الثقافية - علي القحطاني:
باحث في شؤون المرأة في التأريخ والتراث العربي، وصدر له مؤخراً كتاب «مكة بعيون النساء، دراسة تاريخية لمرويات النساء في الحقبة المكية «تحدث د. أوس بن عبد الجبار الجبوري في لقائه مع «الثقافية» عن دور المرأة في الحضارات القديمة، وكان متنوعًا ومعقدًا، كانت هناك نساء قويات ومؤثرات، وكانت هناك أيضًا تحديات وصعوبات تواجهها، وكان ينظر إلى المرأة بعين القداسة في حضارات التاريخ السومرية، وظهرت آلهة على أسماء إناث، والحديث عن مكانة المرأة في تلك الحضارات يُظهر لنا تطور الإنسانية والتحديات التي واجهتها على مر العصور. كما أشار د. أوس إلى تركيز الكتابات والسير التاريخية على الصراعات والمعارك وشخصيات السلاطين والملوك والفرسان؛ ويهمل المؤرّخون وأصحاب تراجم السير؛ الحياة الاجتماعية والتفاصيل الدقيقة والنظر في طبقات المجتمع، وشرائحه، وفئاته مثل النظر إلى الفقهاء، أو الشعراء، أو التجار، أو الفلاحين، أو الموالي، أو النساء، أو المهمشين بوجهٍ عام، وتطرق اللقاء إلى كتابه الجديد «مكة بعيون النساء دراسة تاريخية في مرويات النساء للحقبة المكية وإسهاماتها»
الجاحظ والنساء
* من الملاحظ أن بعض كتب التراث العربي تحفل بالإساءة للمرأة، وهو ما يخالف الخطاب القرآني الذي يوجه خطاباً إنسانياً للرجل والمرأة على حد سواء، والجاحظ أشار في كتبه إلى أنّ الفروق بين الرجل والمرأة علاقة تكاملية لا تفاضلية نريد إسهاباً حول هذا الموضوع؟
- نعم في بعض أعرافنا المجتمعية ما زلنا نمارس بعض الإساءات إلى المرأة من خلال عدة ممارسات أصبحت مألوفة لا نجد في ممارستها حرج، فمثلاً ما زلنا نحرج إذا ما سُؤلنا عن أسماء أمهاتنا وما زلنا نمتهن المرأة في بعض أمثالنا الشعبية..
أما على صعيد كتب التراث الإسلامي فهناك بعض الإساءات أيضا فهي تنطلق من نظرة الرجل إلى المرأة في تلك الحقب، وليس من نظرة دينية قرآنية إطلاقا فنجد في بعض كتب التفسير والفقه مثالا صارخا على هذه الإساءة للمرأة . لكن من جانبٍ آخر نجد كتباً أخرى تعطي المرأة حقها، وتنصفها فكتاب الجاحظ خير شاهد على ذلك وابن طيفور «بلاغات النساء «وابن الجوزي «أخبار النساء» وغيرهم كثير جداً. وأهم من ذلك كله أن هناك النصّ القرآني المقدس فهو يقدم خطاباً إنسانيا عظيماً يساوي فيه بين الرجل والمرأة وأن النفس واحدة .
دور المرأة في الحضارات القديمة
* لماذا تنحاز دائماً في دراستك للنساء، وهل كان هناك عصر للنساء كما كان أشرت في حديثك عن دور المرأة في الحضارات القديمة، وفي المقابل يرى بعض دارسي التاريخ أن انهيارات الحضارات كانت عبر مكر ودسائس النساء، وممَّا يُذكر عن فيلسوفِهم سقراط قوله: «إنَّ وجودَ المرأة هو أكبر منشأ ومصْدر للأزمة والانهيار في العالَم، إنَّ المرأة تُشبه شجرةً مَسْمومة، حيث يكون ظاهرها جميلاً، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً» ألا يوجد موقف معتدل تجاه المرأة بدلا من تلك المواقف المنحازة سلباً أو إيجاباً؟
- لا يوجد عصر للمرأة إنما الأصح هو أن كل العصور للمرأة، فلها إسهام في كل العصور سياسياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، ولها تأثير كبير على جميع مناحي الحياة إلا أن هناك نظرة سوداوية تجاه المرأة أو تجاهل لهذه الأدوار، وأننا اليوم نحاول أن نسلط الضوء على هذه الأدوار وإبرازها من خلال ما نقوم به من مشروع بحث كبير يبدأ من إسهامات النساء في السيرة النبوية وصولا إلى اليوم الحاضر والحمد لله أننا بدأنا هذا المشروع، ونسأل الله التوفيق فيه.
الهامش والمتن
* لماذا الكتابات والسير التاريخية تركز على الصراعات والمعارك وشخصيات السلاطين والملوك والفرسان؛ ويهمل المؤرخون وأصحاب تراجم السير؛ الحياة الاجتماعية والتفاصيل الدقيقة والنظر في طبقات المجتمع، وشرائحه، وفئاته مثل النظر إلى الفقهاء، أو الشعراء، أو التجار، أو الفلاحين، أو الموالي، أو النساء، أو المهمشين بوجهٍ عام؟
- سؤال مهم جداً، ركزت معظم الدراسات الأكاديمية على جوانب عسكرية وسياسية لأسباب عديدة إلا أنها أغفلت الجوانب الاجتماعية في حين أن الجوانب الاجتماعية هي الصورة الحية الصادقة للحدث التاريخي أو لأي حقبة كانت لأن الحقيقة التاريخية تكمن في تفاصيلها الدقيقة بل أحيانا تعطينا انطباعا واضحة عن طبيعة الحياة في تلك الفترة من خلال ثقافة الطعام مثلاً أو الألبسة أو الأعياد أو الزراعة وغيرها من جوانب الحياة الاجتماعية، وأصبح هناك إسهاب كبير في الكتابات التاريخية في الجوانب العسكرية والسياسية حتى أن مفردة التاريخ أصبحت مقترنة بهذه الجوانب، وأصبح هناك نفور من قراءة التاريخ لدى الأجيال الناشئة لهذه للأسباب.
المرأة والحضارة السومرية
* كان ينظر إلى المرأة بعين القداسة في حضارات التاريخ السومرية، وظهرت آلهة على أسماء إناث وتشريعات حمورابي مكتوبة وموجودة في اللوفر فيها 182 لوحة تتحدث عن عقوبات التحرّش /منع النساء من الإرث.. لماذا كل هذه القداسة تجاه المرأة في تلك الحضارات القديمة؟
- في بداية تطور الوعي الإنساني نظر الرجل بقداسة إلى المرأة كون أنها هي مركز الخصب، وهي من يوهب الحياة، وينجب الأطفال فقدّس الرجل المرأة من خلال هذه الجزئية، وبدأ يعبد آلهة نسوية مثل «عشتار «و»إنانا» وغيرهن، وأصبحت لهذه الآلهة صلاحيات وسلطات كبيرة، وظلت النظرة إلى المرأة في تطور حتى تجلى هذا الإبداع في سن القوانين العراقية القديمة قانون عشتار وقانون اشنونا وقانون حمورابي فنجد أن حمورابي وضع جلّ قوانينه لحماية المرأة من أجل خلق حالة من العدالة الاجتماعية والمساواة.
«مكة بعيون النساء»
* تم تدشين كتابك الجديد «مكة بعيون النساء دراسة تاريخية في مرويات النساء للحقبة المكية وإسهاماتها» في صالون عبد الرحمن النزاوي بالمدينة المنورة، ما أهم الأفكار التي تريد توصيلها للقارئ من خلال كتابك؟
- إن هذا الكتاب يسلط الضوء على الحقبة المكية من السيرة النبوية العطرة لكن من زاوية مختلفة، وهي من منظور نسوي فنحن تعودنا دائماُ على رواية الأحداث بمنظور ذكوري حتى في جوانب أخرى مثل رواية الحديث والفقه والتفسير وغيرهم إلا أنني عملت في هذه الدراسة على تناول الحقبة المكية من منظور نسوي من أجل الحصول على نظرة مختلفة إلى الأحداث والعمل أيضاً على التركيز على إسهامات تلك النساء في الحقبة المكية فوجدت من خلال البحث أن النساء كن محركات لمعظم الأحداث ومؤثرات فيها إلى حد بعيد، وليس ذلك فحسب، بل أن النساء روين أهم الأحداث في السيرة النبوية، وكن حريصات على نقلها إلى الأجيال الأخرى، إن للنساء دور فاعل ورئيسي في رواية السيرة النبوية وصناعة أحداثها .
** **
@ali_s_alq