كتاب ثقافة الوهم يمثل الجزء الثاني من مشروع المرأة واللغة الذي بدأه الدكتور في جزئه الأول بكتاب يحمل ذات العنوان , أما هذا الكتاب فهو عبارة عن نقد لاذع و شرشحة من نوع فاخر لتلك الثقافة الذكورية التي أصّلت صورة ذهنية عن المرأة غاية في الإجحاف، حيث أطّرتها داخل برواز متسلط ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب !
بداية الكتاب تشريح موضوعي لكتاب صنفه الناشرون في الوقت الحالي إنه إرث تاريخي وثقافي ولكنه حسب ما ذكره الكاتب مكتظ بالمغالطات عن الطبيعة الجنسية للمرأة الخاضعة لميثاق التسلط الذكوري بالتوصيف عن جغرافية الوجود الأنثوي وطبيعته والذي تحول عبر التاريخ إلى معتقد وصورة نمطية ثابتة سماه بالجبروت الرمزي و الذي صنع من خلاله ثقافة وهم صنعت أنساقاً خاصة لدى مستهلكي هذه الثقافة.
المربك حقاً في الموضوع أن ثمة نسقاً عالمياً وموروثاً تاريخياً في مختلف الثقافات يستقي نفس الفكر وذات التصور .فعلى الصعيد العربي نذكر مثلًا ما قاله ابن حزم في كتابه طوق الحمام عن النساء «أنهن متفرغات البال من كل شيء الا الجماع ودواعيه والغزل وأسبابه!!»
وكذلك صورة الجسد المؤنث بوصفه ناعس الطرف أي لينًا لدناً يحمد فيه ضعفه ووهنه حيث قال ابو نواس
«ضعيفة كر الطيف تحسب أنها قريبة عهد في الإفاقة من سقم»، ويذكر أيضًا ما قاله ابن عبد ربه في عقده عن طبائع النساء: «آخر عمر الرجل خير من أوله ، يقول حلمه وتثقل حصاته وتحمد سريرته وتكمل تجاربه ,وآخر عمر المرأة شر من أوله ، يذهب جمالها ويذرب لسانها وتعقم رحمها»
وفي حكايا الهنود الحمر يُرمز إلى أن عقل المرأة في قدمها لا في رأسها !! , أما في الثقافة الصينية فعلى الأهالي ثني أقدام البنات في الصغر حتى تكبر وتظل تمشي مشية القطاة الغدير مشية الدلال والغنج كما هو المطلوب منها في بلوغها !!
ولم تُستثن الثقافة اليابانية كذلك، فبحسب إحدى الدراسات التي أفادت أن الرجل لا يتحدث مع زوجته في الأسبوع سوى ثلاثين دقيقة وهذا يشير إلى لغة خرساء لا ترى للغة مكانًا مع المرأة!!
كذلك الحال في الثقافة الاوروبية حيث كان ينص قانون في فرنسا قانون على أن الأولاد والمجانين و القُصّر والنساء لسن مواطنين، وفي مركز بومبيدو في باريس تظهر منحوتات للمرأة في أعضاء جنسية مضخمة ورأس بحجم الزيتون !!
حتى في ثقافة الدنمركيين هناك المثل القائل «للنساء فساتين طويلة وأفكار قصيرة»، ويتحدث رسول حمزاتوف في روايته على لسان إحدى الشخصيات «يقال إن عقل المرأة في طرف ثوبها مادامت جالسة هو معها, فإذا نهضت تدحرج وسقط عل الأرض».
بالرغم من حجم الكتاب المتوسط وعدد صفحاته التي لا تتجاوز 170 صفحة ، إلا أنه زاخر في محتواه وبارع في طرحه ، يفتح لك آفاقاً واسعة تلاحقك كلما سمعت تعليقًا من أحدهم أو شاهدت فيلمًا أو قرأت غزلًا أو حتى شاهدت إعلاناً يستخدم وجه حسناء لتسويق منتج أو خدمة ما، كتاب لا يُقرأ لمرة واحدة ولا يُكتفى منه لمجرد انتهاء صفحاته، فيه تكثيف مبهر لحقائق ومعلومات من مختلف المراجع والكتب .
اقتباس :
«ضحكة الرجل تمثل إشارة متعددة الدلالات أما ضحكة الأنثى فليس لها سوى معنى واحد قررته الثقافة وحسمت الامر فيه».
«هناك ثقافتان، هناك لغتان، هناك جسدان، المذكر له من اللغة ومن الثقافة ومن الجسد غير ما للمؤنث، له الاسمى والافضل والارقى ولها ما دون ذلك».
«الانثى محصورة في صفات التأنيث فحسب» الجمال والرحم الولود «فاذا اختفى اختفت معها وظيفة الجسد المؤنث ولم يعد صالحًا لشيء».
«الثقافة تؤكد أن ليس كل النساء إناثًا، وليس التأنيث في نظر الثقافة الفحولية إلا مجموعة من القيم الجسدية المصطفاة بحيث يصبح التأنيث مفهوما ثقافيًا وليس صفة طبيعية».
** **
- صباح عبدالله