٌ
أوْ يخْصِفُ النَّعْل لهفي أيَّةً صَنَعَا
فكذَّبُوها بمَا قالَتْ فَصَبَّحَهُمْ
ذُو آلِ حَسَّانَ يُزجي الموتَ والشِّرفَا
فاستَنْزَلُوا أَهْل جوٍّ مِن مسَاكِنهْم
وهدَّموا شَاخِصَ البُنْيانِ فأتَّضعا
ومما قالت زرقاء اليمامة في تحذير قومها من جيش حسان:
خُذُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ يا قومُ ينفعُكم
فَلَيسَ ما قَدْ أرى ما الأمر يحتقر
إنَّي أَرَى شَجَراً من خَلْفِها بَشَرُ
لأِمْرٍ اجْتَمَعَ الأقْوامُ والشَّجَرُ
وفتح حسان حصون اليمامة وقبض على زرقاء اليمامة وخلع عينيها وصلبها على باب الحصن الذي وجدت فيه، وأمر أن تسمى جو باسم اليمامة، وقال حسان تبع في نزع عيني زرقا اليمامة:
وَسَمَّيْتُ جَوَّا باليمامِة بَعْدَمَا
تَرَكْتُ عُيُوناً باليمامةَ هُمَّلاَ
نَزَعْتُ بِها عينَيْ فَتَاٍة بَصيرة
رِغَاماً ولَمْ أحْفِل بذلِك مَحْفَلاَ
تَرَكْتُ جَدِيساً كالحصِيدِ مُطرَّحاً
وَسُقْتُ نِساءَ القومِ سَوْقاً مُعجلاَ
أدَنْتُ جَدِيساً دَين طسْم بِفعْلِها
وَلَم أك لولاَ فِعلُها ذَاكَ أفعلاَ
وَقُلتُ خُذِيها يا جدِيسُ بأخِتْها
وأنْتِ لَعَمرِي كُنْتِ للِظُّلم أوَّلاَ
فَلاَ تُدْعَ جوٌّ ما بقيتُ بإسْمِها
وَلَكِنَّها تُدْعى اليمَامَةَ مُقبِلاَ
وخربت اليمامة بعد حملة حسان بن تبع، وعثر عليها بنو حنيفة فأقاموا فيها، قال ياقوت الحموي في معجم البلدان: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: خرجت بنو حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل يتبعون الريف ويرتادون الكلأ حتى قاربوا اليمامة، فخرج عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبه بن الدؤل بن حنيفة حتى هجم على اليمامة، فنزل موضعاً يقال له قارات الحُبَل (قارات مفرزات) قريب من حجر اليمامة فخرج راعي عبيد حتى رأى قصوراً ونخيلاً، ولما عاد الراعي أخبر عبيداً بما رأى، فذهب عبيد واختط حجْرا وسكنها، فسميت حَجْراً لأن عبيداً احتجرها أي أحاطها بخط رمحه، وهي ثلاثون حديقة وسماها حَجْراً وكانت تسمى اليمامة، وأقول: هل الحصن الذي صلبت فيه زرقاء اليمامة في حَجْر (الرياض) أم في الخرج (موضع اليمامة والسلمية) فموضع اليمامة والسلمية أقرب إلى الصحة لأن الأرض مكشوفة لرؤية زرقاء اليمامة، وإن كان الموضعان أطلق عليهما اليمامة، فيمامة الخرج أطلق اسمها حسان بن تبع بعد أن صلب زرقاء اليمامة، ويمامة حَجْر (الرياض) أطلق اسم اليمامة عبيد بن ثعلبه الحنفي.
ومن صعاليك اليمامة جحدر وهو من بني جشم بن بكر، وكان يخيف الناس، فأرسل الحجاج إلى والي اليمامة أن يقبض على جحدر ويرسله إلى واسط حيث يقيم الحجاج فقبض الوالي على جحدر وأرسله إلى الحجاج في واسط، فلما قُدِّم جحدر للحجاج قال الحجاج ما حملك على قطع الطريق قال جحدر: كَلَبُ الزمان وجراءة الجنان فأمر الحجاج بحبسه فحبس، فحن إلى بلاده وقال قصيدة ذكر فيها اشتياقه إلى اليمامة وحَجْر يقول:
لَقَدْ صَدَعَ الفُؤاد وقَدْ شجاني
بُكَاءُ حَمَامَتَين تَجَاوَبَانِ
وهي طويلة منها:
أيَا أَخَويَّ مِنْ جُشَمِ بْنِ بَكرٍ
أقلاَّ اللَّوْمَ إن لاَ تَنْفَعَاني
إذا جَاوَزْتمُا سَعَفاتِ حجْرٍ
وأوْدِيةِ اليمامةِ فانِعْياني
لِفتيانٍ إذا سَمعُوا بقتلي
بَكى شُبَّانُهُم وَبَكى الغَوَاني
وقُولا جَحَدرُ أمسى رهيناً
يُحاذِرُ وقْعَ مَصْقُولٍ يَمَاني
سَتَبكي كُلُّ غانِيةٍ عَلَيْه
وكُلُّ مُخَضَّبِ رَخصِ البنانِ
وَكلُّ فتًى له أدبٌ وحِلمٌ
مَعَدِّيٌّ كَرِيم غَيرُ وانِ
وقد وصلت القصيدة إلى مسامع الحجاج فأحضر جحدراً وقال له:
أيهما أحب إليك أن أقتلك بالسيف أو ألقيك للسباع؟ فقال جحدر: أعطني سيفاً وألقني للسباع فأعطاه الحجاج سيفاً وألقاه إلى سبُع ضار مُجوَّع فزأر السبع وجاءه فتلقا بالسيف ففلق هامته، وأكرمه الحجاج وخلع عليه وفرض له في العطاء وجعله من أصحابه.
وفي اليمامة صنم اسمه (عَوْض) وهو لبني حنيفة، ويقال: إنه لبكر كلها، قال رجل عن عنزة قديم يخبر أن عوضاً صنم لبكر كلها:
حَلَفْتُ بمايراتٍ حَوْلَ عَوْضِ
وأنْصابٍ تُرِكنَ لَدَى السَّعِير
ولليمامة نصيب من بائية الأخنس بن شهاب التغلبي الذي توفي قبل بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بسبعين سنة، والبائية تحدد مساكن القبائل العربية في الجزيرة العربية والعراق والشام في العصر الجاهلي وما قبله، يقول الأخنس:
لابنَة حِطَّانَ بنِ عوفٍ مَنَازِلُ
كَمَا رقَّشَ العُنوانَ في الرَّق كَاتِبُ
رفيقاً لمن أعيَا وقُلِّدَ حَبلُهُ
وحَاذَرَ جراءُ الصَّديقُ الأقارِبُ
فأدنيتُ عَني ما اسْتَعَرُتُ من الصَّبى
وَلِلمالِ عِندي اليومَ راعٍ وكَاسِبُ
لكلِّ أُناسٍ مِنْ معدِّ عِمَارةٌ
عَروضُ إليها يلجؤُونَ وَجَانِبُ
لكيزٌ لها البَحرَانِ والسيفُ كُلهُ
وإن يأِتها بَأسٌ من الهند كارِبُ
تطايرُ عن أعجازٍ حُوشٍ كأنهَا
جَهَامٌ أراقَ ماءَهُ فَهُوَ آثِبُ
وبكرٌ لها ظهرٌ العِراقِ وإن تشأ
يَحُل دُونها مِن اليمامةِ حاجِبُ
وصارت تميم بين قف ورملة
لها من جبال منتأى ومذاهب
وكَلبً لَهَا خَبتٌ فَرملَةُ عالج
إلى الحرَّةِ الرَّجلاَءِ حَيثُ تُحَارِبُ
وَغَسَّانُ حَيُّ عِزُّهُمْ في سِواهُمُ
يُجَالِدُ عَنْهُم مِقنَبٌ وكَتَائِبُ
وَبَهرَاءُ حَيُّ قَدْ عَلِمْنَا مَكَانَهُمْ
لَهُمْ شَرَكٌ حَولَ الرُّصَافَةِ لاَحِبُ
وَغَارَت إِيَادٌ في السَّوَادِ ودُونَها
برازِيقُ عُجْمٌ تَبتغِي من تضارِبُ
ولخمٌ مُلُوكُ الناسِ يُجبَى إليهمُ
إذاَ قالَ مِنهُم قَائِلٌ فهوَ وَاجِبُ
ونحنُ أُناسٌ لا حِجَازَ بأَرضِنَا
مَعَ الغَيثِ مَا نُلقَى وَمَن هُوَ غَالِبُ
تَرَى رَائِداتِ الخَيلِ حَوْلَ بُيُوتِنَا
كمِعزَى الحِجَازِ أَعجَزَتهَا الزِّرَائِبُ
ومن أعلام اليمامة الذين حفظ أخبارهم الشعر: الأعشى ميمون بن قيس بن جندل من بني ضبيعة بن ثعلبة، ويكنى أبا بصير شاعر الملوك، فشعر الأعشى ذائع ويغنى به على الصنج، ولذلك سمي الأعشى صَنَّاجَة العرب، قصد العراق والشام واليمن وأسمع شعره الملوك العرب والعجم، يقول الأعشى في بعد رحلاته وصلته بالملوك:
وَطَوَّفتُ لِلمالِ آفاقَهَا
عُمانَ وَحِمصَ فَأوريشَلِم
أَتَيتُ النَجاشِيَّ في دَارِهِ
وَأَرضَ النَبيطِ وَأَرضَ العَجَم
فَنَجرانَ فَالسَروَ مِن حِميَرٍ
فَأَيَّ مَرامٍ لَهُ لمَ أَرِمْ
وَمِن بَعدِ ذاكَ إِلى حَضرَمَوتَ
فَأَوفَيتُ هَمّي وَحيناً أَهُم
ويقول:
ألمْ تَرني جَوَّلتُ ما بين مأرب
إلى عدَنٍ فالشَّامِ والشَّامُ عَانِدُ
وذا فائِش مقد زْرْتُ في مُتمنَّعٌ
من النيق فيه للوُعُولِ مَوَارِدُ
بِبعدانَ أو رْيمَانَ أو رأسِ سَليةٍ
شِفاءٌ لِمن يَشكُو السَّمائِمَ بارِدُ
وبالقصرِ مِن أَريَابَ لوبِتَّ لَيلةً
لَجاءَكَ مَثلوُجٌ من المَاءِ جامِدُ
ونَادَمتُ فهداً بالمَعَافِر حِقبةً
وفَهَدُ سَمَاحٌ لَم تٌشِبْهُ المَوَاعِدُ
وقيساً بأعلى حَضرمَوتَ انْتَجَعْتُهُ
فَنِعمَ أبوُ الأَضيافِ والليلُ واكدُ
ومن سيرورة شعر الأعشى أن كسرى يستمع إلى شعره، فقد رُوي أن كسرى استمع إلى قصيدته:
أرِقتُ وما هذا السُهادُ المُؤرِّقُ
ومابي مِن سقمٍ ومابيَ مَعشَقُ
وكان المترجم يترجم له حيث قال: إن الأعشى يقول: إنه سهر من غير سقم ولا عشق فقال كسرى: إن كان سهر من غير سقم ولا عشق فهو لِصّ
ويذكر الأعشى (جَوَّا) في قصيدته الدالية التي يمدح فيها هوذة بن علي الحنفي ويذم فيها الحارث بن وعلة بن مُجالِد الرَّقاشي:
وإنَّ امرءاً قد زُرْتُهُ قَبلَ هذهِ
بجوٍّ لخيرُ منكَ نَفساً وَوالدا
ويذكر (جوَّا) و(اليمامة) في قصيدته الكافية يقول:
تَجَانَفُ عَن جُلَّ اليمامِة ناقتي
وما قصدتُ من أهلها لسِوائِكا
فلَّما أتت آطَامَ (جَوٍّ) وَأهلهُ
أنيخت وألقت رحْلَهَا بِفِنائِكا
ويقول الأعشى في قصيدته الرائية:
وتبرد برْدَ رِداءِ العــرو
س رقرقت بالصيف فيه العبيرا
وتسخن ليلة لا يستطيع
نباحاً بها الكلب إلا قريرا
على أنها إذ رأتني أقــا
د قالت بما قد أراه بصيرا
رأت رجلاً غائب الوافد
ين مختلف الخلق أعشى ضريرا
فإن الحوادث ضَعْضَعَنَنِي
وإن الذي تعلمين استعيرا
ويقول الأعشى في قصيدته العينية:
وأنكرتْنِي وما كان الذي نكرت
من الحوادث إلا الشيب والصَّلعَا
وأقول للأعشى ماذا بقي للإنسان بعد الشيب والصلع؟!
ومن أعلام اليمامة المتلمس جرير بن عبدالمسيح الضَّبُعِي عاش في قُرَّان (القرينة) بين أخواله بني يشكر، ثم انتقل إلى الضُّبَيْعَة في الخرج موطن قومه بني ضُبَيْعَة بسبب إساءة من بعض رجال يشكر أخواله وأشار إلى الإساءة في قوله:
ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي
جعلت لهم فوق العرانين ميسما
وَيرِدُ العِرْض من أودية اليمامة في شعر المتلمس:
وذاكَ أوَانُ العِرْضِ حيٌ ذُبامُهُ
زَنَابيرهُ والأزرَقُ المُتلمِّسُ
ومن أعلام اليمامة: هوذة بن علي الحنفي كان ملكاً في اليمامة، وسيرته احتلت جزءًا من تاريخها، أرسل إليه النبي- صلى الله عليه وسلم- سَلِيط بن قيس بن عمرو العامري يدعوه إلى الإسلام فقال هوذة: ما أحسن ما تدعو إليه، لكنني أنا خطيب قومي، وشاعرهم وملكهم فاجعل لي شيئاً من الأمر أتبعك، فرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: باد وباد مافي يديه. وتوفي هوذة في تلك السنة على ملته النصرانية ومما قال فيه الأعشى:
إلىَ هَوْذَةِ الوَهَّابِ أهْدَيْتُ مِدحتي
أُرجِّي نَوالاً فاضِلاً مِن عَطَائكا
تجانَفُ عَنْ جُلِّ اليمامة ناقَتِي
ومَا قصدَتْ مِنْ أهلِهَا لِسوائِكا
ومن الأعلام في اليمامة مُسيلمة الحنفي، وهو قائد بني حنيفة في معركة اليمامة، ومنهم جرير، وكان له مجلس في سوق حَجْر وقد ورد عليه خبر موت الفرزدق وهو في هذه السوق، ويذكر جرير نخيل اليمامة في ملهم وقُرَّان في قوله:
كأنَّ أحْدَاجَهُنَّ تُحْدَى مُقفِّيةً
نَحْلٌ بملْهَم أوْ نخلٌ بِقُرَّانا
ومن النساء:
زرقاء اليمامة: سميت بهذا الاسم لزرقة عينيها وقد قال فيها النابغة الذبياني:
احكُمْ كحُكْمِ فتاة الحي إذ نظرت
إلى حَمَامِ شراع وارد الثَّمَد
يَجُفُّه جانبا نِيْقٌ وتُتْبِعُه
مِثلَ الزُّجاجةِ لمْ تُكْحَلْ مِن الرَّمَدِ
قالتْ ألا ليْتما هذا الحمامُ لنا
إلى حَمامتنا ونصْفُهُ فقدِ
فحَسَّبوهُ فألفوْهُ كما حَسَبتْ
تسْعاً وتسْعين لم تنقُص ولمْ تَزدِ
فكمَّلتْ مائةً فيها حَمامتها
وأسْرعتْ حِسْبة في ذلك العَددِ
الحمام ست وستون ونصفه ثلاث وثلاثون، وحمامة الزرقاء واحدة، فيكون الحمام مائة، فقِد: أي حَسْبي وكفاني.
ومنهن ضباعة العامرية، وأخبارها كثيرة ومن هذه الأخبار الحفل الأسطوري لزواج هوذة بن علي الحنفي من ضباعة العامرية، وهو لا يقل عن حفل المأمون في زواجه ببوران بنت الحسن بن سهل، ومن أراد الاطلاع على هذا الحفل الأسطوري فليرجع إلى روايتي (ضباعة العارمية، رواية تاريخية).
ومن معالم اليمامة:
الجَوْن: قصر في اليمامة في جَوْ، ويبدو أن هذا القصر بني بمهارة عالية، فإذا كان حسان بن تبع قد هدم جُلَّ قصور جَو فإن بعض القصور استعصت عليه فتركها شامخة تتحدى الزمن، ورجع إلى بلاده، وقد أشار المتلمس إلى قصر الجون، والمتلمس عاش في القرن الثاني قبل الهجرة، ويبدو أنه رآه، فالمتلمس من أهل اليمامة بل إنه من أهل الخرج، فبلاده الضُّبيعة في الخرج، يقول المتلمس في الجون:
ألمْ تَر أنَّ الجَوْنَ أصْبَح راسِياً
تُطيفُ به الأيَّامُ ما يتأيَّسُ
عَصى تُبعاً أيامَ أهْلكتِ القُرَى
يُطانُ على صُمِّ الصَّفيح ويُكْلَسُ
ومن معالمها (جو): وهو الاسم القديم لليمامة، وقاعدة جو في موضع بلدة اليمامة وبلدة السلمية في الخرج، وجَوّ مقر الحاكم، فملك اليمامة هوذة بن علي الحنفي مقره جَوّ، يقول الأعشى:
تَجانفُ عنْ جُلِّ اليمامَةِ ناقتِي
وَما قَصَدتْ مِنْ أهْلِها لِسوائِكَا
ويقول شاعر عن بني سعد من تميم:
ومِنّا ريُسُ القَوْم ليْلةَ أدْلجُوا
بِهوْذةَ مقرُونَ اليَديْنِ إلى النَّحْرِ
وَرَدْنَا بِه جَوَّ اليمامةِ عانِياً
عَليْه وِثاقُ القِدِّ والحَلَقِ السُّمْر
ومن معالمها (مَلهَم): وملهم بلدة جاهلية في اليمامة وتقرن بقُران لأنها قريبة منها، وقد وفَدَ رجُلان على قران (القرينة) أحدهما أبو نُخيْلة والثاني عَثْجل فوجدا ضيافة من أهل قران ثم ذهبا إلى ملهم فلم يجدا من يسْتضيفُهما فقال أبو نخيلة بعد أن فقد بيته:
وبَتَّ صاحبه (عثجَلِ) والبت كساء من صوف، يقول الشاعر:
مَنْ كانَ ذابتِّ فهذا بَتِّي
مُقيّظ مُصيِّفُ مُشَتِّى
تَخِذتُهُ مِنْ نَعجاتٍ سِتِّ
يقول أبو نخيلة:
بِقُرانَ فِتْانُ سِباطٌ أكُفُّهمْ
ولكِنَّ كُرْسُوعاً بملْهَمَ أجْذَمَا
ألا تتقونَ الله أنْ تحْرمُوا القِرَى
وأنْ تسْرقُوا الأضْيافَ يا أهْل مَلْهمَا
ومن معالم اليمامة (قُرَّان) ولها شهرة في الجاهلية، فهي بلد المتلمس في أول عمره قبل أن ينتقل إلى الضبعة وبها كنيسة مشهورة في الجاهلية ولا زالت أساساتها باقية في بلدة القرينة، وكان ملك اليمامة هوذة بن علي الحنفي يقضي عيد الفصح في قران وكنيستها، وتمرُ قران له شهرة مما دعا شعراء الجاهلية والإسلام إلى ذكره والتنويه بجودته وملاءمته لأخذه زادً في السفر لأنه صلب لا يتأثر بحرارة الشمس في القيظ، يقول عَلقمة بن عبدَة واصفاً فرساً بصلابة حوافرها:
سُلاءةٌ كعَصَا النهْدِيِّ غُلَّ لهَا
ذُو فَيْئةٍ مِنْ نَوى قُرَّان مَعْجُومُ
ويقول كعب بن زهير:
وَصَاح بِهَاجابٌ كأنَّ نسُورهُ
نَوىً عَضَّهُ مِنْ تَمر قُرَّانَ عاجِم
وإذا كنا نعتمد على الشعر في تاريخ اليمامة، فقد حظيت قران بذكرها في أشعار الشعراء: علقمة بن عبدة وكعب بن زهير وأبو نخيلة وجرير والمُتلمس وذو الرُّمة وعُطارِد اللص، وغيرهم فعرفنا كل شيء عن قران من كرم أهلها وكثرة نخيلها وجودة تمرها، وكذلك نوى التمر، يقول جرير:
كأنَّ أحْدا جَهُنَّ تُحْدى مُقَفِّيةً
نَخْلٌ بِملْهَمَ أوْ نَخْلٌ بقُرّانَا
ويقول ذو الرُّمة:
تَزَاورْن عنْ قُرَّان عمْداً ومنْ بِهِ
مِنَ الناسِ وازْورَّتْ سِواهُنَّ عنْ حَجْرِ
ويقول عُطارد اللص:
أَقُولُ وَقَدْ قرَّنْتُ عِيساً شِمِلَّةً
لها بيْن نسْعيْها فُضُولٌ نغَانفُ
علَيَّ دماءُ البُدن إنْ لم تُمارسي
أُموراً على قُرانَ فيها تكالُفُ
ومن معالم اليمامة (حَجْر) وحَجْر بها سوق معدود من أسواق العرب ويقصده العرب جميعاً في موسمه (شهر المحرم)، وتقدم معنا أبيات كثيرة قيلت في (حجر).
وفي نهاية اللقاء فتحت المداخلات للحضور الذين أثروا الأمسية بمداخلات مهمة، أكدت على أهمية ما طرحه أ.د.عبدالعزيز الفيصل، وأن يفتح آفاقًا للباحثين في تاريخ اليمامة وأدبها وأخبارها، وقد حظيت المحاضرة بحضور كثيف منقطع النظير، لجمع من الأكاديميين والأدباء والمثقفين من الجنسين، وبعد ذلك كرّمت غرفة الخرج الأستاذ الدكتور عبدالعزيز الفيصل بدرع تذكاري، كما قدّم مدير اللقاء علي الدريهم درعًا خاصًا للفيصل تعبيرًا عن تقديره لمشاركته، واختتم اللقاء بالتقاط الصور التذكارية، مع مسؤولي الغرفة ومع الحضور.