الثقافية - علي القحطاني:
رحلة ثرية وممتدة في عالم النشر والصحافة خاضها الناشر عبدالله الماجد، حيث تنقل بين الكتابة والتحرير والإدارة، ليترك بصمته في المشهد الثقافي السعودي. بدأت رحلته منذ سن مبكرة، حين نشر أولى مقالاته في مجلة العرب التي أصدرها حمد الجاسر، ثم انتقل إلى مجلة دارة الملك عبدالعزيز، حيث أسهم في إدارتها وتحرير أبحاثها بجانب المؤرخ محمد حسين زيدان.
لم يتوقف الماجد عند حدود الكتابة، بل أسس دار المريخ للنشر، التي لعبت دورا مهما في دعم النشر العلمي وإقامة أول معرض دولي للكتاب في الرياض عام 1978، إلى جانب تنظيم معرض المدينة المنورة للكتاب عام 1980. كما كان من المساهمين في تأسيس نادي الرياض الأدبي، الذي جمع نخبة من المثقفين والأدباء لتعزيز الحراك الثقافي.
وفي مجال الإذاعة، قدم الماجد برنامج «أسماء من بلادي» الذي سلط الضوء على المواقع الجغرافية والتاريخية في الجزيرة العربية، وحقق تفاعلا واسعا. لكن مع التطور الرقمي المتسارع، واجه تحديات فرضتها التحولات في عالم النشر، وكان أبرزها إغلاق مكتبة المريخ بعد 45 عاما من العمل في خدمة الكتاب والمعرفة.
في هذا اللقاء، يسرد عبدالله الماجد لـ«الثقافية» محطات رحلته في عالم النشر والصحافة، متناولا تجاربه وإنجازاته، إضافة إلى التحديات التي واجهها على مدى العقود. كما يسلط الضوء على رؤيته لمستقبل الكتاب الورقي في ظل التحول الرقمي، وتأثير الرقمنة على صناعة النشر ونشر المعرفة.
مجلة الدارة
* كيف يمكن الحديث عن الدور الذي قام به عبدالله الماجد في عمله بمجلة متخصصة مثل مجلة دارة الملك عبدالعزيز، وكيف أمكن لك المساهمة في إدارتها، وكتابه الأبحاث فيها بجانب شخصية مؤثرة الكاتب والمؤرخ محمد حسين زيدان؟
يمكن اعتبار هذه المرحلة مرحلة مؤثرة وثرية، أسهمت في تكويني الثقافي والإداري. في ذلك الوقت، كنت أعمل في جامعة الرياض، وبقرار من معالي وزير التعليم العالي آنذاك، الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ، تم انتدابي للعمل في الدارة إلى جانب عملي في إدارة الجامعة، وتحديدا في إدارة الإعلام والنشر. وكان ذلك بطلب وترشيح من الأستاذ محمد حسين الزيدان، حيث انتقلت رئاسة وعضوية مجلس تحرير الدارة إليه.
في بداية صدور مجلة الدارة، كان الدكتور محمد الشعفي -رحمه الله- يرأس تحريرها، وهو من قسم التاريخ بجامعة الرياض، لكنه لم يكن متفرغا. وكان مجلس تحرير المجلة، المكون من نخبة من العلماء والأساتذة، هو الذي يضع سياسة تحرير المجلة عبر اجتماعات نصف شهرية، في حين كان الدور التنفيذي والتحريري والإداري من مهام رئيس التحرير وفريقه. وكنت في بداية عملي بالمجلة سكرتيرا للتحرير، ثم مديرا للتحرير.
ومن أهم الإجراءات التحريرية التي قام بها فريق تحرير المجلة وضع لائحة بشروط النشر، ومن أبرزها إخضاع الأبحاث للتحكيم العلمي من قبل محكمين متخصصين. أما في المجال الإداري، فقد كان من أهم القرارات، وبتوجيه من رئيس التحرير الأستاذ محمد حسين زيدان، توسيع نطاق توزيع المجلة خارج المملكة. وكانت القاهرة من أبرز المراكز التي استهدفناها، حيث أبرمنا عقدا مع مؤسسة الأهرام للتوزيع، لتتولى توزيع مجلة الدارة في جمهورية مصر العربية. وقد طرحت المجلة للبيع في مراكز التوزيع بسعر مخفض، دون أن تكون منافسة لمجلات الأبحاث العلمية الأخرى. ونتيجة لذلك، قفزت أرقام التوزيع إلى مستويات غير متوقعة، لم تحققها أي مجلة أبحاث علمية أخرى.
دار المريخ للنشر
ما الدور الذي لعبته دار المريخ في تأسيس أول معرض دولي للكتاب في الرياض؟
عندما فكرت في تأسيس دار المريخ للنشر، كنت أعمل في مجال النشر العلمي بجامعة الرياض (جامعة الملك سعود حاليا) سكرتيرا للجنة البحوث والنشر، التي تتولى نشر الأبحاث والمؤلفات العلمية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعة. ومنذ ذلك الوقت، استقر في ذهني أن العمل العلمي هو المجال الحقيقي للنشر.
من هنا ولدت دار المريخ للنشر كدار نشر علمية، ثم جاء التفكير في إقامة معرض دولي تسهم فيه دور نشر عالمية. وبإقامة مثل هذا المعرض، تم إثراء المكتبات العلمية بأحدث الكتب التي تعرض فيه. وقد ساهم معنا في التخطيط ودعوة دور النشر العالمية لإرسال أحدث منشوراتها العلمية للعرض والبيع في المعرض بعض الزملاء في مؤسسة الأهرام - قطاع النشر والكتب.
وقد أقيم المعرض برعاية جامعة الرياض، مما أكسبه الصفة العلمية التي يستحقها. وقام معالي مدير الجامعة، الدكتور عبدالعزيز الفدا، بافتتاح المعرض الدولي الأول للكتاب، الذي أقيم بالتعاون مع الجامعة وإعداد دار المريخ للنشر عام 1978، كأول معرض دولي شاركت فيه أكثر من ستين دار نشر عالمية من أوروبا وأمريكا، بمنشوراتها العلمية التي مثلتها دار المريخ للنشر، كممثل لعرض وبيع منشوراتها.
معرض المدينة المنورة
ما أهمية معرض المدينة المنورة للكتاب عام 1980 وما الجهة التي نظمته؟
أهمية هذا المعرض، الذي نظمته دار المريخ للنشر برعاية كلية التربية بالمدينة المنورة، تكمن في كونه متزامنا مع تأسيس كلية التربية، التي كانت نواة لجامعة طيبة بالمدينة المنورة فيما بعد. وقد نظم هذا المعرض بدعم ومواكبة من الدكتور إسماعيل ظافر، أول عميد للكلية. وأتذكر أن مباني الكلية كانت مؤقتة، مكونة من مبان جاهزة، كما أن أول مجلس للكلية عقد أثناء إقامة المعرض، الذي نظمته دار المريخ للنشر في خيمة كبيرة.
وتبرز أهمية هذا المعرض أيضا في أن محتوياته، التي تمثلت في إصدارات لدور نشر عالمية، أضيفت إلى مكتبة الكلية بعد انتهاء المعرض، ما جعل هذا المعرض نواة لمكتبة الكلية. وقد سبق هذا المعرض معرض مماثل في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
رباعيات الخيام
ما الدافع وراء تأليف عبدالله الماجد لكتابه» صوت الخيام: الرباعيات بين الانتحال والتدوين» هل كنت تريد إثبات أن الرباعيات التي اشتهرت على مدى ذلك الزمن كانت منحولة على اسم عمر الخيام.؟
لو عدت إلى العصر الذي نشأ فيه عمر الخيام، وهو ما بين القرن الخامس والسادس الهجري (الحادي عشر والثاني عشر الميلادي) (430 - 526 هـ / 1039 - 1132 م)، لوجدت هذا العصر يموج بتعدد الفرق والطوائف المذهبية وأصحاب الكلام، وظهور أعلام الفلسفة والعقل في مواجهة أصحاب الوهم والدجل، مثل الإسماعيلية والباطنية والقرامطة والمعتزلة. وكان الخيام من أعلام الفلاسفة في عصره، متبحرا في الفلسفة وعلوم الفلك والرياضيات.
نال في حياته كثيرا من العنت والهجوم من أمثال أبي بكر الرازي وغيره، وخشي كثيرا من الفلاسفة على حياتهم في تلك الفترة وما قبلها، حتى إنه في عصر أحد الحكام، وهو محمود الغزنوي (381 - 421 هـ)، تعرضت الفلسفة والفلاسفة لاضطهاد شديد في أنحاء مملكته، حتى امتد نطاق الاضطهاد إلى خراسان والري، حيث أمر بشنق مئتي شخص في يوم واحد بتهمة الاعتزال وسوء المذهب. وربما يفسر هذا الوضع ظهور «جماعة إخوان الصفا» في منتصف القرن الرابع الهجري، وسعيهم الحثيث إلى إخفاء أسمائهم، تعبيرا عن الخطر المحدق بالفلاسفة، حينما أعلنوا عن تأزم عصرهم باضمحلال الفلسفة وانتعاش الخرافات والجهل والدجل.
انتحال الرباعيات
وما علاقة كل هذا بانتحال الرباعيات وإلحاقها باسم عمر الخيام؟
جواب ذلك طويل، أنصحك بإعادة قراءة خلاصة الكتاب، ثم التعمق في التفاصيل. لكن قد يزول شكك حين تعلم أن الخيام نسبت إليه، في تقرير لأحد المستشرقين المتخصصين في هذا المجال، وهو الألماني «فريدريش روزن» (1856 - 1935م)، خمسة آلاف رباعية! فكيف يمكن لشخص واحد أن يكرس حياته لمثل هذا العدد من الرباعيات؟
والأهم من ذلك أن الرباعيات ألحقت بأسماء أربعة أشخاص يلقبون بالخيام، من بينهم شاعر معروف يدعى «علي الخيام البخاري»، وتجد تفاصيل ذلك في الفصل الثاني من الكتاب. ثم إن عمر الخيام، ومن بين آثاره المعروفة، لم يترك نسخة من هذه الرباعيات بخط يده، ولم يعرف أنه أملاها على أحد من تلاميذه، أو عثر على مخطوطة بخط أحد معاصريه. في المقابل، فإن رسائله الفلسفية، المحفوظة في دور الكتب الأوروبية، والمكتوبة باللغة العربية، لم ينلها التحريف أو تلحق بها شبهة الانتحال.
وانطلاقا من هذه الحقائق، يأتي هذا الكتاب ليكشف زيف مقولة استمرت لأكثر من ثمانمائة عام، شاع خلالها خطأ نسبة الرباعيات الفارسية إلى عمر الخيام، الفيلسوف الرياضي والعالم الفلكي، حتى اشتهرت باسمه دون وجه حق.
تأسيس نادي الرياض الأدبي
كان لك دور في تأسيس نادي الرياض الأدبي حدثنا عن تلك الحقبة وكيف اسهمت في المساهمة في تشكيل المشهد الثقافي آنذاك؟
في منتصف السبعينيات الميلادية، كانت الصحف تقود المشهد الثقافي وتحرك عجلة الثقافة من خلال أجيال من الكتاب الذين تحمسوا لفكرة تأسيس نواد ثقافية، مستوحاة من تجربة الأندية الرياضية. وقد استغل عدد من الكتاب والصحافيين هذه الفكرة، التي طرحت آنذاك لإنشاء ناد ثقافي في الرياض، وحظيت بدعم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد، الرئيس العام لرعاية الشباب آنذاك – رحمه الله. وقد دعا سموه المثقفين والكتاب والصحافيين إلى بلورة رؤيتهم حول فكرة النادي وهيكله الإداري.
انطلاقا من هذا الدعم، ازداد حماس الكتاب والصحافيين لتأسيس نادي الرياض الأدبي، حيث سعوا جاهدين لوضع إطار إداري وتنظيمي يحدد مساره. وبحكم عملي محررا للملحق الأدبي والثقافي في جريدة الرياض، تحمست مع عدد من الزملاء لعقد اجتماع يضم الكتاب والصحافيين المعنيين بهذه الفكرة. وقد عقد الاجتماع في منزل الأستاذ الراحل عبدالله بن خميس، حيث جرت مناقشات موسعة حول الخطوات الأولى لتأسيس النادي.
وفي بداية عام 1975، تم تشكيل أول مجلس إدارة للنادي، وضم كوكبة من الأسماء البارزة في المشهد الثقافي آنذاك، وهم:
• حمد الجاسر – رئيسا غير مقيم (نظرا لإقامته في لبنان لإصدار منشورات ومجلة العرب).
• عبدالله بن خميس – رئيسا فعليا.
• عبدالعزيز الرفاعي – عضوا.
• عبدالله بن إدريس – عضوا.
• عمران العمران – عضوا.
• أبو عبدالرحمن بن عقيل – عضوا.
• عبدالله الماجد – سكرتيرا للنادي.
كانت هذه البداية نقطة انطلاق لنشاط ثقافي امتد لعقود، حيث لعب نادي الرياض الأدبي دورا محوريا في إثراء الحركة الثقافية والفكرية في المملكة، مستندا إلى دعم رواده من الأدباء والمفكرين والصحافيين.
نهاية المكتبات التجارية
مع التحول الرقمي الذي يهدد بقاء المكتبات التجارية التقليدية، كيف يصف عبدالله الماجد النهاية التراجيدية لمكتبه المريخ، بعد تسليم موقعها في حي العليا لصاحب المنشاة العقارية؟ وما رأيه في مستقبل الكتاب الورقي في مواجهة زحف النشر.
الواقع أنه أشبه بالانتحار الطوعي أمام الزحف التكنولوجي الرقمي، الذي بدأ يسيطر على مختلف مناحي الحياة. ولم يكن الكتاب الورقي هو الضحية الوحيدة، لكنه كان الأكثر تضررا وأصعب الضحايا خسارة. فما هو متاح عبر وسائل الانتشار الرقمي يشبه انتشار جيش غير منظم في ساحة معركة، يقوده قادة لا حول لهم ولا قوة.
كان الكتاب، بصيغته الورقية التقليدية، يخضع لمراحل من التدقيق والإجازة العلمية، أما اليوم، فكل من يستطيع السيطرة على موقع إلكتروني بات بإمكانه أن يؤلف وينشر ما يحلو له، دون رقابة أو مراجعة علمية. ولهذا، لا تعد المصادر المعتمدة على المواقع الإلكترونية مصادر موثوقة من الناحية العلمية.
أما عن نهاية مكتبة المريخ، فقد أصبت في وصفها بالنهاية التراجيدية، وأضيف إلى ذلك أنها كانت تراجيدية مأساوية. لقد سلمت المكتبة بعد خمس وأربعين سنة من المعاناة والمقاومة أمام هذا الغول الإلكتروني الذي جاء بعنف وسرعة مذهلة. وعلى مدى الأعوام الخمسة الأخيرة من عمر المكتبة، عجزت مبيعاتها عن تغطية قيمة الإيجار، الذي كنا ندفعه سابقا بيسر وسهولة. وفي أقل من أسبوع، اختفت المكتبة، وأصبحت أثرا بعد عين، بعد رحلة استمرت خمسة وأربعين عاما.
لا أريد أن أضيف مزيدا من التفاصيل عن هذه المأساة، لأنها تؤلمني، كما تؤلم كل من له علاقة بالكتاب. إنه كابوس لا يزال جاثما على أفكاري.
مجلة العرب
كنت أصغر كاتب في مجلة «العرب» التي يرأسها حمد الجاسر، فما طبيعة مشاركاتك فيها، وخاصة في بداياتك مع المجلة.
لقد صدرت مجلة العرب، التي أسسها علامة الجزيرة العربية، حمد الجاسر، عام 1386هـ، كمجلة متخصصة في تاريخ وجغرافية جزيرة العرب وبلاد العرب، وكانت تصدر شهريا كمجلة علمية محكمة.
عندما صدرت المجلة، كنت لم أبلغ العشرين عاما بعد، وكانت مجلة العرب لا تنشر إلا للكتاب المعروفين والمتخصصين. في ذلك الوقت، لم يكن اسمي معروفا، ولم تكن لي أي مساهمات منشورة توازي ما تنشره المجلة، لكنني كنت أحلم بأن أكون أحد كتابها، وأن ينشر اسمي بين أعلامها.
فكتبت بحثا عن موقع جغرافي قديم في منطقة الأفلاج، ولأنني من أبناء تلك المنطقة، كان من السهل علي زيارة ذلك الموقع، المعروف باسم الهيصمية. وعندما بدأت في كتابة البحث، حرصت على أن يكون بأسلوب وطريقة كتابة حمد الجاسر نفسه.
قدمت البحث إلى مكتب المجلة في الرياض – علما بأن المجلة كانت تطبع وتصدر من بيروت – لكنني ادعيت أنه بحث لأحد أقاربي، خوفا من أن يتم تجاهله بسبب صغر سني. وبعد أشهر، فوجئت بنشر البحث، بل جاء في صدارة المجلة، في المكان المخصص لرئيس التحرير!
كان ذلك أول إنجاز لي، ومنحني دافعا كبيرا للاستمرار في الكتابة للمجلة، فقد كان نشر هذا البحث اعترافا ضمنيا بأنني أصبحت كاتبا معترفا به.
عالم الصحافة
مع دخولك المبكر إلي عالم الصحافة، ما أبرز التحديات والصعوبات ا لتي واجهتها كمحرر ثقافي؟
نتحدث الآن عن بدايات السبعينيات الميلادية، حين لم تكن المكتسبات التكنولوجية التي نعيشها اليوم قد تحققت بعد. وبمنطق عصرنا الحالي، كانت تلك المرحلة بدائية مقارنة بما هو متاح اليوم، سواء في وسائل الطباعة أو الاتصالات، حيث كان معظم العمل ينجز يدويا.
أما على الجانب البشري، فلم يكن الصحافي آنذاك متخرجا من معاهد أو جامعات متخصصة كما هو الحال اليوم، بل إن الأغلبية العظمى من صحافيي ذلك الزمان علموا أنفسهم بأنفسهم في الميدان، مثل لاعب كرة لم يتدرج في دراسة أكاديمية. كان الطموح والإخلاص للعمل هما وقود النجاح الذي تحقق، رغم قلة الإمكانات.
ورغم تلك المتطلبات المحدودة، كانت الصحافة تصدر يوميا أو أسبوعيا، وكانت الملاحق الثقافية والفنية تعكس ذلك الطموح والتطلع إلى الإبداع والتميز.
سبق صحافي
مع بداياتك الأولى مع مجلة اليمامة، حققت سبقا صحافيا بإجرائك حديثا صحافيا مع الشيخ شلهوب/ أحد رجالات الملك عبدالعزيز – رحمه الله- المهمين، هو الأول. ما تفاصيل ذلك؟
الحقيقة أن الفضل الأول -بعد الله- يسجل للأستاذ محمد الشدي -رحمه الله- رئيس تحرير مجلة اليمامة، الذي أتاح لي هذه الفرصة الجريئة. فقد كنت متعاونا مع مجلة اليمامة، ولم أكن متفرغا للعمل الصحافي.
في ذلك الوقت، كان الشيخ محمد بن صالح بن شلهوب ملازما منزله، بعد أعوام حافلة بالجهاد والملازمة للمؤسس الراحل العظيم الملك عبدالعزيز، إذ كان من أهم رجالاته. وقد وصفه المؤرخ أمين الريحاني بقوله: «كل شيء مع شلهوب، من المسمار إلى البندقية».
حينما كلفني الأستاذ الشدي بإجراء اللقاء، رأيتها فرصة مهمة، إذ كان الحديث الذي أجريته مع الشيخ شلهوب الأول صحافيا، وربما الأخير. وقد نشر اللقاء في مجلة اليمامة، في العدد 428، الصادر في رمضان 1388هـ.
تطرق الشيخ شلهوب خلال الحديث إلى مواقف مهمة في مراحل جهاد الملك عبدالعزيز لتوحيد البلاد. ورغم تقدم العمر به، كان حاضر الذهن، قوي الذاكرة، يتحدث بثقة وهو مستند إلى كرسي متحرك.
في ذلك الوقت، كانت المصادر المنشورة عن حياة الشيخ شلهوب مع الملك عبدالعزيز مقتصرة على ما كتبه المؤرخ والرحالة أمين الريحاني، والمستشرق الرحالة فيلبي. وجاء هذا الحديث المنشور في مجلة اليمامة ليكمل تلك المصادر، وليكتسب أهمية خاصة كوثيقة موثوقة تنسب إليه مباشرة.
ومن المواقف الإنسانية التي لا تنسى، أنه بعد انتهاء الحديث الذي أجريته في منزله بضاحية الشميسي بالرياض، وحين هممت بالمغادرة، قدم لي ثلاثة جنيهات ذهبية، قائلا: «هذه عيديتك».
البرنامج الإذاعي: «أسماء من بلادي»
لديك مساهمات في الإذاعة السعودية، من خلال برنامج «أسماء من بلادي» الذي كانت مدته خمس دقائق، فما هو مضمون هذا البرنامج وما الرسالة التي كنت تسعى لإيصالها من خلاله؟!
كان هذا البرنامج يتولى شرح وتعريف أسماء المواقع الجغرافية والبلدان في الجزيرة العربية، وكان أشبه ما يكون بمعجم جغرافي، مدعوما بالشواهد الشعرية، ومستندا إلى كتب ومعاجم البلدان العربية.
حقق البرنامج نجاحا كبيرا، إذ كان من أكثر البرامج التي حظيت بتفاعل وتواصل المستمعين، الذين كانوا يرسلون رسائلهم البريدية المكتوبة مباشرة إلى الإذاعة، رغم طبيعة مادته العلمية الجافة. وكان يذاع في وقت مميز، قبل نشرة الأخبار الساعة الثانية والنصف ظهرا.
وقد حظي هذا البرنامج بدعم معنوي كبير من معالي وزير الإعلام آنذاك، الأستاذ إبراهيم العنقري، الذي أمر باستمراره، بعدما قررت لجنة البرنامج إيقافه لعدة أسباب فنية، ولطول مدة بثه عبر الدورات الإذاعية المتتالية.
بفضل هذا الدعم، استمر البرنامج لمدة ثلاثة أعوام، وهو إنجاز لم يحققه أي برنامج إذاعي آخر آنذاك.
السيرة الذاتية
بعد رحلتك الطويلة في عالم النشر والصحافة والإبداع، ألم يحن الوقت لتوثيق ما واجهته من مواقف وتحديات، في كتابة سيرة ذاتية؟
أتمنى ذلك، ولو كان لدينا نظام تفرغ للكتاب والأدباء، تتبناه وزارة الثقافة، وفق معايير معلنة، لأصبح لدينا سجل موثق لحياتنا الثقافية والاجتماعية. فمن خلال هذا البرنامج يتفرغ الكاتب أو الاديب أو الباحث لمدة زمنية يسجل فيه وقائع الحياة التي عاشها وأسهم فيها. وتقوم الوزارة بنشره.
** **
@ali_s_alq