لا يقتصر عشق الكتب على قراءتها، بل تتنوع أشكاله وأصنافه؛ فهناك من يحب شكل الكتب وأغلفتها، وهناك من يحب لمس أوراقها، وهناك من يحب صوت تقليب صفحاتها، وهناك من يعشق شذاها.
فللكتب رائحة بالفعل، تتشكل من كلٍّ من رائحة الورق ورائحة الحبر والخيوط التي تستخدم في بعض أنواعها، ورائحة الغراء المستخدم للصق الأوراق، كل هذه الأمور مع الحرارة والرطوبة والضوء والوقت تنتج رائحة خاصة للكتب تجعل محبي الكتب والقراءة ينتشون لها ويبقون ممسكين بها مقرِّبين إياها من أنوفهم، ومحلقين بها في ذكريات قديمة، قد تكون سعيدة أو تعيسة، لكنهم يحبونها بل قد يدمنونها.
ولأن هناك نسبة ليست بالقليلة في العالم ممن يعشقون هذه الرائحة، فقد قامت بعض الشركات بإنتاج عطور برائحة شبيهة برائحة الكتب، معبأة داخل علب خاصة، وذلك لكي يستمتع بها محبو الكتب أينما كانوا. ومن أجل أن يعيش محبو الكتب في جوّها، فقد صُنعت علب بعض هذه العطور على شكل كتب، وأطلق على بعضها أسماء ذات علاقة بالمكتبات أو عالم الكتب. فهذه الروائح تذكّر بالكتب؛ حتى لا يطيل البعض الابتعاد عنها، كما أنها تجذب نحوها الناسين لها أو المتناسين، وتجعل النفوس تهفو نحوها ثانية.
وتتوفر خيارات عديدة لهذه العطور، فهناك عطر الورق الجديد الذي خرج لتوه من المطبعة، وهناك عطر الكتب القديمة، وهناك عطر برائحة المكتبات العامة التي تختلف عن رائحة الكتب.
وتختلف رائحة الكتب القديمة عن الجديدة؛ لكون مركَّبات الورق تتفكك بمرور الزمن، وكأن ما نشمه بالفعل هو موت بطيء للكتاب، كما سمّاه أحدهم، فهذه الرائحة هي رائحة المواد الكيميائية التي تنبعث من الكتب بمرور الوقت. كما أن الكتب تلتقط بمرور الوقت من رائحة البيئة المحيطة بها. أما رائحة الكتب الجديدة فهي غالبًا ما تكون رائحة لب الخشب مع بعض المواد الكيميائية الطيارة.
وتفيد هذه العطور محبي الكتب الذين قد تضطرهم ظروفهم إلى الابتعاد عن الكتب والمكتبات، كما حصل أيام جائحة كورونا، كما يمكن أن تفيد من تحول من قراءة الكتب الورقية إلى الإلكترونية (بسبب أسعارها) لكنه لا يزال متعلقًا بها وبرائحتها.
ويأتي جمال فكرة عطور الكتب من قدرتها على استدعاء الذكريات، أو ما يسمى نوستالجيا الكتب، رغم أنها لا يمكنها أن تحل محل الإحساس بقراءة كتاب حقيقي.
وتتواصل الأفكار التي تعزز الارتباط بعالم الكتب، حيث صُنعت شموع يفوح منها حين إشعالها شذى الكتب، معلنة عن وجودها لكي تصبح كالغائب الحاضر. كما صُنعت عطور يُعطَّر بها الجسم فتفوح منه رائحة وكأنها رائحة الكتب القديمة.
وتُصنع هذه العطور من مواد كيميائية رائحتها قريبة من رائحة الخشب تخلط بزهرة اللوز وخشب الصندل مع مواد أخرى بنسب متفاوتة لكي تكون كرائحة الكتب.
** **
- يوسف أحمد الحسن