يعدّ خطاب تقويم التعليم مظهراً من مظاهر التواصل والتفاعل في التخاطب القولي، فهو يوظف النظام اللساني؛ لتحسين كفايات التواصل اللغوي بين أطراف العملية التعليمية؛ لـ «رصد مستوى التقدم في جودة مخرجات التعليم العام، من خلال تقويم أداء مدارس التعليم العام الحكومية والأهلية؛ للإسهام في تحسين البيئة التعليمية وتطويرها، لتكون محفزة على الإبداع والابتكار».
ومن مهام المركز الوطني للتقويم والتميز المدرسي (تميز) بناء الأدوات المنظمة لعمليات التقويم والاعتماد المدرسي، وتطوير المعايير الوطنية لمناهج التعليم العام، وهذه المهام التقويمية تحتاج إلى كفايات لسانية لغوية تواصلية؛ لنشر ثقافة التقويم والتميز المدرسي في التعليم العام، وتمكين النظام التعليمي من تلبية متطلبات التنمية الوطنية، واحتياج سوق العمل، وفق رؤية المملكة 2030. وهذا ما يجعل خطاب تقويم التعليم خطاباً حجاجياً، يسعى إلى توجيه المتلقي الوجهة المقصودة، من أجل إبلاغه الأهداف المنشودة للمركز، التي تتمثل في ضبط جودة مخرجات التعليم، ورسم السياسات التعليمية المعتمدة من هيئة تقويم التعليم والتدريب.
ويعدّ الحجاج في خطاب تقويم التعليم أداة ناجعة في تحقيق التواصل اللغوي والتفاعل القولي مع العاملين في البيئة التعليمية، والتأثير فيهم، وحثهم على العمل والإنجاز، وهذا ما يسعى إليه كل خطاب لساني تداولي إقناعي.
ومن أهم مظاهر الحجاج في خطاب تقويم التعليم، ما يأتي:
-الحجاج بالتعريف: عدّ (روبريو) التعريف «دليلاً حجاجياً في الإقناع، ووسيلة ناجحة في القول»، فالحجاج بالتعريف يؤطر المفاهيم المشتركة بين المتخاطبين؛ فيحصل بذلك الإقناع والتأثير. ومن أمثلة الحجاج بالتعريف ما جاء في تعريف (التقويم المدرسي) في المركز الوطني للتقويم والتميز المدرسي بأنه «منظومة تقويم متكاملة؛ لتقويم أداء مدارس التعليم العام، وفق منهجية علمية مستمرة، لجمع البيانات عن أداء المدرسة الحكومية بأساليب وأدوات متعددة؛ لتحليلها والحكم على مستوى جودتها في ضوء معايير ومحكات محددة سابقًا، وتقديم مقترحات التحسين والتطوير»، ففي هذا التعريف التداولي توجيهٌ استدلالي للمخاطَب؛ لحمله على إنجاز عمل التقويم، بوصفه قيمة تعليمية مستمرة، وشاهداً على نواتج التعلم في البيئة المدرسية.
ونلاحظ في التعريف السابق كثرة استعمال الرابط الحجاجي (الواو)؛ لتقوية العمل التوجيهي التداولي، وترتيب الحجج، ووصل بعضها ببعض؛ رغبةً في التأثير والإقناع، فالتقويم المدرسي: جمع وتحليل وتقويم وتحسين وتطوير، فهو عمل مستمر، وهذا ما يجعل منه قيمة تعليمية وطنية، وثقافة مجتمعية مشتركة.
-الحجاج بالتعليل: للتعليل الحجاجي أثرٌ توجيهي وإقناعي واستدلالي، وبخاصة إذا ارتبط بالعلة التي تعقبها النتيجة، كما يتضح ذلك جلياً في تعريف (برنامج التقويم الوطني للمدارس-نافس)، فقد حدد المركز الوطني للتقويم والتميز المدرسي (تميز) هذا البرنامج التعليمي بأنه: «برنامج تنفذه الهيئة، ممثلة بالمركز الوطني للتقويم والتميز والمدرسي بالتعاون مع وزارة التعليم؛ لتقويم مخرجات مدارس التعليم العام من خلال اختبارات وطنية، وعمليات تقويم ذاتي للمدارس؛ لضمان وضبط الجودة فيها؛ ليتكامل مع مستهدفات ومخرجات برنامج تنمية القدرات البشرية المنبثق من رؤية المملكة 2030، ويُحسِّن التحصيل التعليمي لأبنائنا وبناتنا الطلبة، ويسهم في بناء مواطن منافس عالمياً»، ففي هذا التعريف استعان المتكلم بالقيمة الاستدلالية لعمل التعليل الحجاجي؛ لتوجيه المتلقي وإقناعه بوجهة نظره في (نافس)، فهو برنامج (لتقويم مخرجات مدارس التعليم العام...ولضمان ضبط الجودة)؛ لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة (2030)، فهذه العبارات التعليلية تسهم في زيادة القدرة التواصلية والإقناعية للخطاب التعريفي، ثم إنها طريقة من طرائق التفكير والتواصل والإبلاغ عند هيئة التقويم والتدريب، وهذا ما جعل الخطاب التعريفي يستعين بالرابط الحجاجي (الواو)؛ لضبط مسارات التأويل التداولي، والحفاظ على اتساق الخطاب وانسجامه، وترتيب الحجج، والوصول إلى النتيجة التي يرتضيها صانع الخطاب التعليمي.
-الحجاج التقويمي القائم على إستراتيجية المعايير: تعتمد معايير مناهج التعليم العام في المملكة العربية السعودية على مجموعة من الأسس والركائز، وهي: تعزيز الهوية الوطنية، والتوجهات الوطنية، والتوجهات التربوية، واستشراف المستقبل، وفي هذه الإستراتيجية التعليمية تتجلى أهمية المعايير في ضمان ضبط جودة التعليم ومخرجاته؛ لتحقيق التوقعات العالية لنواتج التعلم عند المتعلم. وهذا ما يجعل المعيار عملاً قولياً إنجازياً، يجمع بين التعليم والتعلم والتقويم، مع الاهتمام بالتقويم من أجل تطوير التعلم واستمراره، واستعمال الأدوات والأساليب التقويمية المتنوعة، وتوظيف التقنية الرقمية، والذكاء الاصطناعي في أعمال المراقبة والمتابعة والتحليل واستخلاص النتائج. ففي هذا العمل التوجيهي التأثيري يظهر بوضوح الطرائق المتعددة في تقويم نواتج التعلم المستهدفة في معايير المناهج التعليمية؛ للحصول على نتائج موثوقة حول مستوى أداء المتعلم، واستيعاب متطلبات معايير الدراسات والاختبارات الدولية، والتوافق بين التقويم الوطني، وأنواع التقويم الأخرى على مستوى الصف والمدرسة، وهذا ما أكده (الإطار الوطني لمعايير مناهج التعليم العام في المملكة، الإصدار الثاني، 1444ه-2022م) المعتمد من هيئة تقويم التعليم والتدريب. إن هذه الإستراتيجية الحجاجية عمل متضمن في القول، يهدف إلى «تمكين المتعلم من اكتساب المعارف والمهارات والقيم اللازمة للحياة، والتعلم المستمر، ووظائف المستقبل، ومواجهة التحديات، واستثمار الفرص بشكل منتج وإبداعي؛ ليكون متعلماً معتزاً بهويته، مسهماً في تنمية وطنه، مبدعاً علمياً ومهارياً، ومنافساً عالمياً». لقد عمل الحجاج بالتقويم على إيجاد مرجع مقنع وشامل؛ لإحداث التأثير الإيجابي في أداء المتعلمين، وهذا ما أكده تعريف (تقويم المناهج) في المركز الوطني للتقويم والتميز المدرسي (تميز)، بأنه «منهجية علمية تتضمن معايير مبتكرة لمناهج التعليم العام، وأدوات تقويم موثوقة؛ لضمان جودة المحتوى المقدم لطلاب التعليم العام، وبما يضمن إكسابهم نواتج التعلم من معارف ومهارات نوعية تعدهم للحياة ووظائف المستقبل، ومواكبتها لرؤية المملكة 2030، وبرنامج تنمية القدرات البشرية».
-الحجاج بالمواطنة: وفي هذه الإستراتيجية الإقناعية، حملٌ للمخاطب على الفعل والعمل، ومن ذلك « تفعيل مشاركة أولياء الأمور... وتمكين أولياء الأمور من دعم أطفالهم في جميع احتياجاتهم التعليمية»؛ لتعزيز قيم المواطنة الصالحة، وإعداد جيل يسهم في تحقيق التوجهات الوطنية، ومتطلبات التنمية الاقتصادية، وسوق العمل.
-الحجاج بالاستشراف المستقبلي: وتقتضي هذه الإستراتيجية الإقناعية بث الثقة والطمأنينة في المتلقي، وقد استعمل المتكلم أسلوب التفصيل؛ لإزالة الإبهام والغموض، ونشر روح التفاؤل والأمل في صناعة رؤية تعليمية مستمرة، تواكب التحولات المعرفية والتقنية المتسارعة. ويعدّ (مشروع مستقبلهم) عملاً إنجازياً تواصلياً، يرمي إلى إقناع أولياء الأمور بالمشاركة في عملية البناء والتحسين المستمر لنواتج التعلم، فهو يهدف إلى «إعادة تحديد أدوار أولياء الأمور في التعليم العام، وذلك من خلال جعلهم أكثر وعياً وتمكيناً وإشراكاً وانخراطاً اجتماعيّاً؛ لتعزيز مستقبل أطفالهم وازدهاره».
وبعد، فهذه محاولة متواضعة في تطوير الدرس الأدبي الحديث، والاستفادة من اللسانيات التداولية والمقاربات الحجاجية في تحليل الخطابات اللسانية، وفق مقام التلفظ، وسياق الحال، ووجهة نظر المتكلم، وجهة اعتقاده، وطرائقه في التفكير والإبلاغ والتأثير. وكل عام وأنتم بخير.
** **
د.قالط بن حجي العنزي - باحث في السرديات التداولية.
@qalit2010