الثقافية - علي بن سعد القحطاني:
مشروع الفوائت المعجمية مشروع معجمي تبنّاه الدكتور عبد الرزاق الصاعدي رئيس مجمع اللغة العربية الافتراضي (على منصة أكس (X) تويتر سابقاً ) ويهدف المشروع إلى تدوين كل لفظة صحيحة عن العرب، وذكر أنه قد توصل إلى جمع قدر كبير منها معتمداً على حفظه لمفردات لهجة قبيلته واستعانته بالمناقشات التي كانت تدور عبر حساب «مجمع اللغة الافتراضي» الذي أسسه لهذا الغرض، الذي بلغ مائة وخمسين ألف متابع والفوائت الظنية التي يسعى لرصدها وتدوينها تعني : الألفاظ والدلالات التي لم ترد في معاجم اللغة ولم يعثر لها على شاهد في كلامٍ فصيح مما نقل إلينا من عصور الفصاحة ولكنها قديمة الاستعمال في قلب جزيرة العرب وشائعة في قبائلها وأقاليمها الداخلية وتنطبق عليها المعايير العلمية المنهجية التي ترفع من احتمال كونها فائتاً قطعيّاً والدكتور عبد الرزاق الصّاعدي، يتّكئ على خبرة سنواتٍ طويلة في مصاحبة الصّناعة المعجميّة العربيّة.
وقامت «الثقافية» بإجراء دراسة حول هذه القضية الأكاديمية وأخذ العديد من آراء المهمتين والمتخصصين في مجال اللسانيات واللغة العربية حول مشروع «الفوائت المعجمية» للدكتور عبد الرزاق الصاعدي وأهميته وضرورة إلحاقه بالمعاجم اللغوية الحديثة وقادر على إثراء معجم لغتنا العربية المعاصرة.
ما نطقت به العرب
في البداية التقت «الثقافية» سالم بن سليمان الخماش أستاذ اللغويات العربية، قسم اللغة العربية وآدابها،كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الملك عبد العزيز وأدلى برأيه حول مشروع «الفوائت الظنية» قطاع من الجذور والصيغ والدلالات التي وصفها الدكتور عبد الرزاق الصاعدي بأنها ما فات المعاجم القديمة تدوينه، مما قالته العرب زمن الفصاحة، وصح من كلامها. أي أن الفوائت الظنية في رأيه نطقت بها العرب، ولكن لم ترصدها المعاجم. ويمكن أن نضيف هنا: بما أنها في دائرة الظن، وأن إثباتها قائم على مؤشرات هي وجودها في لهجات عربية حديثة، فيفضل ألا يُذكر في تعريفها أو توضيحها على أنها «نطقت بها العرب زمن الفصاحة»، والأصح موضوعياً أن نعبر عن هذه الفكرة بقولنا: «يُعتقد أو يظن أنها تعود إلى العصور المبكرة من معجم العربية»، والصاعدي نفسه يؤكد على وصفها بالظنية لأن في هذا تحرزاً من الجزم من وجودها القديم.
لهجات القبائل
وعن شروطها وضوابطها يُبيّن د.سالم الخماش ماهية الفوائت الظنية وأنها تعني ألفاظاً ودلالات «مسموعة في لهجاتنا الفصيحة وأعني بها لهجات القبائل التي لم تزل في ديارها بجزيرة العرب. التي لم تزل تحافظ على قدر غير قليل من الألفاظ الفصيحة ودلالاتها، وذكر أنه قد توصل إلى جمع قدر كبير منها معتمداً على حفظه لمفردات لهجة قبيلته واستعانته بالمناقشات التي كانت تدور عبر حساب «مجمع اللغة الافتراضي» الذي أسسه لهذا الغرض، الذي بلغ متابعوه 149 ألف شخص حين كتابة هذا الموضوع. وقطاع من هؤلاء يروون ما ورد من صيغ أو معانٍ مسموعة في لهجات قبائلهم. ولعلنا هنا نشير إلى بعض الانتقادات التي وجهت إلى هذا المنهج التي تدور حول تركيز الصاعدي على لهجته بالذات، ولكن يمكن الإجابة عن هذا بأن ذلك عائد لضرورات اقتضتها حالة المشاركين في النقاش الذين لا أجد -حسب ما لمسته- من معظمهم مشاركة فاعلة في المبادرة إلى طرح مادة من لهجاتهم. ولكن في النهاية الحكم على المفردات التي طرحها الصاعدي للنقاش أو غيره لا بد أن تلبي شروطاً معينة وضعها للحكم عليها. من هذه الشروط: (1) موافقة المفردة لما جاء من كلام العرب مع قبولها للتحويل من النطق اللهجي إلى قوالب النطق العربي الفصيح، (2) تحقق المعيار الدلالي وهو مناسبتها لحياة العرب في بيئاتها، (3) الانتشار بين قبائل متعددة ومتفرقة في الجزيرة العربية. وذكر الصاعدي بجانب ذلك أربعة مؤشرات مساعدة يرى أنها تقوي حكمه على المفردة.
المخزون اللفظي
وعن قيمة المخزون اللفظي في لهجاتنا، يواصل د.الخماش حديثه بقوله: الدكتور الصاعدي ذكر عدداً من فوائد جمع الفوائت الظنية (راجع: فوائت المعاجم، 1/86، 87)، منها أنها قد تفيد في تفسير بعض الآيات القرآنية، أو فهم نص شعري قديم، وقد تفيد أيضاً في فهم بعض مواطن الغموض في المعاجم القديمة، ومن فوائدها أنها تسهم في إكمال الصورة العامة للخريطة اللغوية الكبرى للفصحى ولهجاتها مما يساعد في الاستقراء المعجمي. ومن الفوائد التي ذكرها الصاعدي للفوائت الظنية أنها تكملة للمعاجم العربية وإثراء لمحتواها. وعلّق على ذلك بأنه عمل جليل ونهج قديم سنه علماؤنا منذ القرن الثالث. والحقيقة لا بد من إمعان النظر في هذا التعبير الذي قد يُلبس على البعض فيظن أنه يريد ضم هذه الفوائت إلى معجم العربية المعياري، ولكن من وجهة نظري أن الصاعدي يقصد أن تكون هذه المادة مكملاً أو ذيلاً له وليس جزءاً منه، وهذا ينسجم مع ما ذكره بعد ذلك من فوائد للفوائت.
الدراسات اللسانية في العالم
ويضيف د.سالم الخماش إلى ذلك أن هذه الفوائت جزء من معجم العربية الكبير وتاريخه، وهي جديرة بالرصد والحفظ، وهذا ما تؤكد عليه الاتجاهات الحديثة في مراكز الدراسات اللسانية في العالم. فمعاجم اللغات واللهجات مخزون مهم لرصد تصورات الفكر الإنساني لكل ما يحيط به من موجودات، وما يقوم به البشر من أفعال وحركات ونشاطات، وما يختلج في أفئدتهم من مشاعر أو ما يدور في عقولهم من تصورات وأفكار، كل هذه جديرة بالاهتمام والتوثيق والتحليل، ولا أدل على ذلك من نشاط كبير قدمه علماء اللغة واللسانيات في مجال رصد اللغات المهددة بالانقراض وتسجيلها يوازي نشاط علماء النبات والحيوان في ميادين توثيق هذه الموجودات ومحاولة لإيقاف انقراضها.
الفوائت وموت الألفاظ
ويختتم د. سالم الخماش مداخلته بقوله: إذا نظرنا إلى الفوائت الظنية التي يحاول الصاعدي والمشاركون معه في نشاطه في مجمع اللغة الافتراضي لرصدها، فسندرك أن جلها مهدد بالانقراض، ولعل هذه الفرصة الأخيرة لتوثيقها قبل أن تطمسها اللهجة البيضاء الممسوخة التي لا نكهة فيها ولا طعم يميزها، وأكاد أجزم أن ما قام به الدكتور عبد الرزاق يُعدّ أبرز خطوة خطتها الدراسات المعجمية الحديثة، فقد تحرر من تلك العُقد التي كانت تخنق البحث العلمي وتقيد موضوعاته في مجال المعاجم وجمع اللغة بقيود وهمية تحت دعوى «محاربة العامية»، وأقترح تطبيق منهج reconstruction «إعادة التركيب» الذي يعتمده علماء علم اللغة المقارن عند افتراض صيغ الكلمات القديمة من صيغها المتعددة في عدد من اللغات واللهجات، كذلك أقترح هنا على معجم الدوحة التاريخي للغة العربية والمعجم التاريخي للغة العربية بالشارقة أن تضاف هذه المواد «المعادة التركيب» إلى هذين المعجمين التاريخيين بناءً على قواعد العربية القديمة ولهجاتها.
واضع المصطلح وناشره
يرى الدكتور تركي بن ماطر الغنامي أن «المراد بالفوائت الظنية» أنها تعني: الألفاظ والدلالات التي لم ترد في معاجم اللغة ولم يعثر لها على شاهد في كلامٍ فصيح مما نقل إلينا من عصور الفصاحة ولكنها قديمة الاستعمال في قلب جزيرة العرب وشائعة في قبائلها وأقاليمها الداخلية وتنطبق عليها المعايير العلمية المنهجية التي ترفع من احتمال كونها فائتاً قطعيّاً، وعن شروطها وضوابطها يوجزها في ثلاثة شروط ويقول: هناك ثلاثة شروط رئيسة وضعها صاحب نظرية الفوائت الظنية وهي عند النظر شروط موفقة ودقيقة أولها: موافقة اللفظ صوتاً وصرفاً لكلام العرب زمن الفصاحة، وثانيها: مناسبة دلالة اللفظ لحياة العرب في زمن الفصاحة بمعنى أن هذا اللفظ لا يدل على شيء حادث وطارئ بعد زمن الفصاحة لم يكن الفصحاء يعرفونه، وثالثها: انتشار اللفظ وشيوعه في بيئات جزيرة العرب وقبائلها وأقاليمها واتساع مساحة هذا الاستعمال، وبوجود قضية وجود الفوائت فإنه يقول :إنه ليس أمراً جديداً وهي قناعة عند كثير من المهتمين باللغة واللهجات والكلام حولها متكرر، أما واضع المصطلح وناشره وواضع الضوابط والمعايير فلا أعلم أن أحداً سبق الدكتور عبد الرزاق الصاعدي إلى ذلك فقد حمل لواء هذا الأمر ونافح دونه حتى شاع وظهر في الأوساط العلمية، وهناك فرق بينها وبين الفوائت القطعية ويختلف الفائت القطعي بأن له شاهداً من كلام الفصحاء فات أهل المعاجم رصده وتدوينه، أما الفائت الظني فكما سبق أن بيّنا بأنه لا شاهد له ولكن تنطبق عليه معايير الفائت الظني ولهجاتنا مكتنزة بالألفاظ وقيمتها الكبيرة ليست على مستوى الألفاظ فقط بل حتى على مستوى التراكيب التي ليست مما عنيت به معاجم اللغة فمثلاً قولنا: عام الأول وليلة الأول بمعنى السنة قبل الماضية والليلة قبل الماضية الشائع جداً في لهجاتنا الغائب كليّاً في لغتنا الفصحى اليوم على جميع مستوياتها هو تعبير فصيح صحيح تكلم به الفصحاء، ومثله انساح بالي بمعنى انشرح صدري واسترحت للأمر وسعدت به، ومثلها يعلّ الكبد لوصف الشيء أو التصرف السيئ القبيح ومثلهن الكثير جداً من التراكيب كلها فصيحة عليها شواهد من كلام الفصحاء وشعرهم وهي شائعة في لهجاتنا غائبة غياباً تامّاً في فصحانا المعاصرة وعن أثر نظرية الفوائت الظنية على حفظ مفرداتنا وتزويد المعجم بمستدركات تحققت فيها الشروط، وهو عمل جليل لا يهوّن منه إلا من لم يوفق لصواب الرأي وسداده ولو تقدهذا العمل قبل ثلاثين أو أربعين سنة أو قبل ذلك لكانت ثماره أكبر بكثير جداً لكثرة المتكلمين بهذه الألفاظ ووفرتهم، وشيوع استعمالها ووفرة المحفوظ من شواهدها القديمة في ذاكرة المتحدث بها سليقة، ووضوح معانيها عندهم ودقتهم في استعمالها في جميع السياقات.
الفوائت الظّنّيّة .. نظرة ثاقبة
ويبارك د. عبد الرحمن بن دخيل ربه المطرفي رئيس تحرير مجلة الجامعة الإسلامية للغة العربية وآدابها جهود د.عبد الرزاق الصاعدي في مشروعه «الفوائت المعجمية» لا سيما وأنه يتّكئ على خبرة سنواتٍ طويلة في مصاحبة الصّناعة المعجميّة العربيّة ويقول :معاجم اللغة - أيّة لغة - لا تكفّ عن النّماء والتّطوّر؛ جرّاء تطوّر الحياة، والعلوم، وتراكم الخبرات، والاحتكاك بالأمم الأخرى، وتجد أنّ معجم اللغة يستقبل - باستمرار - كلماتٍ جديدة، وعباراتٍ جديدة، ومصطلحات حادثة؛ إمّا عن طريق الدّخيل، أو الترجمة، أو التوليد، أو التطوّر الدّلالي وجهود علمائنا في تدوين متن اللغة - ألفاظها وعباراتها وهي محطّ الإعجاب والتقدير؛ لحرصهم وتضحياتهم في هذا الميدان؛ إذ تجشّموا عناء الرّحلة والأسفار في ربوع الجزيرة العربية، ومضارب البادية؛ لكي يسجّلوا اللغة عن أهلها الخلّص الذين لم تشبْ ألسنتَهم شائبة، فدوّنوا متن اللغة عن العرب، وفي أثناء ذلك كانوا يشيرون إلى ما دخل في الاستعمال من الكلمات والمصطلحات الأجنبيّة: من الفارسيّة والهنديّة واليونانيّة وغيرها ولقد قطع علماؤنا الأوائل في سبيل ذلك آلافَ الأميال؛ في نواحي جزيرة العرب؛ على دوابّهم أو أرجلهم، مع قلّة إمكاناتهم، فصنعوا لنا طائفة كبيرة من معاجم اللغة اللفظيّة والموضوعيّة الرّائعة، ومع قلّة إمكانات علمائنا القدامى: البشريّة والمادّيّة؛ يُفترض أنّه قد فاتهم شيءٌ من كلمات العربية لم يدوّنوه؛ إمّا لاتّساع اللغة نفسها، أو لأنّ المدوّنين لم يصلوا إلى بعض رواة اللغة؛ لبعد أماكنهم، أو لغير ذلك من الأسباب.
وهذا الفرض يعزّزه عواملُ ووقائعُ شتّى منها:
1ـ طبيعةُ المحاولات الأولى في كلّ علم، ولاسيّما مع تفرّق الرّواة في نواحي الجزيرة العربية، وفي خارجها كذلك.
2ـ اتّساعُ رقعة الجزيرة العربية، وتنوّعها الجغرافي.
3ـ أنّ علماء المعاجم كثيراً ما يستدرك متأخّرُهم على متقدّمهم ألفاظاً، أو صِيغاً، أو استعمالاتٍ لم تُذكر من قبلُ ، يتّضح ذلك جلياً عند الصّغاني، والزّمخشري، والزَّبيدي .
هذه الفرضيّة ( فرضيّة الفوائت ) بعَثَها وأحياها وأنضجها أستاذُ اللّغويّات في الجامعة الإسلاميّة الأستاذ الدّكتور عبدالرّزّاق الصّاعدي، وهو يتّكئ على خبرة سنواتٍ طويلة في مصاحبة الصّناعة المعجميّة العربيّة .
ويرى الدّكتور الصّاعديُّ أنّ فوائت المعاجم قسمان:
الأوّل ـ الفوائت القطعيّة : وهي الألفاظ التي لها شواهد فصيحة من الشعر والنّثر، ولم تدوّنها المعاجم القديمة، وقد أرود طائفة ًكبيرةً منها في كتابه الماتع ( فوائت المعاجم: الفوائت القطعيّة والفوائت الظّنّيّة).
الثّاني ـ الفوائت الظّنّيّة : وهي ألفاظ متداولة في لهجات العرب اليوم، لم تتضمّنها المعاجم، وليس لها شواهد من الشّعر القديم، ولكنّ تداولها وسمتها الدّلالي يوحي بعروبتها.
ودعا الدّكتور عبد الرزاق الصاعدي إلى تدوين الفوائت الظّنّيّة ( بعد أن وضع لها ضوابط منهجيّة سديدة ؛ نحو سعة انتشار الكلمة، وصياغتها العربيّة، وملاءمة دلالتها لحياة العرب، وغير ذلك ) قبل انقراض كبار السنّ الذين تكتنز لهجاتهم بمثل هذه الكلمات، ولو انقرض هذا الجيل لفاتتْ تلك الفوائت؛ مع سيادة اللغة البيضاء.
وفي سبيل ذلك كوّن الدّكتور الصاعديّ فريقاً يضمّ عدداً من المهتمّين ـ من مناطق شتّى ـ يتداولون بصفة يوميّة ألفاظاً سمعوها من كبار السنّ في مواطنهم، ويتدارسونها بينهم، كما أنشأ الدّكتور الصاعدي وسماً على برنامج التواصل الاجتماعي ( تويتر ) تحت مسمّى ( كلمة اليوم ) يطرح فيه ـ كلّ يوم ـ كلمة ممّا رواه الرّواة المعاصرون في المملكة العربيّة السّعوديّة أو الدول العربيّة الشقيقة، ويرى مدى انتشارها، واستعمالها، ودلالاتها لدى متابعي الحساب؛ وهم كثيرون من داخل المملكة ومن خارجها، وبناءً على ذلك يقرّر أنّ هذا اللفظ أو ذاك ممّا تنطبق عليه ضوابط الفوائت، أو لا تنطبق عليه ويتنبأ د. عبد الرحمن المطرفي أن مشروع الفوائت الظنية سيلقى تشجيعا ودعما- رغم ممانعة من بعض المطّلعين- في قادم الأيام وهذا مما سيصدق من حدس د. عبد الرزاق الصاعدي وثاقب نظره وسلامة وسيعمل مشروعه البحثي على إثراء معجم لغتنا العربية المعاصرة.
المخزون اللفظي في اللهجات المعاصرة
التقت «الثقافية «بالدكتور مكين بن حوفان القرني، أستاذ اللغويات في جامعة الباحة ورئيس قسم اللغة العربية بكلية العلوم والآداب بالمخواة لكي يدلي برأيه حول مشروع «الفوائت المعاجم القطعية والظنية الذي تبنّاه د.عبد الرزاق الصاعدي ويقول:
في لهجاتنا المعاصرة في بلد المنبع المملكة العربية السعودية؛ مخزون لفظي كبير، ويأتي مشروع جمع فوائت المعاجم القطعية والظنية، الذي تبنَّاه سعادة الأستاذ الدكتور عبد الرزاق الصاعدي؛ ليُدرك ما بقي على ألسنة كبار السن في بيئات الجزيرة العربية، فهم -بحق- معاجم لغوية متحركة، والمراد باللهجات التي نتداركها قبل اندثارها تلك اللهجات التي هي من صميم الفصحى، وما زالت تدور على ألسنة فئة كبار السن، وهي فئة قليلة علينا أن ندركها في مواطن مختلفة من شبه الجزيرة العربية، وإنْ لم نفعل فإننا سنفقد كنزاً ثميناً، فبموت كبار السن تموت ألفاظ كثيرة تضرب بعمق في الفصاحة، بل إنه يُخشى أن تؤدي العولمة بمسارها غير المنضبط إلى اندثار أو انقراض هذه اللهجات في شكل متسارع، وهو مشاهد وملحوظ،ومن هذه الألفاظ ما لم تثبته معجمات اللغة، فهو من المهمل، أو من الفوائت، لكنه موافق لميزان الكلام العربي.
الصاعدي والفوائت القطعية والظنية:
• قسّم الصاعدي فوائت المعاجم إلى قسمين:
- الفوائت القطعية: وأراد بها ما فات معاجم الألفاظ القديمة، وله وجود في مصدر قديم من مصادر التراث الموثوقة زمن الفصاحة، كدواوين الشعراء في عصور الاحتجاج، ومجاميع الشعر، وكتب اللغة والنوادر، وغيرها من مصادر اللغة والأدب القديمة.
- الفوائت الظنية: وأراد بها ما فات المعاجم، ولم يُدوَّن في مصادر قديمة، وله وجود في فصيح اللهجات المعاصرة، وهذه الفوائت منها ما هو مادة لغوية (جذر)، ومنها ألفاظ أو مشتقات في جذر معين، ومنها دلالة للفظ مستعمل.
وجاء وصف الفوائت بالظنية في مشروع الصاعدي من أنها ظنية الحُكْم؛ لافتقارها إلى نص قديم يُثبت وجودها في الاستعمال زمن الفصاحة.
شروط الفوائت الظنية
يعرض الصاعدي الفائت على ضوابط أو شروط أو معايير، إذا تحققت فيه عُدَّ من الفائت الظني، وهذه الشروط نوعان: لازمة، ومساعدة (غير لازمة)؛ فأما اللازمة فثلاثة، وهي:
1. معيار لفظي، ويتحقق بأن يكون بناء الكلمة موافقاً ما جاء في كلام العرب زمن الفصاحة، أصواتاً وصرفاً.
2. معيار دلالي، ويتحقق بأن تكون الدلالة مناسبة لحياة العرب في أزمان الفصاحة، وليست دالة على ما جَدَّ في العصور المتأخرة.
3. معيار جغرافي، ويتحقق بأن يكون الفائت واسع الانتشار، معروفاً في بيئات لغوية متفرقة.
واجتماع ثلاثة المعايير في الفائت لفظاً أو دلالةً مما يُغَلِّب الظَّن بأنه من الفوائت، ولا يُقطَع بفواته؛ لغياب شاهده في عصور الاحتجاج، وأما الشروط غير اللازمة، فهي أشبه بالمساعدة أو المُرجِّحة، إذ لا يلزم توفرها في كل فائت ظني، وهي: اللهجات المهاجرة، ونظرية الاشتقاق الأكبر عند ابن جني، والاستئناس بنظرية ثنائية الألفاظ، والاستئناس باللغات السامية، ولا تتسع المساحة لبسطها هنا، وقد أوفى شرحها الصاعدي في الجزء الأول من كتابه (فوائت المعاجم: الفوائت القطعية والفوائت الظنية).
أهمية جمع فوائت المعاجم
يُعَدُّ جمع الفوائت القطعية، والفوائت الظنية التي تحققت فيها الشروط؛ جهداً عظيماً يحفظ مفردات اللغة، ويُسهم في تكملة المعاجم العربية وإثراء محتواها باستدراك ما فاتها، بل يُعين على إكمال الصورة العامة للخريطة اللغوية الكبرى للفصحى ولهجاتها، إضافة إلى أن بعض الفوائت قطعية أو ظنية يُحيي جذوراً مهملة، ومنها ما يحسم الخلاف في ألفاظٍ أو دلالةٍ لم تظهر صلتها بجذورها.
ومشروع شيخنا الأستاذ الدكتور الصاعدي جهد فردي جدير بأن تتبناه المؤسسات المعنية باللغة العربية، من مجامع لغوية ونحوها.