الثقافية - متابعة:
أكد جمع من المثقفين والأدباء من مختلف البلاد العربية أن تكريم الرمز الثقافي الكبير الأستاذ الدكتور: عبدالله الغذامي، في مهرجان القرين الثقافي في دورته الثلاثين بدولة الكويت، يأتي تثمينًا لجهوده في ميادين الثقافة والأدب والنقد، ومسيرته الثقافية الحافلة بالعديد من الإنجازات الفكرية؛ فيما ثمنوا مبادرة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت في اختيار شخصية د.الغذامي، لتكون شخصية المهرجان وتكريمه، وفي البداية تحدث للجزيرة الثقافية
أكد الدكتور محمد بن سليمان القسومي (أستاذ الأدب والنقد)أن تكريم الأستاذ الدكتور عبدالله بن محمد الغذامي في مهرجان القرين الثقافي في دورته الثلاثين في دولة الكويت تكريم للثقافة في بلادنا؛ فهو تقدير لشخصية نقدية، أثرت المشهد الأدبي والنقدي والثقافي العربي على مدى عقود، وأشار الدكتور القسومي إلى المفارقة المبهجة لهذا التكريم؛ كونه يتزامن مع مرور قرابة أربعة عقود،منذ بداية علاقة الدكتور الغذامي بالمجلس الوطني للثقافة والفنون في دولة الكويت.
وقد أشار الدكتور القسومي إلى أن الدكتور الغذامي ناقد رؤيوي، تتجذر في داخله فكرة المشروع التنويري، يمضي في خُطًا واثقة -غير ملتفت إلى مخالفي نهجه- متكئًا على فكره المتجدد، الصادر عن وعي بما يجد من نظريات في الأدب والنقد والثقافة، وكان همه – قبل صدور كتابه الخطيئة والتكفير وبعده- بث الوعي النقدي في مجتمعه، من خلال المحاضرات والندوات التي كان دائمًا فارسها، فضلًا عن الكتب الثرية التي كانت زادًا لنا في ذلك الوقت الذي لم نكن ندرك مفهوم بعض المصطلحات كالألسنية، والتفكيكية، والبنيوية، والسيمولوجية...إلخ، ولم نسمع اسم فارس النص (رولان بارت)، و(ليفي شتراوس)، و(ياكوبسون) وغيرهم من أعلام النقد الذين قرأناهم من خلال الغذامي.
وأشار د. القسومي إلى علاقته بكتب الدكتور الغذامي، ذاكرًا أنه ما دامت المساحة المتاحة محدودة، فإنه سيكتفي بالإشارة إلى كتابين مهمين من كتبه الثرية بأفكاره المختلفة، الملامسة لقضايا المشهد النقدي والثقافي، أولهما (الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية ... مقدمة نظرية ودراسة تطبيقية)، الصادر في 1985م، ذاكرًا أنه أول كتاب يقتنيه للدكتور الغذامي، مؤكدًا أن هذا الكتاب قد أثار حركة في المشهد الأدبي آنذاك، وأنه بعد فوزه بجائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج؛ أغراه بقراءته من الغلاف إلى الغلاف أكثر من مرة.
والكتاب الآخر الذي أشار إليه الدكتور القسومي هو (النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية)، الذي سعى فيه الدكتور الغذامي إلى تأسيس نظرية نقدية جديدة، تقدم قراءة غير تقليديةللخطاب الشعري العربي في مختلف مراحله؛ من أجل إلقاء الضوء على مضمراته، وما يختزله من أنساق ثقافية.
ومن الطريف الذي أشار إليه د. القسومي قوله: إني حضرت في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية – وكنت حينها في مرحلة الطلب- محاضرة، ألقاها الدكتور الغذامي عن كتابه الجديد (النقد الثقافي)، وكان بجانب القاعة مجموعة كبيرة من نسخ الكتاب، توزع مجاناً، وكان حرصي على مقعد متقدم قد أعجلني، مؤجلًا أخذ نسختي المجانية حتى تنتهي المحاضرة؛ ظنًّا مني أن ذلك العدد الكبير لن ينفد؛ فكانت درسًا جيدًا، تعلمته؛ سببه كتاب الغذامي.
وفي نهاية تصريحه للجزيرة الثقافية، هنأ الأستاذ الدكتورعبدالله الغذامي؛ بمناسبة هذا التكريم المستحق، داعيًا له بمزيد من العطاء، متمنيًا له دوام التوفيق والسداد.
كما تحدث للجزيرة الثقافية رئيس جمعية الأدب الأستاذ الدكتور: صالح زياد، الذي قال: «كان تكريم الدكتور عبد الله الغذامي في مهرجان القرين بدولة الكويت الشقيقة، مناسبة عربية، ثقافية وفكرية، مبهجة. وكانت فعاليات المهرجان بما فيها الحوار معه وجلسات الندوة الرئيسية التي شارك فيها متحدثاً ومناقشاً تستحضر الأسئلة التي صاغها واشتغل على إشكالياتها الأدبية والثقافية والفكرية في مؤلفاته على مدى عقود. ولذلك قلت في التعليق على المناسبة إن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، يكرِّم بتكريمه للدكتور الغذامي، الفكر الحر والخلاق، والجهد المنتج، ويرسِّخ معاني التقدير والإجلال لمن أضاء مجاهل فكرية ونظرية، وحفز الوعي على الاستبصار والتجاوز، وكان لديه من الشجاعة ما أهله لمبادرات نقدية متجاوزة للسائد الفكري.
لقد جَمَعت مؤلفات الغذامي بين تعاطٍ للنظرية النقدية الأدبية الحديثة في تجلياتها اللسانية البنيوية وما بعد البنيوية، وتحمُّلٍ لعبء الترسيخ للحداثة والانتصار لها، وبين رغبة ملحَّة لديه في تسويغها وتبريرها في المجتمع السعودي والعربي. ولذلك لم تحضر، في كتب الغذامي جميعاً، الحداثة وحسب، بل حضر معها التراث أيضاً، ولكن التراث يحضر في مقام التثمين له والفخر به وفي مقام النقد له والإزراء عليه. وهي الصورة نفسها التي تحضر بها الحداثة؛ أي أنها صورة يتعدَّد فيها التراث كما تتعدد الحداثة.
ولذلك كان هذا الحضور إشكالياً بأكثر من معنى، فلم يعد التراث، كما لم تعد الحداثة، دلالة آحادية صلدة وجامدة، بل دلالة متعددة ومتناقضة، حتى في الموقف الواحد؛ فغدا التراث مسوِّغاً للحداثة بمعنى ما وعائقاً لها بمعنى آخر، وغدت الحداثة دلالةً تقدمية وإنسانية من جهة، ودلالة رجعية ونسقية وغير أخلاقية أو غير إنسانية من جهة أخرى.
وإلى ذلك فقد بدا في كتب الغذامي حضور الذات القارئة في اختيارها وتأويلها من موقع حديث. وهي ذات لم تعلن القطيعة مع التراث ولم تعلن القطيعة مع الحداثة، وهذه صفة تجعلها ذاتاً مركبة من الاتصال والانفصال بين الحداثة والتراث في وقتٍ معا، صفة تلوِّن إشكالية الأصالة والحداثة عربياً بلون خاص، وتعمِّقها من وجهة مختلفة عن تلك التي تبدو بسبب الاتصال بالتراث في القراءة التقليدية والإحيائية، وبسبب الانفصال عنه وإعلان القطيعة معه كما في بعض وجهات القراءة الحداثية.
ويتضح الأمر بصورة أجلى، إذا تنبهنا إلى أن الموقفين الأخيرين يدللان على الإشكالية بقفزهما في الهواء، حين يزيحان من موقع الانفصال بين التراث والحداثة، أو الاتصال بينهما -كل بطريقته- مسألة التعارض والتضارب بينهما، والنتيجة أن يبدو تجاوز إشكالية الموقفين بالجمع بينهما، إشكاليةً أخرى، تتيح مساحة أوسع لتجلية الإشكالية، وليس حلاً لها.
وهكذا فإنني أعتقد أننا مازلنا بحاجة إلى مزيد من الدرس والنقاش لجوانب عديدة في الفكر الذي تثيره مؤلفات الغذامي، والأسئلة التي تولِّدها، على الرغم من ظهور دراسات عديدة حولها».
د.الغذامي خبرة ثقافية عميقة وعريقة
وقد تحدث للجزيرة الثقافية الناقد البحريني عبدالحميد القايد الذي قال: «قبل لقائي بعبدالله الغذامي، كنت أعتقد أنه رجل جاد ومتجهم، لا يميل إلى الضحك. كنت قد قرأت له كثيرًا وأُعجبت بكتاباته، لكن لم تتح لي الفرصة للقائه شخصيًا. غير أنني كنت محظوظًا حين شاركت في مهرجان القرين الذي نُظم في دولة الكويت، حيث أتيحت لي الفرصة لحضور ندوة ألقاها الدكتور الغذامي، والتي كانت ممتعة للغاية.
بعد الندوة، التقيت به شخصيًا، فاكتشفت أنني أحببت هذا الرجل كثيرًا. ورغم خبراته الثقافية والنقدية العميقة، وجدته إنسانًا بسيطًا وشخصية محبوبة للغاية، لدرجة أنني لم أشعر برغبة في مفارقته. استفدت كثيرًا من تجربته، رغم وجود بعض الاختلافات الطفيفة بيننا. أكثر ما أعجبني فيه هو فكره الحداثي، وانفتاحه على جميع الآراء، حتى وإن كانت مخالفة لرأيه. لقد كان يشجع على الحوار ويجعل التعبير عن الرأي أمرًا سلسًا، كما أن حسه الإنساني وابتسامته الدائمة أضافا بعدًا خاصًا لشخصيته.
كانت ورقتي المشاركة في مهرجان القرين تحت عنوان: «من يلهث وراء الآخر؟ الناقد أم المبدع؟».
كما تحدثت للجزيرة الثقافية الدكتورة: زينب الخضيري، بهذه المناسبة فقالت: «اليوم، وبعد عقود من العطاء، يقف الدكتور عبدالله الغذامي ليس فقط كناقد، بل كحالة فكرية مستقلة، كرمزٍ لمن يجرؤون على كسر القوالب. لم يعد مجرد أستاذ جامعي أو باحث أكاديمي، بل أصبح أشبه بمُحرِّض فكري، يدعو القارئ لأن يعيد النظر في كل ما ظنه بديهيًا.ربما هذا هو الإرث الحقيقي الذي يتركه الغذامي: ليس مجموعة كتب، بل طريقة تفكير، جرأة على التساؤل، وشجاعة على إعادة النظر في المسلمات. ففي عالم يضج باليقينيات، تظل أعظم هدية يمكن أن يقدمها ناقد بحجمه، هي فن الشك، ودهشة السؤال، وشهوة البحث عن إجابات لم تُكتب بعد. سعيدة وفخورة بهذا التكريم للدكتور عبدالله الغذامي المستحق».