ثمة تماثل كبير بين الرسم والكتابة في أن الاثنين يعتمدان على تجانس أمرين ثم وضعهما جنبًا إلى جنب على نحو جاذب أخاذ، أو تضادهما لكن على نحو يأسر القلوب. لكن الفرق أن الأول يتفنن في وضع الألوان بعضها بجانب بعض، بعد حسن اختيارها ومزجها مزجًا إبداعيًّا يجعل من يراها يتوقف أمامها مأخوذًا بتناسق ألوانها وترتيب وتنظيم ما فيها من مكونات، في حين يبدع الثاني كلمات جميلة ويصفّها بعضها إلى جانب بعض لكي تتحول من مجرد رموز سوداء فوق أوراق بيضاء إلى واحدة من أكثر الأمور تحريكًا للمشاعر والأحاسيس البشرية، بل وإسهامًا في تغيير مسار أفراد ومجتمعات بأكملها.
يخلق الأول شعورًا غيرمتناه بالجمال الذي قد يمر به الجميع ولا يشعر به، لكون بعض نتاجاته تجمد اللحظة- وأي لحظة!- حتى يمكن أن يقول عنها من يشاهدها: «هل يمكن أن يكون جمال كهذا موجودًا؟»، أو قد يقول: «كيف لم أنتبه لذلك من قبل؟». في حين يخلق الثاني في نفس قارئه مشاعر مختلفة عما ألفه، آخذًا إياه في رحلة عبر الزمان والمكان، وعبر شخصيات لم يعايشها، وأماكن لم يزرها، وأفكار ربما لم تخطر بباله.
كلا العملين إبداعيان يتطلبان صبرًا كبيرًا وجهدًا غير عادي لإخراج عصارة تجربة الحياة لنا؛ الأول على شكل لوحات فنية تأخذ بألبابنا، والثاني على شكل مقالات أو مؤلفات تحرك كل راكد في أدمغتنا، أوكما تقول نادية النجار في كتاب (مدائن اللهفة): شبه خارق بين الكتابة والرسم، كلاهما يلون البياض بشيء من الحياة؛ الأول يكتب رسمات والثاني يرسم كلمات.
وأخيرًا يقارن كتاب (إذا وقعت في حب كاتبة) لجانيس والد وآخرون بين الرسم والكتابة بالقول: «الأفكار مثل الألوان والكلمات ينبغي أن تأتلف معًا بطريقة متناغمة. الجمال هو الاختبار الأول، لكن العمل الأدبي الذي لا يفعل شيئًا سوى اتباع القواعد هو عمل حسابيّ بارد، مهما بلغ جماله» (ص 49-50).
* نحن نعيش في عالم رأسمالي رهيب حيث اللهث وراء الربحية والمادية وما أشبه ذلك، وهذا ما يجعل الناس يرغبون في الهروب من هذا العالم، وفي رأيي أن عالم الأدب والفن عالم رائع يحتوي كينونتك. الكاتب يان مارتل.
** **
- يوسف أحمد الحسن