(صدر عن دار روبير لافون Robert Laffont الفرنسية في هذا الشهر فبراير 2025 في حوالي 464 صفحة)
في هذا الكتاب، يجري المؤلف إتيان كامبيون Etienne Campion، الصحفي في مجلة «Marianne» الفرنسية، دراسة استقصائية ترمي الى تسلّيط الضوء على شخصية رئيس الدولة وتأثير ذلك على الأزمات السياسية العميقة التي تمر بها فرنسا.
من الملاحظ بداية أن المؤلف إتيان كامبيون Etienne Campion يَعتبر نفسه رسام بورتريه وكاتب سيرة ذاتية يغرس قلمه الصحفي في مسارات الضعف والقوة عند ماكرون ويُبرز عالم المتناقضات في شخصيته، وهو بهذا العمل يرسم صورة غير مسبوقة للرئيس ويأخذ بيد القارئ في رحلة عبر صفحات هذا الكتاب ليستكشف جوانب أخرى من حياة ماكرون الشخصية.
يشار الى أن المقربين من ماكرون الذين هم على دراية كاملة بشخصيته الساحرة يؤكدون على أن وجود مظاهر أخرى لتلك الشخصية: الطبع الحاد والاستبداد بالرأي والغطرسة، الأمر الذي يثير حالة من انعدام الفهم لدى المحيطين به بناء على قراراته التي يصر على اتخاذها، لا سيما القرار الذي اتخذه بحل الجمعية الوطنية الفرنسية في 9 يونيو 2024.
يتناول كتاب «الرئيس السام -استقصاء حول إيمانويل ماكرون الحقيقي» مرحلة طفولة الرئيس ماكرون التي لعبت دورا هاما في تشكيل شخصيته خاصة عندما ارتكب الفتى إيمانويل ماكرون أولى خطاياه بتركه بيت والديه وإخوته ليقيم عند جدته لأمه التي كان يحبها حبا جما، وانطلاقا من هذه الحادثة، يستعرض المؤلف حياته الخاصة في الطفولة واليفاعة وحتى وصعوده الى رأس السلطة، استنادا إلى شهادات لوزراء ومستشارين وأصدقاء وأشخاص آخرين مقربين لإيمانويل ماكرون.
في هذا الكتاب، الذي يطغى عليها طابع السيرة الذاتية بكل تفاصيلها، يحاول المؤلف إتيان كامبيون Etienne Campion حلّ عالَم الألغاز المحيطة بشخصية إيمانويل ماكرون ويعمل على استرجاع فترات مؤلمة من سيرة الشخصية ويتتبَّع التاريخ السري للماكرونية ويرسم صورة فريدة للرئيس الثامن للجمهورية الخامسة ويستغل الحقائق التي أوردها في كتابه ليكشف العديد من الوقائع التي تدور حول ماكرون.
يطرح كتاب «الرئيس السام -استقصاء حول إيمانويل ماكرون الحقيقي» عددا من الأسئلة ويترك للقارئ مهمة الإجابة عليها: من هو إيمانويل ماكرون الحقيقي بعد مرور ما يقرب من سبع سنوات على رأس السلطة في فرنسا، وأكثر من عشر سنوات في المشهد الإعلامي والسياسي؟ ما الدوافع التي تقوده لبلوغ أهدافه؟ وهل سيدخل تاريخ فرنسا باعتباره الرئيس غريب الأطوار؟ منذ وصوله إلى السلطة، وُصف إيمانويل ماكرون في كثير من الأحيان بأنه رئيس دولة معقد، يتأرجح بين الاستبداد والإغواء. لكن وراء هذه الصورة العامة هل توجد تناقضات حقيقية؟
يكشف المؤلف عن الكيفية التي سيُنظر من خلالها إلى رئيس الجمهورية باعتباره شخصية «سامة» من قِبل أولئك الذين عرفوه عن كثب: شخصية مراوغة تتكلم في أمور جانبية لا علاقة لها بالموضوع الرئيسي المطروح للمناقشة، ولهذا يمكن تعريفه بأنه شخصية سامة. هذا الرئيس يعرف كيف يسحر الآخرين لكي يُنسيهم الموضوع الرئيسي الذي يتكلمون فيه، انه يغازلهم لكنه لا يعرف كيف ينهي علاقته بهم، انه يستمع الى أحاديثهم لكن نادرا ما يصغي اليهم باهتمام. انه يستخدم علاقاته لخدمة أهدافه الخاصة لكنه يتخلى عن المستشارين والوزراء الذي يعملون معه فجأة وبدون مقدمات. ان ديناميكيته في العمل مثيرة للاهتمام مع صعوده الى أعلى قمة الهرم السياسي، فبحسب الشهادات التي تم جمعها، فقد اتبع ماكرون استراتيجية راسخة: اجتذاب الشخصيات للتعاون معه ثم إقناعهم بالعمل الرسمي وأخيرا انهاء خدماتهم بشكل مفاجئ وجعلهم يدخلون في طي النسيان بكل أسف.
يسلط المؤلف إتيان كامبيون الضوء على جانب آخر من شخصية الرئيس ماكرون الذي يحكم وفقا لمزاجه الخاص ويشدد على أن هذا الأمر يتناقض مع الممارسات التقليدية للرؤساء الفرنسيين السابقين الذين يفضلون بناء فريق عمل قوي، لكن على العكس من ذلك، يعمل الرئيس ماكرون على التصرف بمفرده بدلا من الاعتماد على وزرائه. وأمام هذه الاتهامات، يبقى سؤال واحد: لماذا يصر إيمانويل ماكرون على هذا المسار؟ يطرح إتيان كامبيون فرضية مثيرة للاهتمام. ان ماكرون يهدف إلى مواصلة دوره «كمدير شركة» حتى النهاية، على الرغم من التوترات المتزايدة حوله. وقد يفسر هذا التصميم عدم قدرته على الاعتراف بأخطائه التي تعد من أهم سماته الشخصية التي أبرَزها العديد من المستشارين والوزراء السابقين. ان هذا الرفض للنقد الذاتي يؤدي إلى تغذية حلقة مفرغة حيث تتوالى الأزمات تلو الأزمات، دون التوصل إلى حل حقيقي على الإطلاق.
ختاما: سبع سنوات مضت، ولا يزال إيمانويل ماكرون رئيسا للجمهورية الفرنسية حيث تم انتخابه للمرة الأولى في 14 ماي و 2017 خلفا لفرانسوا هولاند François Hollande. كما أعيد انتخابه لولاية ثانية في 24 أبريل 2022. خلال هاتين الفترتين، كُتبت العديد من الكتب عن رئيس الدولة. ولأن ماكرون 2025 يختلف كثيرا عن ماكرون 2017، فإن الفكرة التي تشكلت لدى المراقبين في عام 2025، أي بعد ما يقرب من سبع سنوات في السلطة، تختلف بشكل عام عن تلك الأفكار تمحورت حول بداياته السياسية، الأمر الذي جعل العديد من الكتاب يسعون إلى فك شفرات سلوك ماكرون السياسي والنفسي منذ ظهوره على الساحة السياسية. ومهما يكن رأي الفرنسيين في شخصية ماكرون الزعيم السياسي، فلا يمكن للقارئ إلا أن ينبهر بعمل المؤلف إتيان كامبيون الذي سلّط الضوء على شخصية الرئيس إيمانويل ماكرون الذي سيظل بالنسبة لمعظم الفرنسيين لغزا محيرا.
** **
د.أيمن منير - أكاديمي وكاتب مصري