الثقافية - حاورته - وردة أيوب عزيزي:
تزخر الجزائر بكوادر نقدية وأدبية متمكنة، أثبتت تأثيرها في الوسطين الثقافي والفكري، على المستوى المحلي والعالمي داخل الجزائر وخارجها.. نستضيف في هذا العدد الأكاديمي والناقد د.مشري بن خليفة، للحديث عن شجون متفرقة تتصل بالأدب والنقد.. فإلى نص الحوار الذي أعدته وردة أيوب عزيزي..
نود أن نتعرف على مشري بن خليفة، ما الذي لايعرفه الناس عنك وما ينبغي أن يعرفوه عنك؟
علاقتي بالناس وبمحيطي علاقة مفتوحة على المحبة، أنا إنسان يؤمن بضرورة أن يعمل على تطوير نفسه معرفياً وعملياً واجتماعياً، ولهذا أسعى دائماً من أجل العمل على أن أكون إيجابياً داخل المجتمع، وخاصة المشهد الثقافي الجزائري، وذلك من خلال مساري التكويني العلمي، ومساهمتي الأدبية في الحركة الأدبية في الجزائر، يعتبرني الكثير من الدارسين بأنني من الفاعلين في جيل الثمانينيات، الذي أحدث التحول على مستوى مفهوم الشعر والشعرية في الجزائر، إضافة إلى ذلك ساهمت بفعالية في تأسيس حركة نقدية خرجت عن المنظومة النقدية السياقية إلى منظومة منهجية نقدية نسقية، ما لايعرفه الكثير عني أنني أسكن الظل ولا أريد أن أكون تحت الشمس، ولا أبحث عن أي مجد وأقدم غيري وأكتب عنهم وأبحث عن الجديد دائماً، وأشجع المواهب التي تبهرني بما تقدمه من نصوص سواء أكانت شعرية أو سردية، وما لا يعرفه عني الكثير أنني دائماً إبحث عن تقديم الإضافة وأعمل بجدٍّ وإخلاص، مهما يكن التكليف الذي أكلف به، ولهذا أعمل على نشر قيم المحبة والتسامح وثقافة التعاون.
أعتقد أن الإنسان بحاجة إلى الآخر، والآخر ينبغي أن يكون إيجابياً في علاقته، ومن ثم تمتد الجسور بين الناس على أساس بناء علاقة جوهرها المشترك الإنساني مهما يكن الاختلاف، ولهذا فإنني منفتح على الجميع وعالمي الشخصي ليس مغلقا بتاتاً.
هل نستطيع أن نقول إن هناك نخبة ثقافية قادرة على احتواء المشهد الثقافي في الجزائر؟ ومن هو القادر على حمل مشروع مثقف برأيك؟
مادامت هناك حركية ثقافية داخل المجتمع، من المؤكد أن تكون هناك نخبة ثقافية فاعلة، والثقافة هي جزء من هوية وحركية وتطور المجتمعات، والثقافة في المجتمعات المتقدمة والمتطورة، أصبحت جزءاً من المنتوج الاقتصادي، ويقدم الإضافة النوعية للاقتصادات داخل المجتمع، ومن ثم تتحول النخبة إلى قيمة معنوية بمنتوجها الثقافي والأدبي والفكري والفني، الذي يسهم إيجابياً في تطوير المجتمعات، إذن المثقف في مفهومه المعاصر، أصبح مرتبطاً بتقديم الإضافة، وفي الوقت الراهن تحولت النخبة إلى قوة اقتصادية، وتقدم سلعة ثقافية بالإمكان تسويقها، خاصة ونحن نعيش في زمن العولمة الذي يعتمد أساساً على فرض الخصوصية الثقافية والعمل على الانخراط في هذه العولمة من خلال تحديد المنتوج الذي يتضمن خصوصية ثقافية وحضارية، وعليه من الضروري تجاوز مفهوم المثقف السلبي إلى إيجاد مفهوم جديد وهو المثقف المنتج العضوي الذي يعمل على أن يكون عنصراً فاعلاً داخل المنظومة الاجتماعية والاقتصادية، والخروج من الصراعات الأيديولوجية والأوهام الشعبوية، عندئذٍ يمكن أن يحمل المثقف مشروعاً ثقافياً إيجابياً يسهم في تطوير المجتمع.
ما هو مستقبل راهن الشعر في الجزائر، وهل يستحق هذا الشعر ما يؤهله للعالمية؟
إن المتأمل والدارس للشعر الجزائري الحديث، سيجد أن الشعر الجزائري قد بدأ تقليدياً وهذا ليس عيباً، بحكم أن الشعر في الجزائر حديث عهد ً، وإذا نظرنا إلى الخطابات الشعرية في الجزائر منذ تأسيسها سنجد أنها مرت بالعديد من المراحل وشهدت تحولات بحسب المرجعيات، ولو نظرنا إلى الشعر الجزائري في عهد جمعية العلماء الجزائريين المسلمين، لوجدنا اهتمامها بالشعر وتشجيعها للشعراء في كتابة الشعر، و ذلك بحكم دفاعها وتكريسها للثقافة العربية التي كانت مقصاة ومهمشة في الواقع جراء الاستعمار الفرنسي، و قد كان الشعر في مرجعيتها وخطابها جزءاً من استعادة الشخصية الجزائرية، وعليه كان الشعر في توجهه تقليدياً ويعيد إنتاج الشعر الأصل، ومن ثم نجد الجمعية قد احتفت بالشاعر أحمد شوقي عندما أعلن أنه «أمير الشعراء» في العصر الحديث، وهذا طبيعي لأن مرجعية الجمعية الإصلاحية تفرض عليها هذا التوجه في بناء الشعر وفق شروط الشعرية العربية الشفوية التقليدية، استمر هذا المسار إلى غاية الأربعينيات من القرن العشرين، ولكن مع ظهور شعراء جزائريين من داخل الجمعية وعلى هامشها اتجه بعض الشعراء الجزائريين إلى الرومانسية لإحداث التغيير في مفهوم الشعر وقوله، ومن ثم ظهر شعراء يعلون من شأن الذات على اعتبار أن الجمعية وشعراءها كانوا وظيفيون في قول الشعر ومرتبطون برسالة وظيفية محددة تربوية وتعليمية وإصلاحية، بينما هؤلاء الشعراء الرومانسيون تمردوا وتوجهوا نحو الذات والطبيعة والكتابة عن واقعهم المزري، الذي اتسم بالسوداوية والحزن، خاصة بعد مجازر الثامن ماي 1945 التي نفذها الاستعمار الفرنسي، وعليه حدث تحول في الشعر الجزائري وبدأ الشعراء الجزائريون يبحثون عن شكل مغاير يستطيع التعبير عن هذه المرحلة.
وبداية من الخمسينيات التي شهدت تحولاً وأزمة حقيقية في الحركة الوطنية وتذمراً كبيراً من الواقع القمعي الاستعماري، برز جيل جديد طموح في كتابة الشعر من وجهة نظر جديدة تتماشى مع هذا الواقع المتغير، فظهر شعراء شباب استفادوا من ثقافتهم المعرفية والنقدية وتعرفهم على التغير الذي حدث في الشعر العربي وتحوله من الرومانسية إلى كتابة الشعر الحر، من أمثال أبي القاسم سعد الله ومحمد الصالح باوية وصالح خباشة وصالح خرفي وأبي القاسم خمار وعبد القادر السائحي وغيرهم من الشعراء.
اختلفت آراء النقاد و الدارسين في مشروعية مصطلح «الكتابة النسائية» أو «الأدب النسوي» بين مؤيد ومعارض، فما هو رأيكم في هذه الإشكالية النقدية؟
لاقت هذه المصطلحات «أدب المرأة» أو «الأدب النسائي» أو «الأدب النسوي» أو «أدب الأنثى»، منذ بداية ظهورها أزمة في إشكالية ضبط المصطلح وهذا التعدد والاختلاف هو في الحقيقة ناتج عن فوضى في ترجمة المصطلح من مصادره المختلفة، وطبعاً أثارت هذه المصطلحات جدلاً كبيراً بين النقاد والدارسين، ومن المؤكد أنه لايمكن ربط كل ما تكتبه النساء بجنسهن بالضرورة، فكتاباتهن لا تنطلق بالضرورة من «منظورمؤنث»، أو تحمل هذه الكتابة كل قيم وتيمات الأنوثة، وعليه فإن ماتكتبه المرأة أدرج في عمومه تحت مصطلح الجندر/ النوع, وهذا الإدراج مرتبط باختلاف الثقافة المكتسبة بين الرجل والمرأة وخصوصية النوع، وقد ساهم هذا الموقف في ظهور حركة نسوية في الغرب تسعى إلى إلغاء التصنيفات القاطعة للبشر من ذكورة وأنوثة ومركز وهامش.
وعليه ساد مصطلح النسوية الذي هو منظومة فكرية أساسها الدفاع عن مصالح النساء وتوسيع حقوقهن، إذن فالنسوية حركة فكرية غربية للدفاع عن المرأة ورد الاعتبار إليها داخل المجتمع من ثم كان مصطلح الأدب النسوي، أما النسائي فهو يحيل إلى التخصيص والحصر داخل إطار الجنس «الأنثى»، وبذلك تم التفريق بين الكتابة النسوية والكتابة النسائية، باعتبارهما المصطلحين الأكثر تداولاً واستخداماً بين النقاد والدارسين، فالكتابة النسائية فهي تلك الكتابة التي تبدعها المرأة عموماً، بينما ترتبط الكتابة النسوية بنوع من الكتابة التي تصدر عن مرجعية أيديولوجية، وتيار فكري نسوي حقوقي.
أعتقد أن كل هذا الغموض والاختلاف في ضبط المصطلح، هو نتيجة الصراع القائم على أساس الذات والجندر والترجمة، وهو أيضاً نتاج صراع أيديولوجي اجتماعي بين المرأة والرجل داخل المجتمع والعمل على إلغاء الآخر.
والغريب أن لا أحد من النقاد والدارسين استطاع أن يحتكم إلى خصائص الكتابة ويكشف عن الخصوصية الجمالية في الأدبين النسوي والنسائي، ويبين ما يميزه عن غيره، ما عدا هذا التمييز القائم على تقسيم الأدب إلى رجالي وآخر نسائي.
أزعم أن الكتابة الأدبية عموماً، لها خصائصها الجمالية وهي واحدة ومتعددة في أي نوع من الأنواع الأدبية، سواء أكان الكاتب رجلاً أو امرأة، وعليه ما يهمني هو النص وقيمته الجمالية وما يطرحه وكيف يعالج قضايا الإنسان سواء أكان رجلاً أوامرأة، لأن القضايا مهما يكن الاختلاف حولها ومهما تعددت الرؤى والمواقف، فهي جوهرياً تعبر عن واقع الإنسان وطموحاته في التغيير، وهي مرتبطة بالدفاع عن حقوق الإنسان.
مشاريعك المستقبلية ؟
قبل أن أتحدث عن مشاريعي المستقبلية، أريد أن أشكرك جزيل الشكر أ.وردة أيوب عزيزي على هذا الحوار، الذي قد أوضح الكثير من القضايا التي طرحت من خلال الأسئلة والتي كانت تبحث عن إجابات في مستواها.
مشاريعي منذ سنتين وأنا أعمل لإتمام بعض المشاريع التي ظلت في الانتظار لسنوات، نتيجة عدة ظروف صعبة عشتها ومازلت أعيشها خاصة الصحية منها، ستصدر لي ثلاثة كتب في القريب إن شاء الله.
منها كتاب قيد الإنجاز يتضمن حوارات ولقاءات أدبية عربية، منها الروائي العربي الطيب صالح والناقد الكبير عزالدين إسماعيل والشاعر السوداني الكبير جيلي عبد الرحمن والروائي الجزائري الكبير واسيني الأعرج، والناقد الكبير الدكتور عبد الله ركيبي والمفكر العربي والإسلامي محمد عمارة. أتمنى أن يرزقني الله الصحة والعافية لكي أكمل مشاريع أخرى مازالت في الانتظار إن شاء الله .