في القرية عندما تكثر الخطى ويتشح السواد أفق النظر.
فاعلم أن هناك خطباً ما!
تجتمع النسوة من كل حدب وصوب للقيام بالواجب.
يستقبلك حوش البيت الممتد طولاً وعرضاً يكسوه المرجان الجاف كأنه (فيشارا) نثر.
الأبواب المفتوحة، أشعة الشمس التي لا يحجبها سقف ولا جدار تتخلل الغرف في البيوت ذات الطابع العربي.
البساط الممدود وسط المكان أو منزويا في أحد أركانه.
القهوة تتوسطه والإناء الفضي وقد حوى التمر واكتنز به وصحن كبير وضع عليه تشكيلة من الفواكه وما توفر في موسمه.
تبدأ الأحاديث بمناشدة الحال والعافية ثم تنهال جمل التعزية.
وتتسارع الكلمات لتفرغ كل واحدة منهن ما اعتادت قوله بتقارع الرؤوس مع المصافحة.
تكسو الملامح البساطة.
الحياء تجده في لثمة بسيطة تغطي الفم تنزل جانب لحافها ليمر من الخد الأيسر نزولاً إلى الذقن.
الحديث قد يبلغ ذروته إذا توحد الموضوع.
كل يدلي بمعارفه تكتسي البداوة طابعا مميزا بلكنة جميلة.
وسرعان ما تغوص الأذهان في العمق وتطرح التجارب.
حديث يجر حديث، عين ترقب وأذن تتلهف.
في لحظتها سادت أخبار الغياب والغياب هنا الموت.
وإذا ما أتى خبراً جديداً
من غاب معكم اليوم؟
والسؤال لا يخص.
فتتهاوى الإجابة بن مسعود زوج غالية المحترقة.
وإلى هنا تتفرع الحكايا ليس غيبة ولا نميمة.
فتلك الوجوه المكتسية وقار السماحة، الناعمة خَلقاً الودودة خُلقاً، ما كانت لتمهد للغيبة درباً ولا تشق لها طريقاً.
وما يشد المستمع تلك التجارب التي تصب جميعها في الموضوع المطروح.
وحتى لو كنت معارضاً الحلول والأدوية الشعبية دون التوجه للطبيب فإن كل مجساتك تنتبه لتحفظ الطرق التي تم سردها.
فعندما تأتيك الخبرات ومن مصدرها فإنك تعزي الانحياز لها كإسعاف أولي.
خاصة إذا ما كانت حادثة الحرق بعيدة عن العمران كأماكن الرحلات الخلوية أو لأي ظرف تعذر حينها الوصول للطبيب.
فأخذت ذاكرة الهاتف لأكتب حتى لا تخذلني ذاكرتي فدونت.
ورق حنى وورق الغاف يطحن ويوضع على الحرق.
ثم أدلفت تجربة أخرى، مريسة التمر أي منقوع التمر مهروس.
رحلت مجموعة وأتت غيرها ويتكرر المشهد.
والعجيب أن موضوع الطرح لا يزال في ذروته ويمكن القول إنه ترند القرية.
فعلى الرغم من اختلاف المتحدثين إلا أنه لم يتغير.
ثم لم التغيير؟! فزوجة بن مسعود الغائب، غالية المحترقة.
ذهب الحديث إلى مجرى آخر
فسمعنا سبب الحرق وأنهم تأخروا في الذهاب للطبيب. وكيف لم تسمع بأن الحنى يخلط في الزيت ثم يوضع؟ وهل غابت عنها مريسة التمر؟
التمر الذي لا يخلو أي بيت عماني منه.
صالت وجالت صور ورائحة الحنى والتمر والأعشاب. بين جنبات الحوار.
وبالطبع مع رائحة القهوة وهي تدور بعد كل انتهاء لفنجان، يبدأ آخر والأحاديث تنسج.
لا مكان لاختيار أو تحديد سن للمتحدثة، هناك انسجام تام فيمن يمسك بطرف الخيط ليبدأ أو يكمل.
نبرة الأصوات متساوية لا تعلو إلا لجلل.
سريعاً يمكن للحوار أن ينتهي
لا جدل ولا جدال، تنسل كل واحدة منهن للخروج ومثل ما بدأت تغادر مع دعاء بسيط في ذكره عميق في مغزاه.
الحل و البريان كأن تطلب السماح والمغفرة على أي زلة من قول أو فعل سقطت بقصد أو بدونه، فيرد الجمع بالحل وأنتم كذلك.
** **
عائشة بنت جمعة الفارسية - سلطنة عمان