الثقافية - علي القحطاني:
في ظل التحول الرقمي المتسارع، تُعد الدكتورة خلود المانع من الشخصيات القيادية العالمية في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، حيث تجمع بين الخبرة الأكاديمية وريادة الأعمال والابتكار التكنولوجي بفضل خبرتها العميقة في التحول الرقمي وتطوير منظومة ريادة الأعمال، تقود المانع مبادرات استراتيجية تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في التكنولوجيا، متماشيةً مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.
في لقاء خاص مع «الثقافية»، تحدثت الدكتورة خلود المانع عن مسيرتها، موضحةً أن شغفها بالتكنولوجيا بدأ منذ الطفولة، حين كانت مفتونةً بآليات عمل الأجهزة الإلكترونية وإمكانات البرمجيات المتطورة. قادها هذا الشغف إلى التخصص في علوم الحاسب وتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما مهد الطريق لدخولها عالم الأعمال، مدفوعةً برغبتها في تطوير حلول تقنية تُسهم في دفع عجلة التحول الرقمي في المملكة.
وتطرقت المانع إلى استثماراتها في تطوير الخدمات الذكية وبناء بنية تحتية متقدمة للذكاء الاصطناعي تحت شعار «صنع في السعودية»، مؤكدةً امتلاكها براءات اختراع لمنتجات ذكاء اصطناعي مبتكرة، تعكس التزامها بتقديم حلول تقنية متطورة تعزز مكانة المملكة كمركز عالمي للابتكار.
كما تحدثت د.خلود المانع لـ»الثقافية» عن التحديات التي واجهتها كامرأة سعودية في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مؤكدةً أهمية تمكين المرأة وتعزيز دورها في قطاع الابتكار والتقنيات الحديثة. وأشارت إلى إمكانات الذكاء الاصطناعي في دعم الثقافة والفنون والصحافة، موضحةً كيف يمكن للصحفيين والكتّاب والفنانين الاستفادة من هذه التقنيات لرفع دقة وجودة المحتوى، وتعزيز الإبداع في الأعمال الأدبية والسينمائية.
الاهتمام المبكر
ما الذي دفعكِ للاهتمام بمجال التكنولوجيا؟ وكيف بدأت رحلتك في هذا المجال؟
بدأ شغفي بالتكنولوجيا منذ الطفولة، إذ كنت مفتونة بآليات عمل الأجهزة الإلكترونية والإمكانيات الكبيرة للبرمجيات في خلق حلول مبتكرة ذات تأثير إيجابي. هذا الفضول قادني إلى التخصص في علوم الحاسب وتقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث وجدت في التكنولوجيا أداةً قوية لخلق تأثير حقيقي ومستدام. خلال مسيرتي الأكاديمية، لم يكن هدفي فقط فهم الأنظمة الرقمية، بل السعي إلى تطوير حلول تقنية قادرة على تحسين الكفاءة وتعزيز التحول الرقمي في مختلف القطاعات. واستمرت هذه الرحلة حتى حصولي على درجة الدكتوراه، حيث سنحت لي الفرصة لتعميق معرفتي والمشاركة في أبحاث متقدمة، مما غذى شغفي المستمر بالتكنولوجيا والابتكار.
بالنسبة لي، التكنولوجيا ليست مجرد صناعة، بل ثورة معرفية تعيد تشكيل الاقتصاد والمجتمع ورسالة ورؤية مستقبلية، وهدفي هو تمكين الجيل القادم من القادة الرقميين، وإحداث تغيير حقيقي في مسار التحول الرقمي على المستويين المحلي والعالمي. رؤية السعودية 2030 عززت هذا الاتجاه، حيث أصبحت الرقمنة والذكاء الاصطناعي ركيزتين أساسيتين في التنمية الاقتصادية. ومن هنا، وجدت نفسي في مهمة قيادة الابتكار من خلال تأسيس HKB Tech، حيث نعمل على تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي تحمل بصمة سعودية وتحقق تأثيرًا عالميًا.
الذكاء الاصطناعي ورؤية2030
كقائدة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، وسفيرة لتمكين المرأة في الأمم المتحدة، كيف تسهمين في دعم مبادرات الذكاء الاصطناعي المتوافقة مع رؤية السعودية 2030؟
دخولي في عالم الأعمال جاء نتيجة تداخل عدة عوامل، بداية من شغفي بالابتكار ومحاولة إيجاد حلول جديدة مرورًا بروح التحدي وإيجاد معنى أعمق للعمل والمساهمة في تنمية المجتمع ودفع عجلة الابتكار والذكاء الاصطناعي في المملكة.
حيث تأسست HKB Tech انطلاقًا من إيماني العميق بالقوة التحويلية للتكنولوجيا في مواجهة التحديات العالمية في جميع القطاعات. وخلال مسيرتي المهنية، لاحظت وجود فجوة في تطبيق التقنيات المتقدمة في مجالات مثل الرعاية الصحية والاستدامة والتحول الرقمي.
استثماراتنا في مشاريع الذكاء الاصطناعي تنقسم إلى نوعين أو حزمتين من الاستثمارات: المجموعة الأولى: تشمل الاستثمارات في المشاريع الخدمية باستخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لرفع كفاءة وجودة الخدمات المقدمة حالياً من قبل قطاعات الصحة، التعليم، التصنيع، النقل والمصرفية وتنفيذ مشاريع الذكاء الاصطناعي والمدن الذكية باستخدام أحدث التقنيات المتقدمة.
أما المجموعة الثانية: هي الاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، ومشاريع بناء وتطوير منتجات الذكاء الاصطناعي عالية التأثير والأولى من نوعها تحت شعار «صنع في السعودية» بحقوق ملكية فكرية لشركة HKB Tech وبراءات اختراع لي.
في هذا الصدد وتحت مظلة HKB أنشأنا مركز التميز للذكاء الاصطناعي السعودي الذي نعتبره إنجازا كبيرا نفخر به ضمن التزامنا بدفع عجلة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي.
-وفي هذا الصدد قمنا بتوقيع شراكات استراتيجية مع عدد من شركات التكنولوجيا العملاقة بما في ذلك قوقل وأمازون وإنفيديا. هذه الشراكات الاستراتيجية ذات قيمة عالية لأنها تمكننا من الوصول إلى البنية التحتية المتقدمة وخبرات هذه الشركات العالمية. ونحن نعمل معًا كفريق متكامل، نستهدف من خلاله مشاريع الذكاء الاصطناعي المبتكرة والعالية التأثير التي لها القدرة على تحويل الصناعات.
- نحن أيضًا فخورون جدًا في HKB Tech بكوننا أحد شركات الذكاء الاصطناعي القلائل في المنطقة العربية التي تم استقطابها مؤخراً ضمن برنامج شركة إنفيديا الخاص باستقطاب شركات الذكاء الاصطناعي التي قامت بتطوير منتجات ذكاء اصطناعي مبتكرة وعالية التأثير.
ومن المعروف أن شركة إنفيديا الأمريكية في الطليعة في مجال الذكاء الاصطناعي وتصنيع شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وكوننا جزءًا من هذه الشبكة العالمية يعطينا قيمة مضافة وتميزا نفخر به.
المملكة والتقدم التكنولوجي
مع خبرتك الواسعة في تعزيز الابتكار، ما التقنيات التي طورتموها في مجال الذكاء الاصطناعي لدعم مكانة المملكة كمركز رائد في التقدم التكنولوجي؟
قمنا في HKB Tech ببناء وتطوير المنصة الرياضية الذكية، المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتقدمة، حيث تم بناء وتدريب ثلاثة نماذج متطورة من الذكاء الاصطناعي تُعنى بتحليل الأداء الشامل للاعبين في الزمن الفعلي، وهذه النماذج هي:
1. الرؤية التكتيكية المباشرة (Live Tactical Insights - LTI): يوفر هذا النموذج إشارات تكتيكية فورية خلال المباريات، مماثلة لتعليمات المدرب، لتحسين الأداء أو التفوق على الخصوم بتعديل استراتيجيات اللعب أو إعادة تشكيل تكتيكات المواجهة.
2. التنبؤ بأداء الفريق (Team Performance Prediction - TPP): يقوم هذا النموذج بتحليل البيانات التاريخية والإحصائيات الحالية للتنبؤ بأداء الفريق المستقبلي، مُقيمًا ديناميكيات الفريق وكفاءته في المناطق الهجومية والدفاعية.
3. متتبع احتمالية الفوز (Win Probability Tracker - WPT): يوفر هذا النموذج رؤى لحظية عن احتمالية فوز الفريق، مستندًا إلى الإحصائيات المتجددة خلال تقدم المباراة.
تستهدف هذه المنصة الرياضية الذكية ست فئات رئيسية: المدربين وفرق التحليل الفني، اللاعبين، الإدارات الرياضية والأندية، محللي البيانات الرياضية، وسائل الإعلام والمعلقين الرياضيين، والجماهير الرياضية والمشجعين.
التقدم العلمي
في ظل التقدم التكنولوجي العالمي وتطلعات المملكة العربية السعودية نحو تحقيق رؤية 2030، كيف تسهم براءات الاختراع التي قمتِ بتسجيلها والابتكارات الخاصة بـHKB Tech في دعم هذه الرؤية، خاصة في مجالات الرعاية الصحية و الرياضة وتقليل البصمة الكربونية والاستدامة تعزيز الاقتصاد الدائري؟
أمتلك براءات اختراع لمنتجات ذكاء اصطناعي رائدة تلعب دوراً محورياً في تطوير وتنفيذ حلول تقنية مبتكرة. أبرز هذه الابتكارات هو نظامنا القابل للارتداء، وهو جهاز تفاعلي ذكي مصمم لقياس الألم، يدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي مع إنترنت الأشياء. يشتمل النظام على 15 مستشعرًا متطورًا يوفر بيانات بيوميكانيكية، كيميائية، وفسيولوجية بدقة عالية وديناميكية، بما في ذلك:
• مستشعرات نانو بصرية للكشف عن البروتينات الحيوية.
• مستشعرات للجزيئات البيولوجية.
• مستشعرات الطيف الكهرومغناطيسي ومستشعرات مقاومة الأنسجة لتحديد الالتهابات والتغيرات الدقيقة في الأنسجة.
• مستشعرات التوتر السطحي والاستجابة العصبية.
• مستشعرات بيوميكانيكية لقياس قوة العضلات ومستويات الضغط العضلي.
تقوم هذه المستشعرات بتحديد حالات الألم عبر تحليل التغيرات الفسيولوجية والبيوميكانيكية، حيث يتم تحويل البيانات الملتقطة إلى مؤشرات للألم. وقد طورنا خوارزميات ذكاء اصطناعي متقدمة تعمل على تحليل هذه البيانات لتوفير تنبؤات دقيقة وفورية تساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة لتحسين الأداء وتقليل الإصابات. هذا المنتج يعد بفتح آفاق جديدة في عدة قطاعات، مثل الرياضة، الرعاية الصحية، القطاعات العسكرية والشبه عسكرية، بالإضافة إلى قطاعات التنقيب عن البترول والمعادن. ونحن الآن في مرحلة الإنتاج التجاري، مما يشير إلى بدء تحقيق الفوائد العملية لهذه التكنولوجيا.
وفي إطار جهودنا المستمرة لتعزيز الاستدامة البيئية، تعاونت شركة HKB Tech مع شركة إنفيديا لتطوير وتنفيذ نظام CCUS المبتكر، الذي يهدف إلى التقاط ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتحويله إلى منتجات ذات قيمة تضيف إلى قطاعات متعددة مثل البناء، الأسمدة، والأنسجة.
هذا النظام يسهم في تقليل البصمة الكربونية ويعزز من مفهوم الاقتصاد الدائري من خلال الاستفادة المُثلى من الموارد الطبيعية.
من أبرز المنتجات التي تم تطويرها في هذا الإطار:
1. الخرسانة المعززة بالكربون: تعزيز خصائص الخرسانة من خلال حقن ثاني أكسيد الكربون أثناء الصناعة، مما يحسن من قوتها ويقلل من الحاجة للأسمنت، الذي يعد من كبرى مصادر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
2. البلوك الكربوني: يتميز بخصائص عزل حراري وصوتي محسنة، ويعد بديلاً صديقًا للبيئة للمواد البنائية التقليدية.
3. الأسمدة الزراعية الصديقة للبيئة: استخدام CO2 في إنتاج أسمدة تعزز من خصوبة التربة وتقلل من الحاجة للمواد الكيميائية الضارة.
4. الألياف والأقمشة المستدامة: تطوير أقمشة من ثاني أكسيد الكربون يعزز من استدامة قطاع النسيج بتقليل الاعتماد على المواد البترولية.
5. الزجاج المستدام: يجمع بين الجودة والخفة والعزل، ويعتبر خطوة مهمة نحو تقليل الانبعاثات في صناعة الزجاج.
تأتي هذه الجهود في إطار التزام المملكة العربية السعودية بمبادرات الاستدامة والتنمية الخضراء وتتماشى مع مبادرات الأمم المتحدة لعام 2030، وتهدف إلى تحقيق توازن مستدام يدعم النمو الاقتصادي وحماية البيئة في آن واحد.
المرأة السعودية والذكاء الاصطناعي
ما التحديات التي واجهتكِ كامرأة سعودية في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي؟
كامرأة سعودية في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي واجهتُ تحديات متعددة، بما في ذلك تغيير الصور النمطية حول دور المرأة في العلوم والتكنولوجيا. أحد أبرز التحديات كان تحقيق التوازن بين التوقعات المجتمعية وطموحاتي المهنية في قطاع يُعتبر تقليديًا مُسيطرا عليه بشكل كبير من قبل الرجال. ولحسن الحظ، دعم والداي منذ طفولتي وتشجيعهما المستمر على التعليم والابتكار كان لهما تأثير كبير على مسيرتي، وقد زُرعت بذور شغفي بالتكنولوجيا بفضلهما. بالإضافة إلى ذلك، زوجي الذي كان داعمًا لي في كل خطوة؛ وبفضل السياسات التشجيعية لحكومة المملكة العربية السعودية التي تعزز تمكين المرأة، تمكنت من تجاوز هذه التحديات. الدعم الذي تلقيته ساعدني على تحقيق التوازن بين الطموحات المهنية والمسؤوليات الشخصية، وأسهم بشكل كبير في تحقيق النجاحات التي أحرزتها. المملكة العربية السعودية قد قطعت شوطًا طويلًا في تمكين المرأة في العلوم والتكنولوجيا، وأنا فخورة بأن أكون جزءًا من هذا التحول. لقد أظهرت تجربتي أن القدرات الفكرية والمهنية لا تعترف بالجنس، وأن الالتزام بالتعلم المستمر والابتكار هو ما يُحدث الفرق الحقيقي في النهاية. أنا ممتنة لكل الدعم الذي تلقيته، وأتطلع إلى مواصلة مسيرتي، مساهمة في تقدم بلدي ومجتمعي.
جودة المحتوى الإبداعي
كيف يمكن للصحفيين تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي لرفع دقة وجودة المحتوى؟ وكيف يستفيد الفنانون والكتّاب من هذه التقنيات في الإبداع الأدبي والفني، مثل كتابة الروايات أو إنتاج الأعمال المسرحية والسينمائية؟
الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقًا واسعة للصحفيين لتعزيز دقة واحترافية المحتوى من خلال توظيف التقنيات المتقدمة مثل تحليل البيانات الكبيرة والتعلم الآلي للتحقق من صحة المعلومات واستخراج الأنماط والاتجاهات، مما يمكن الصحفيين من تقديم تقارير أكثر عمقاً وموضوعية.
علاوة على ذلك، يساعد الذكاء الاصطناعي في تخصيص المحتوى للجماهير بناءً على تفضيلاتهم، ما يعزز التفاعل على المنصات الإعلامية.
في سياق الإبداع الأدبي والفني، يقدم الذكاء الاصطناعي أدوات مساعدة للفنانين والكتّاب حيث يمكن استخدامه لتوليد أفكار للقصص، صياغة السيناريوهات، ودعم تأليف الأعمال الأدبية والنصوص المسرحية. هذه التقنيات قادرة على إنتاج محتوى إبداعي يحاكي الأسلوب البشري. ومع ذلك، الذكاء الاصطناعي يظل في نهاية المطاف أداة تساعد في توسيع الأفق الإبداعي للفنانين دون أن يحل محل اللمسات الإنسانية الفريدة التي تضفي الروح والعمق على الأعمال الفنية. وبينما يعزز الذكاء الاصطناعي القدرات الإبداعية ويوفر أدوات جديدة للفنانين والكتّاب، فإن العناصر البشرية الأصيلة والحس الفني العميق لا تزال هي العوامل الحاسمة التي تحدد قيمة وتأثير الأعمال الفنية، مما يحافظ على أصالة وتفرد كل إبداع.
** **
- @ali_s_alq