لايخفى على الجميع أن بعض المثقفين يعيش في برج عاجي يخلق له أزمة (الأنا) يحصر ثقافته في شغف الاستحواذ الثقافي وإبعاد رأي الآخرين، لذلك نحن أمام مثقف يسعى إلى الفوقية وفرض الهيمنة ونفي الآخر وعدم الخضوع له، مما يعطي مؤشرًا إلى تلاشي الثقافة وفقدان قيمتها التي يسعى الجميع إلى تحقيقها، وعلى النقيض نجد سلوك الشهرة يأخذ حيزًا في تشكيل ثقافة المثقف، والذي يفقد المثقف الإبداع والابتكار والتجديد، حيث يربط مصيره بالتفتيش والبحث عن الشهرة، فتارة يحاول إرضاء المجتمع، وتارة يرجع إلى برجه العاجي، ويتحول من مثقف عاجي إلى مثقف مساير، يلبس القناع ويركب أمواج الشهرة ويتخفى عن الأنظار، وقد يستخدم مجموعة من الحيل النفسية لتخفيف حدة التوتر بين الشخصية وللوصول إلى هدفه المنشود، فالشهرة رزق يساق إلى الشخص دون قناع وتصنع، فالشاعر العباسي المتنبي الفذ الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، رزق قرب سيف الدولة الحمداني تسع سنوات، نديمًا له في مجلسه، ورفيقًا له في سفره، ومصاحبًا له في حروبه، ولكن شخصية المتنبي النرجسية والمتمردة التي تبحث عن المجد والسعي إلى المال والكمال والتوسع في الشهرة والحال، جعلت هناك فجوة بينه وبين سيف الدولة، ولإرضاء طموحاته رأى نفسه أنه أهل لاستلام الإمارة لما يتمتع به من الحكمة والذكاء التي يتطلبها هذا المنصب، فرحل متوجهًا إلى كافور الإخشيدي الذي أغدق عليه المال، لكن طموحه للإمارة كان أكبر، رأى أنه يُقابل بالمُماطلة وإخلاف الوعود، وأنه لن يكون حاكمًا، فرحل متألمًا ساخطًا إلى بلاد فارس، ودخل في خدمة عضد الدولة البويهي في شيراز، فرحل عنها عندما لم يجد مطلبه، وقيل في طريقه إلى مسقط رأسه في الكوفة، واجه غريمه فاتك بن أبي جهل الأسدي، نشبت معركة بينهما بسبب أبيات قالها المتنبي في عرضه، قتل فيها الشاعر عن خمسين عاماً، وأخيرًا نجد المثقفين يترنحون بين تضخم الأنا، ورغبة البحث عن الشهرة، عندها يضعف لدينا دور المثقف في نهضة الثقافة، ومقارعة التيارات والتحديات الراهنة والمساهمة في تقدم الثقافة التي يطمح إليها الجميع.
** **
د. فهد الشمري - دكتوراه في الأدب والنقد والبلاغة
تويتر: Fahad2626