من المآخذ التي يراها بعض النقاد على جائزة نوبل للآداب اعتمادها بشكل كبير على الأعمال الأدبية المترجمة، أي إلى اللغات العالمية التي يمكن أن تصل لأكبر شريحة من القراء حول العالم، مثل: الإنجليزية والفرنسية وغيرهما. هذا يسلط الضوء على أن فرصة الأعمال الأدبية التي لا تترجم لهذه اللغات ضئيلة جدا بالفوز بالجائزة. لكن الجانب المشرق من ذلك، هو أن الآداب القومية التي تسعى للوصول للعالمية يجب عليها ألا تغفل هذا الجانب بغض النظر عن مدى صحته، من خلال التركز على ترجمة الأعمال الأدبية المحلية إلى اللغات العالمية الأكثر تأثيرا وفاعلية في المجالات الأدبية والثقافية حول العالم.
وفي ضوء ذلك، لا يمكن تجاهل الدور الكبير الذي تلعبه هذه الجائزة في انتشار وشهرة أي أدب قومي يحظى أحد ممثليه عليها، بل يتعدى أثر هذه الجائزة على ثقافة وتراث وسياحة البلد الذي ينتمي لها الفائز، بالإضافة إلى التوسع في الدراسات الأدبية والثقافية والاجتماعية والدينية والسياسية حوله. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار، أن الجوائز العالمية لم تعد بمنأى عن الأيدولوجيات السياسية والثقافية والاجتماعية...إلخ، التي ترفض بعض الموضوعات والأطروحات التي تتعارض مع أجندتها وسياساتها التي تسعى لها عبر الأعمال الأدبية والسينما والفنون والرياضة وغيرها.
فيما يتعلق بالأدب السعودي، فإنه يحظى هذه الأيام باهتمام كبير وغير مسبوق في شتى أجناسه، وهذا ما يدركه المطلع على الشأن الثقافي والأدبي في المملكة العربية السعودية، من خلال جهود وزارة الثقافة ومؤسساتها وأنشطتها التي لا تخفى على العامي فما بالك بالمثقفين وذو الشأن. فالأدب السعودي لا ينقصه شيء للوصول للعالمية أسوة بغيره من الآداب الأجنبية التي نالت ذلك، بل إنه يتفوق على بعضها بمقومات فريدة من شأنها أن تسهم في عالميته وأن يكون قابلا للوصول إلى القراء من مختلف الثقافات واللغات، وأبرزها الموقع الجغرافي والمكانة التاريخية والسياسية والدينية والاقتصادية التي يمكن لها أن تسرع من عالمية الأدب السعودي وتجاوزه حدوده القومية.
ولتحقيق ذلك، يجب على القائمين على مؤسسات الترجمة والنشر والجوائز الأدبية التي تشرف عليها وزارة الثقافة، خاصة فيما يتعلق بالاهتمام في حضور الأدب السعودي على المستوى العالمي، تعزيز دورهم في دعم وترجمة الأعمال الأدبية السعودية إلى لغات عالمية من خلال إنشاء شراكات وتعاون مع دور ومؤسسات النشر العالمية في الخارج للمساهمة في نشر الأدب السعودي، بالإضافة إلى استغلال المنصات والمكتبات الرقمية والاستفادة منها في الترويج للأعمال الأدبية السعودية ، ولا بأس بأن تكون مجانية مما يسهل وصول الجمهور والقراء إليها من مختلف البلدان.
كما يجب الحرص على نوعية وجودة التسويق والنشر بعيدًا عن تحيزات دور ومؤسسات النشر التجارية.
ونشير إلى أهمية، أن الأدب السعودي متنوع ومتجدد ومواكب للقضايا العصر وأرض خصبة للمبدعين والمهتمين بالأدب وعلومه وفنونه وكل ما يتعلق به، فنجد العديد من الكتّاب والمؤلفين السعوديين سبقوا غيرهم من البلدان العربية في الإنتاج وحصد الجوائز الأدبية والثقافية على الصعيد الإقليمي. فعلى سبيل المثال: حصل ثلاثة من الكتّاب والروائيين السعوديين على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، الأولى في عام 2010 لعبده خال عن روايته «ترمي بشرر»، والثانية في عام 2011 لرجاء عالم عن روايتها «طوق الحمام»، والثالثة عام 2017 لمحمد حسن علوان عن روايته «موت صغير». الجدير بالذكر، أنه منذ تأسيس وإطلاق الجائزة عام 2008 حتى الآن (2024) الروائيون السعوديون هم الأكثر حصولا على الجائزة بواقع ثلاث مرات. فالأدب السعودي لديه كل المقومات التي تساعده من الحصول على الجوائز الأدبية الإقليمية، والمنافسة على نيل جائزة نوبل للأدب في السنوات القادمة، رغم صعوبة ذلك لكن يجب إدراك حقيقة أن لدينا فرصة ويجب علينا استغلالها.
ولعل من المناسب الإشارة، إلى أن الأدب الكوري الجنوبي أخيرًا نال جائزة نوبل للأدب عن طريق الكاتبة: هان كانغ، ذات العمر 53 عاما، لعام 2024. حيث تعتبر أول امرأة آسيوية تنال هذه الجائزة منذ نشأتها عام 1901. ومن اللافت في ذلك، الترجمة ودور الكبير والمؤثر في حصولها على هذه الجائزة، عندما قامت ديبورا سميث بترجمة روايتها «النباتية» الصادر عام 2007 إلى الإنجليزية عام 2015، حيث نالت على إثرها جائزة مان بوكر الدولية عام 2016 و كان لذلك، الأثر الكبير في حصولها لاحقا على جائزة نوبل للأدب، فدور الترجمة في وصول الآداب القومية للعالمية لا يمكن تجاهله إطلاقا. ومن هذا المنطق، يمكن للأدب السعودي أن يكون حاضرا من خلال الترجمة وتعالقها مع أعمال السينما والأفلام التي تركز على تسليط الضوء على الأعمال الروائية السعودية وتسعى في الوقت ذاته في الإسهام في عالميتها، وهذا بدوره، يتضافر مع جهود إدارة الهيئة العامة للترفيه، برئاسة معالي المستشار: تركي آل الشيخ من خلال إطلاق «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيرا» عام ،2024 لتحويل أفضل الأعمال الروائية إلى أعمال سينمائية.
لا شك أن هذه الطفرة والاهتمام بالأدب السعودي بشكل خاص والعربي بشكل عام يجعل المملكة العربية السعودية قادرة -بإذن الله- للحصول على الجوائز الأدبية العالمية وأن تكون رائدة للأدب العربي في المحافل الدولية.
** **
د. عادل بن مصيلح المظيبري - أكاديمي بكلية الآداب بجامعة الطائف