الثقافية - عبدالرحمن العطوي:
عاش طفولته في بادية تبوك بين جبالها وهضابها وبدأ عليه النبوغ مبكراً ورغم شضف العيش وقسوة المعيشة في ذلك الزمن والبعد عن المدينة وغياب التعليم إلا أن والده رحمه الله رغم بداوته وأميته لكن حياة البداية سكانها أذكياء بالفطرة ليقرر العودة إلى المدينة وإلحاق أبنه في المرحلة الابتدائية في تبوك التي كانت وقتها أشبه بالقرية في ذلك القرن لينهل هذا الطفل البدوي من تعليمها ليصل إلى قبة مجلس الشورى ويكون أحد أعضائها عدة دورات أنه الأستاذ الدكتور مسعد بن عيد العطوي الذي تنقل بين تبوك والقصيم والرياض في جامعاتها وأنشأ اول صالون ادبي في تبوك عام 1398هـ ليستمر في حراكه طوال 45 عاماً خلال تواجده في تبوك وبعد تقاعده من العمل أصبح هذا الصالون تقام فيه الفعاليات الثقافية أسبوعيا داخل منزله الذي خصصه كملتفى ادبي وأقام فيه أكبر مكتبة ثقافية خاصة في منطقة تبوك وفي هذه المحطة التي يتحدث فيها العطوي أشار إلى أن صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك كان يٌطلعه على مسودات كتبه التي تتحدث عن تبوك ويأخذ بتوجبهاته السديدة ورأيه وهو داعم للثقافة والمثقفين في المنطقة .
الجزيرة الثقافية كانت في لقاء موسع مع الدكتور مسعد العطوي ومحطاته ومكتبته ومؤلفاته والعديد من الإضاءات في مسيرته نشأتك الطفولية في قلب بادية تبوك ومن داخل بيت الشعر (رمز البداوة) هل هذا أثر في شخصيتك .
* حدثنا عن تلك النشأة؟
لقدنشأت في بادية تبوك وفي شمالها وبين أحضان جبال السروات البركانية ذات الحجارة السوداء وفي سفوحها واحات زراعية قليلة المياه والزراعة ويتوافد حولها العشائر التي تملكها صيفا ويكونون القطين وهي من عادات القبائل العرب في الجاهلية والإسلام كما وصفها الأخطل بقصيدةاستهلها بقوله :
خَفَّ القَطينُ فَراحوا مِنكَ أَو بَكَروا وَأَزعَجَتهُم نَوىً في صَرفِها غِيَرُ)وهويصف أثر الفراق بين تألف النزل ثم لوعة افتراقهم :كَأَنَّني ذاكَ أَو ذو لَوعَةٍ خَبَلَت أَوصالَهُ أَو أَصابَت قَلبَهُ النُشَرُ شَوقاً إِلَيهِم وَوَجداً يَومَ أُتبِعُهُم طَرفي وَمِنهُم بِجَنبَي كَوكَبٍ زُمَرُ حَثّوا المَطِيَّ فَوَلَّتنا مَناكِبُها وَفي الخُدورِ إِذا باغَمتَها الصُوَرُ يُبرِقنَ لِلقَومِ حَتّى يَختَبِلنَهُمُ وَرَأيُهُنَّ ضَعيفٌ حينَ يُختَبَرُ[1]
وقدجربتها بين الأطفال حين يتباعد النزل.
وكان الرجال يجمعون في مجالسه يوميا وليلا الليل أكثف حضورا المجالس هذه مدارس فهم يتناقلون الأخبار والأولاد يستمعون ويخدمون و ويتذاكرون القص الحربية والمواقف الإنسانية ويفيضون بتجاربهم وكل صامت محدق في المتحدث والأولاد يحفظون ويتعظون ويتعلمون الصدق والكرم والشجاعة والعفاف والنجدة . وحكايات الكرم والشاعة والعفاف تنغرس في قلوب الأطفال والشباب بل يحضرها النساء من وراء الساتر (المعند) بين الرجال والنساء وكانت لهذه القيم أثرا لا ينمحي في جميع الشباب حتى وإن انتقلوا للحاضرة
وأثر تريبة البادية يتشكل في القدرة على ممارسة القدرات وتخطي العقبات والترويض على العمل والصبر وقدرة التحدي وفصاحة اللسان وجرأة الشباب والنجدة بالتعاون في حفر الآبار وسقيا المواشي وتفقد الجيران ومنحهم المنائح والأقتراض وحملهم حين يفقدون الرواحل كذلك يتفانون بإطعام الطعام .
* صالونكم الأدبي كيف بدأ وماسر صموده لأكثر من 45 عاما رغم ضعف الحراك الادبي الثقافي في تبوك وإنحصار حضور صالونكم الأدبي على مجموعة محددة من المثقفين رغم حرصكم على دعوة الجميع ما تفسيركم لذلك العزوف؟
تم تأسيس منتدى مسعد عيد العطوي في عام 1398هـ وكان الهدف منه المزيد من المعرفة والعلم لي ولمن يحضره ؛فوضعنا برناجا أعتمد على القراءة والمناقشة وكان الحضور محدودا ،وحصرناه لقراءة التفسير وبعض الكتب ،وهومفتوح للجديد ،وكنا نستضيف بعض الدكاترة من كلية التربية وأذكر منهم عميد كلية التربية بتبوك الدكتور خالد الكماخي الذي واصل معنا واستفدنا حتى تم نقله للرياض ثم تزايد الحضور من أساتذة المعهد العلمي وبعض المثقفين وتواصلت الندوات حتى انتقلت إلى القصيم وثم الرياض وكان نشاطه محصورا على الإجازة الصيفية ،وإذكر أن الأسئلة تمطرني حول الهدف منه لأن مجتمع تبوك لم يعهد مثلها وكنت أعد المنتدى ليصحب التقاعد حتى المكان أهتممت به قبل التقاعد في منزلي الجديد ولما رجعت إلى تبوك جعلته أسبوعيا وأهتممت به وكان منظما على شاكلة ندوة الرفاعي ثم الوفاء، وندوة راشد المبارك ،وندوة أنور عشقي، وندوة ابن حسين ،وكل مرة أدعو لها شخصية فيعد محاضرة فيلقيها لمد45 دقيقة ثم يكون النقاش .
ثم و الحوار ولها قناة في اليوتيوب وحرصت على تنوع المحاضرات من القضاة والمنتسبين للشؤون الإسلامية، وأكثر المحاضرين من الجامعة وتخللها عدد من استحضار مجموعة لمناقشة موضوع موحد في الطب والمياه وبعض الأمراض كالتوحد وتخللها كثيرمن المحاضرات الطبية وندوة حضرها الدكتور بدر محسن عميد كلية الطب ،وأغتنم فرصة عند حضور المشهورين فحاضر منهم د فهد السماري ود محمد الربيع ودكتور ظافر الشهري رئيس النادي الأدبي في الأحساء وغيرهم .
وقد حرصت على الاستئذان له من سمو أمير المنطقة الأمير فهد بن سلطان الذي يحث على الثقافة ويشجعنا عليها وكان تجاوبه سريعا أبويا رعاه الله
والمنتدى ثقافيا استقبل الأدباء والأطباء والعلماء وأعضاء التدريس من جامعات الوطن.
* تبوك لها إرث تاريخي هل تم استغلاله كما ينبغي ؟
نعم تبوك هي من الجزيرة العربية التي تتابعت عليها حضارات ولأن مطقة تبوك هي مركز لدروب القوافل التجارية من الشام وأوربا للشرق والجيوش الإسلامية والدول الأسلامية وهي على مفترق طرق عالمية فالدروب تخترق الجزية من أوربا للقوافل التي تجوب جزيرة الهند وتعبر غربا إلى أوربا الأمر الذي جعل تلك الحضارات واضحة في جبال الحرات حتى العلا ومدين وأصحاب الأيكة والغساسنة ثم الحضارة الإسلامية مما جعل منطقة تبو ك مكتبة الآثار العالمية ففيها مدين وفيها مدائن تحت التلال وفيها النقوش الكثيفة و الدولة رعاه الله أخد تحصوها وتحميها وتمد لها الطرق وتشجع السياحة والمستقبل أفضل وكتبت عنها كتابين .
* لديكم مكتبة منزلية ثرية بأمهات الكتب ومؤلفات ضخمة ومؤلفاتكم الشخصية أقتطعتم مساحة كبيرة من منزلكم العامر لهذه المكتبة العملاقة لماذا لاتكون شبيهة بالمتاحف التي تستقبل زوار المنطقة ؟
المكتبة هي مزرعتي ومناهل فكري وقد كانت الكتب هي هوايتي الأولى وأمنيتي وجمعتها خلال عمري وكنت أتابع المكتبات في الرياض ثم زرت عمان ومكتباتها ودمشق ومكتباتها والقاهرة ومكتباتها ومعارض الكتب في هذه المدن وكنت أحملها في حقائبي ووأكياسها في كلتا يدٍ ولما انتقلت للقصيم كنت أحضر معارض الكتاب والمحافل الثقافية مثل الجنادرية وقد حرصت على أمهات المصادر وهي روافد رسائلي ومؤلفاتي وقد رفدها كافة الشرائح وشملت المدارس والأسر كذلك وأعدها مع مركزا ثقافيا وأستذكر أقتراح الدكتور عبد العزيز السبيل والدكتور محمد القنيبط من كبار الكتاب وعضو مجلس الشورى ورفيقنا بالرحلات خلال عضويتي في مجلس الشورى وقد نهلنا من أفكاره العلمية
وقد دون بعض العبارات في سجل الزيارات لمكتبتي المنزلية ومداعبته لنا ببعض ماكتبه في السجل منها مانصه(من ناحية اقتصادية فمن غير المنطق أن يُخصص شخص (عاقل) نصف منزله لمكتبة ولكن هذا الدكتور مسعد شفاه الله ورد له عقله) .
* لكم شهرة أدبية واسعة محلية وعربية وصلت المغرب العربي حدثنا عن موضوع رسالة الدكتوراه عن سيرتكم الذاتية (التحول) التي قدمها الدكتور الجزائري بلعيدوني محمد وقد نال عليها الدكتوراه عام2023م وقد حوت على 524صفحةوهي رسالة متميزة بطرحها للسيرة الذاتية؟
كنت قرأت سير أسامة بن منقذ (الاعتبار)وابن الجوزي (صيدالخاطر)وكثير من السيرة الذاتية المترجمة وكذلك العربية مثل الأيام ل طه حسين وحياتي لأحمد أمين والجوع والخوف لعزيز ضياء وأشرفت على رسائل منها مما دعاني إلى تأمل كتب التنظير المترجمة عنها . وداعبني أحد الزملاء النابغين دمحمد الشيبان في قاعة التدريس وقال: ماذا تكتب يابدوي و تمازحنا فسبحان الله الآن صار الجانب البدوي في السيرة يستوقف الكثير بل استحوذ على المقابلات ولم اهتم بنشر السيرة التحول بل أخفيها لا نحراف تأويل بعض القراء الذين لم يستوعبوا دلالة السيرة الذاتية بأن قيمتها بالأحداث التي لها وقعها الانفعالي مما أطفأ وهجها في نفسي ولم يكن للسيرة الذاتية التحول نشر إلا من خلال الوسائل الرقمية والإهداء الخاص وكتب عنها الأستاذ الدكتور عبد الله الحيدري وهو من كبار المهتمين بالسيرة الذاتية والوطنية جمعا وتحليلا وكذلك من كبار النقاد والمؤرخين لها الدكتور صالح الغامدي أشار إليها في ندوات متعددة وكتب عنها معالي الدكتور سهيل القاضي في صحيفة محلية بقيت كأنها مؤجلة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا حتى زارني الدكتور مشعل العطار أيام العيد وعايدني بروابط رسالة دكتوراه عنها ناقشها ستة أساتذة ممن يحملون درجة علمية رفيعة من جامعات الجزائر للدكتور بلعيدوني محمد الذي لم يتواصل معنا أويخاطبنا عن موضوع رسالته حتى هذه اللحظة مما زاد في موضوعية الدراسة بعيدا عن المؤلف والدراسة أكثر من خمسمائة صفحة عميقة باستنباط الدلالات ومعرفة تامة بتنظير السيرة الذاتية وهي أيضا قوية بلغتها وأسلوبها واستنطاق الأحداث ولعلها تفتح شهية الباحثين للراوية السعودية عند أخواننا العرب فكل التقدير والشكر للدكتور المؤلف وجامعة أحمد بلة.
* ماذا أضافت لك تنقلاتك الوظيفية خارج تبوك (القصيم ، الرياض )؟
هي بمثابة أسفار العلماء الأوائل بين بغداد ودمشق والقاهرة فقد نهلت من العلم وقطفت من فكرالعلماء وكنت أحضر المنتديات الثقافية في القصيم و الرياض وكنت ملتزما بحضور منتدى عثمان الصالح وابن حسين والرفاعي رحمهم الله وكذلك عرفني الزميل الصديق محمد الربيع على ديوانية أنور عشقي وصالون سعود المريبض يحضرها كبار المثقفين من الوطن والعرب وكنت محاورا فيها؟ ثم زاد ثقافتنا ووعينا وتجاربنا، بعد ذلك التنقل بين المدن مع كبار الأدباء والمفكر في الرحلة الشورية التي يدعو لها معالي الدكتور زياد السديري سنويا، واستفدنا من تجوالنا مع كبار أعضاء هيئة التدريس إلى سائر مناطق المملكة والتقائنا ب أمراء المناطق ويقيمون لنا ندوات في قصورهم وكذلك نزور كبار المثقفين ويتخلله حواراتنا في أسفارنا ومقرات الإقامة. إنها تنويع الثقافة وتوسيعها.
* هل تؤيد فكرة المقاهي الأدبية وماتقدمه من محتوى ادبي خصوصاً مع إنتشارها الواسع وهل تقارن بالصالونات الأدبية ؟
المقاهي الثقافية هي إحياء للتراث مماثلا للمقاهي الباريسية في أسواق الألزيه ومقهى الفيشاوي بالقاهرة ومقاهي المركاز في مكة المكرمة وفي جدة وفي المدينة المنورة ولكن المقاهي لا تحجب عن المنتديات الثقافية المركزية الكتاب لتعانقة المثيلات الرسمية التي تُعنى بالمثقفين والأدباء في بلا العرب لأنها تجمع المثقفين ، وتحفظ ،وتوثق لثقافة الوطن، وترفع شأن الثقافة الوطنية عالميا، وتجمع ثقافة الأقاليم، وتحفظ نتاجهموتر الناشئة، وتكون من معالم ومظاهر الثقافية للوطن، و المقاهي للترويض والممارسة وهي تفتق المواهب وكن ليس لها رسوخ ؛فلم يبق لها تاريخ وطني.
* الاديب ابن بيئته إلى أي مدى تظهر تبوك في الأعمال الأدبية لمسعد.ومانصيبها من مؤلفاته؟
المثقفف تختلف أهتماماته الفكرية والإبداعية فالأبحاث الجامعية تنتمي للتخصص ثم المشاركات الفكرية والثقافية تحتل مساحة من تفكيره وتأليفه وكذل وطنه فأسعد بكتبي التي قدمتها للوطن تتجاوز عشرةكتبا أهمها أحمد الغزاوي في ثلاثة مجلدات وشعر المجتمع في المملكة العربية السعودية، والشعر الوجداني في المملكة العربية السعودية والفكر والشكل في الشعر السعودي والقصة القصيرة في المملكة العربية السعودية ورواية العملاق وغيرها أما اهتمامي بالمنطقة فيتجلى في كتاب (تبوك قديما وحديثا): وكتاب (تبوك المعاصرة والآثار حولها) ويدخل فيها (التحول) سيرة ذاتية وأبحاث حول مساجد الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ومقالات حول الآثار .
* الأمير فهد بن سلطان داعم للثقافة والمثففين كيف ترى ذلك الدعم من خلال رئاستك للنادي الأدبي بتبوك سابقاً ولقائتكم بسموه ؟
سمو الأمير فهد بن سلطان أمير المنطقة أطلع على مسودات الكتب عن تبوك وأخذت بتوجيهاته وله إطلاع على كتبي عن الفكر الفلسفي والتربوي والاجتماعي وحظيت بدعمه بالنادي الأدبي وملتقيات وهو مثقف عالمي ومعاصر وهويفيدنا في جلساته الأسبوعية رعاه الله .
وقد سعدنا بتعيين النائب سمو خالد بن سعود عبدالله الفيصل ونتمنى له التوفيق وسيكون عونا لسمو الأميرفهد بن سلطان ويقتدي به بالعناية بالثقافة وخدمة الوطن.و ومواطني المنطقة وسائر أوجه التطور.
* في نهاية هذا اللقاء ماذا تقول ؟
اتمنى للثقافة أن تهتم :1-ببناء العقول الفكرية التي تقوم على المناهج المنطقية العلمية 2_وأن تتوسع في الفكر والفكر الأجتماعي الذي يصلح ويدفع المجتمع للمعرفة والتقنية والمعاصرة والتلاحم .3-أن تهتم ببناء المواهب كتفتيقها وتنميتها 4-بناء الطموح والهمة وممارسة العمل بأعلى مستوياته والأمان والتفاني 5-تدبر النتائج واستشرافها وتأمل نظريات التربية من الواقع واكتشاف نظريات جديدة يفرضها واقع الأمها ومتابعة تطورها قوة أوضعفا
وأقدم شكري لكم في صحيفة الجزيرة ولىئيس تحريرها الأستاذ خالد المالك ولهذا الإصدار الثقافي الأسبوعي الذي تتطالعنا به صحفيتكم والذي ننهل منه كل أسبوع وللدكتور محمد بن عبدالعزيز الفيصل مدير تحريرها ولكافة زملاءه في القسم الثقافي.