الثقافية - عبدالله الداوود:
محمد المزيني، روائي وكاتب سعودي، يجسد إبداعه في عالم الأدب بمزيج من الخيال الواسع والواقع المعاش. برز اسمه في المشهد الثقافي من خلال أعماله المتنوعة التي تعبر عن قصص المجتمع وتحولاته، أصدر عدداً من الروايات والمجموعات قصصية التي تحمل أبعادًا إنسانية عميقة، ومن أشهر أعماله ثلاثية «ضرب الرمل» التي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني نال إعجاب الجماهير.
اكتسب المزيني خبرة واسعة من خلال عمله في مجال الإعلام والصحافة، حيث أسهم في إثراء المشهد الثقافي بتقديمه بعض البرامج الثقافية، والكتابة الصحفية، ليكون المزيني رمزًا للأدب السعودي الحديث، يعكس في كتاباته نبض المجتمع، ويضيف لمسة فلسفية إلى قضايا الحياة اليومية.
الكتاب الورقي
• كيف ترى مستقبل الكتاب الورقي في ظل الثورة المعلوماتية، وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي؟
- قيل الكثير وكتب أكثر حول التفاضل ما بين الكتاب الورقي والإلكتروني، والجدل القائم هو ضمن صراع مركب ومعقد بين الأجيال، ولكن يظل الورق هو الوثيقة الثبوتية القانونية للأشياء، ومنها النصوص المطبوعة، التزوير فيها مكشوف جدا مهما بلغت تقنياته، هذه إحدى فضائل الورقي أما التمايز بينهما فلكل واحد خصوصياته التي نعلمها جيداً، ومع ذلك فقد وجدت مع التطبيقات القانونية الحديثة طريقي لقراءة النصوص عبر الوسائط التقنية الحديثة، لا سيما في السفر.
متطلبات العصر
• كيف يمكن لدور النشر أن تطور منتجاتها في ظل تردي سوق الكتاب، ومنافسة برامج التواصل الاجتماعي لكثير من العادات التي عاشها المجتمع ومن بينها القراءة؟
- أتوقع أن اختيار الكتاب الجيد، المتزامن مع متطلبات العصر من جهة ومتطلبات الذائقة الجمعية من جهة أخرى مع الاتقان في إخراج الكتاب والقدرة على الوصول إلى منافذ التوزيع والإعلان عنه في كل مواقع التواصل الاجتماعي كفيل بنجاح الناشر.
الإصدارات الجديدة
• ظاهرة الاحتفاء بالإصدارات الجديدة والمميزة اختفت، هل نعزو ذلك إلى التشبع الثقافي، أم لخفوت وهج الكتاب وتأثيره على الملتقي؟
- لا اعتقد أنها اختفت، ربما لكثرة الإصدارات وسهولة مشاركة الآخرين في الاحتفاء بها جعل موازين نوع وشكل هذا الاحتفاء مختلفاً، فلم يعد النص الرصين هو المتسيّد فوق عرش التميز، إنما القدرة على الوصول من خلال مواقع التواصل الاجتماعي إلى الكثرة العددية المتابعة، جعلها تتصدر المشهد، ومع الأسف الشديد عندما تجد المؤسسات الثقافية تضع أحد أهم معايير المفاضلة هو كثرة المتابعين، سيتوارى الكاتب الجيد بنصوصه الرصينة خلف حشود المتابعين لكتاب المستويات الأضعف، وقد رأينا هذا في معارض الكتب.
العلاقة المتوترة
• علاقة الأديب بدور النشر علاقة متوترة، وكلاهما يرمي بالتهم على الآخر في ضعف التسويق وإشهار الكتاب، برأيك ما مدى تحمل كل طرف مسؤوليته في نشر الكتاب وتوزيعه؟
- الحديث حول علاقة دور النشر مع المؤلف قديم ،عموما دور النشر حالياً تواجه أزمة التوزيع في ظل كل الظروف والمتغيرات، التي أوجدت أزمة في طبيعة العلاقة الإنسانية «المتثاقفة» بينهما، فوقع الناشر في فخ هذه الآفة، فأصبح أمام خيارين إما الانسياق لها مع تحمل كل تبعاتها أو تقديم مصالحه المادية، هذا أسهم لدينا بظهور دور نشر محلية تحاول الاستفادة من هذا الواقع، باستقطاع الحصة الأكبر من الكتاب والمؤلفين بغض النظر عن أصالتهم وجدية محتواهم، حتى أصبح عالم النشر بازاراً كبيراً وواسعاً يحتمل كل شيء الغث منه والسمين.
الجوائز العربية
• الجوائز العربية فتحت أضواء للمثقف العربي كي يختبر إنتاجه، هل يا ترى حققت الجوائز هدفها الأسمى أم تحتاج إلى إعادة صياغة وتنظيم؟ وهل أنصفت الأديب السعودي؟
- سؤالي، هل أنصف الأديب السعودي نفسه أولاً وأقصد الأديب الحقيقي، لينال ما يستحق من هذه الجوائز، ونحن نراها تتجه إلى النتاج الأضعف، أعتقد أن الجوائز محلياً وعربياً وعالمياً هي عملية مراهنات بين المحكمين ذات آلية يعرفها الناشرون جيداً لذلك لا يجد بعضهم نفسه في هذه اللعبة، ولا أريد أن أضرب أمثلة على روايات ضعيفة نالت مباركة المحكمين وفازت بالجائزة الكبرى. طبعاً لن أتحدث في البعد السياسي لهذه الجوائز، وكيف يتم تصفية الكتاب من خلال أدوات رقابية صارمة.
جوائز محلية
• هل نحن بحاجة إلى جوائز محلية ذات شأن تحيي التنافس بين المثقفين والمؤلفين السعوديين؟
- أرى بأن المثقف الحقيقي ذو رسالة، لا ينتظر جائزة تحفزه، يحتاج إلى تكريم أعماله، من خلال إعادة تدويرها وإنتاجها، مثل مشروع القلم الذهبي الذي أطلقه معالي المستشار تركي آل الشيخ، أن يجسد عملك الروائي في فيلم أو مسلسل لهو تتويج أهم من الجائزة. التي تمر مرور الكرام. لا يعبأ بها سوى المهتمين.
النأي عن الإعلام
• محمد المزيني ومثله كثيرون بعيدون عن المشهد الثقافي، هل تعتقد أن الإعلام بعيد عن النتاج الثقافي ويتجه خلف مشاهير برامج التواصل؟ أم أن المثقف يتحمل جزءاً من هذا الغياب؟
- نعم ابتعدت عن المشهد الثقافي؛ لأنه لم يعد يمثلني ويمثل جيلي، ولا يعبر عنا بما يليق بنا، في الوقت الذي كنت فيه أقدم برنامجاً ثقافياً مهماً في القناة الثقافية، وأكتب مقالاً أسبوعياً في جريدة الحياة وأشارك الأندية الأدبية في كل أنشطتها، وأقدم الدورات والورش، اليوم لا أجدني داخل هذا العالم الجديد المزدحم بعشوائية الأصوات المزعجة. اليوم أنا اعمل بشكل مختلف مع الواقع الذي أعيشه، أقرأ وأكتب وأنشر، الشيء الجدي في تجربتي هو كتابة السيناريو الدرامية والوثائقية، فقد قدمت عدداً منها، بعضها نفذ وبعضها ينتظر التنفيذ.
القناة الثقافية
• برأيك ما البرامج التي ترى ضرورة تواجدها على قناة تهتم بالثقافة والأدب؟
- الكثير.. المهم أن نبتعد عن الحوارات المتكلفة، والبرامج التقليدية، هناك ما نستطيع أن نقدمه ويخدم وطننا الجديد بشكل مختلف، يحترم طبيعة المرحلة التي نعيشها اليوم، المنفتحة على الإبداع بكل أشكاله وصوره، فالثقافة ليست كتاباً وكاتباً فحسب، بل هي حياة الناس برمتها، تلك التي لم تصل إليها قنواتنا الثقافية بعد. فهي ما تزال داخل المفهوم الضيق.
المقاهي الأدبية
• انتشار المقاهي الأدبية في الآونة الأخيرة قربت المسافة بين الأديب والمثقف والقارئ، كيف ترى مستقبلها وكيف يمكن تطويرها؟
- حقيقة أنا لست مع المقاهي الأدبية، يقال إن نشر الثقافة من خلال مقهى على ناصية الشارع هو نشر للثقافة والأدب، وانا أختلف تماماً مع هذا الاتجاه، أن تعطى المقاهي كل المقاهي هذه الخاصية دون التحقق من فاعلية هذا المقهى أو ذاك وإسهاماته في المضمار الأدبي والثقافي لهو عدم تقدير لقيمة الأديب والمثقف ونتاجهما، أرى بأن تكون هناك معايير خاصة يراعى فيها الاهتمام والنوع والسعة والخدمات التي يمكن أن يقدمها المقهى لمرتاديه، ما يحدث الآن هو استغلال من بعض المقاهي التي لا تراعي أهمية الضيف، وتستغل حضوره دون تكريم حتى كأس الشاي يضن به عليه أحيانا، ولا يقدم له المخصص المادي الذي تدفعه الهيئة للمقهى، ويتم كل ذلك باستغفال تام واستغلال لأدب الأديب والمثقف المترفعين عن المطالبة بما قرر لهما سلفا، وأصبح من حظ المقهى.
الطقاقة بخيتة
• رواية ( الطقاقة بخيتة) واقترابها من القائمة الطويلة من جائزة البوكر كما ذكر أحد محكميها، هل ترى أن لقربها من البيئة الاجتماعية وملامسة الوجع الإنساني دوره في بروزها على هذا الوجه اللافت؟
- الرواية تناولت عالم الطقاقات بحساسية سردية خاصة، قدمتهن كما يمكن أن يصل مستوى الذوق الإنساني الحقيقي، فخوض تجربة من هذا النوع لم يكن سيلقى استحسان اللوثات العنصرية القابعة داخلنا، فكانت صادمة، بدرجة أن السخرية العلنية من هذا العنوان، ومازلت أسمع نبرة هذه السخرية، هي صفعة في وجه العنصرية المقيتة الساكنة في جوف مخلفاتنا الثقافية الموروثة، لذلك عبر بطلات هذا العمل عن واقعهن، كما صورت هذا الواقع من خلال تماس ومشاهدات مباشرة. أتوقع لهذا السبب سحبت من قائمة البوكر كما أعلنت إحدى المحكمات، منها تأكد لي أن الجوائز تخضع لمذاقات ومراهنات وأبعاد سياسية خاصة.
تعدد الأدوار
• أسلوب تعدد الأدوار الذي استخدمته في كتابة رواية «الطقاقة بخيتة» ونجحت فيه، متى يكون مفيداً للعمل الروائي؟
- أنت في الرواية أمامك طريقان: إما الحبكة البانورامية التي تبدأ من الألف إلى الياء أو الرواية المركبة ذات العقد والحبكات المتعددة، وهذا عملي في كل أعمالي الروائية، وقد أشكل على بعض القراء غرابة هذه التقنية السردية، وهي متبعة في كثير من الأعمال السردية العالمية، فأنا أضع القارئ في هذا النص أمام مشهدية درامية مركبة، تضطر أن تنتقل بالزمان والمكان والشخوص إلى أحداث أخرى، عليك الإمساك بخيوطها جيدا كي تصل إلى عمق فلسفة الرواية.
طقوس الرواية
• ما الأدوات التي يجب على الروائي أن يستخدمها كي ينجح في هذا الأسلوب؟
- على الروائي أن يتثبت من قدراته وأدواته جيداً، ويتحكم بها فأنت تمسك بحبال كثيرة، وعوالم متعددة وشخوص عليك الحفاظ عليها كي لا تضيع منك في منتصف الطريق، تعرف عليها جيداً، وعش معها طويلاً قبل أن تكتب عنها. كي لا تجد نفسك في المنتصف تائهاً في معمعة أحداث مفككة.
البعد الفلسفي
• هناك من ينتقد الكاتب محمد المزيني بأن رواياته تحتوي على كثير من الكلام الزائد، ويمكن اختصارها على نحو أقل كي تكون أكثر تميزاً، ما صحة هذا، وهل ترى أن الروائي كلما كان نصه معتدلاً كلما تميز؟
- ربما قرأت هذا في مقالة نقدية واحدة لكاتب روائي أحب أن يعبر عما اعتمل في نفسه تجاه رواية الطقاقة بخيتة، وغاب عنه أن الرواية احتملت بعداً فلسفياً مهماً، وقد فاته أيضا أن الرواية ليست سرداً لأحداث، بل هي ذات عمق فلسفي خاص، فالرواية التي لا تشتغل على هذا النحو لا تصل جيداً إلى التفاعل الذهني الحقيق مع القارئ، فعندما تتحدث مثلاً الطقاقة تنعيم عن واقعها المرير وماضيها التليد، ستجد اعترافاً لا يمكن أن تفهمه عبر ظواهر الأشياء، وعندما تكون المرأة مستغلة بحاجاتها المادية رغماً عنها، فستفكر أن تحصل على كل هذا وربما أكثر بطرقها الخاصة بعيداً عن المتآمرين والمتنمرين عليها، هذه ليست ثرثرة، بل هي الواقع الخفي الذي يحتاج إلى كاتب يعبر عنه بلسان أبطاله الذين عايشهم وسمع منهم.
المحرر الأدبي
• مهنة المحرر الأدبي الموجود عالمياً، المعدومة نوعاً ما عربياً، كيف ترى أهميته في صنع عمل شبه متكامل محتوياً على ضوابط الكتابة الروائية؟
- هذه مشكلة يعاني منها كثير من الكُتاب، ( المحرر الأدبي ) ولكن كيف توجد محرراً قادراً على مجاراة الروائي لصناعة عمل أدبي جيد، الدول التي سبقتنا استدلت على هذا الطريق وأصبحت تصنع المحرر الأدبي كمحترف يستطيع خلق أدوات الرواية ويقدمها للروائي قبل البدء في كتابة مشروعه الروائي انطلاقاً من الفكرة ذاتها، ربما أسهمت السينما في إيجاد هذه الطبقة من المحررين الذين يدركون جيدا اتجاهات المشاهدين، لذلك برزت أعمال روائية اتجهت فوراً لورشة الكتابة السينمائية، ومنها اتسعت دائرة قراء الرواية السينمائية ليتسابق الكتاب إلى أهم محرري الأعمال الروائية؛ ليصلوا من خلالهم إلى رقعة أوسع من القراء. ومع الأسف استشعار أهمية المحرر الأدبي غير موجودة، لأن المحرر الأدبي المتمكن من أدواته أساساً غير موجود.