كيف يمكن لنا وصف واقع اللغة العربية؟ هل ثمت منطلقات علمية تساندنا في القراءة الواعية لحالة اللغة العربية؟ كيف يمكن التفريق بين الرؤى الشخصية والانطباعات والقراءة العلمية الدقيقة؟ تساؤلات كثيرة تدور بين الخبراء والمختصين حين الحديث عن اللغة العربية وواقعها. إن اللغة مستودع حضاري يحمل خصائص الأمم، وتصوراتها، وأفكارها، وماضيها، ومستقبلها؛ لذا لاعجب أن أولت قيادة المملكة العربية السعودية اهتماما بالغا باللغة العربية. وقد سعى مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية -في إطار حرصه على تطوير المعرفة العلمية عن اللغة والقراءة الواعية للواقع اللغوي- إلى بناء مؤشر اللغة العربية؛ ليكون مسبارا يستكشف واقعها، ويصف حالها، سعيا لأن يكون - بما يوفره من فهم عميق لواقع اللغة العربية- أداة إرشادية تساعد أصحاب القرار على رسم السياسات اللغوية وبناء تخطيط لغوي منهجي، بما ينسجم مع إحدى أهم ركائز رؤية عشرين ثلاثين الطموحة وهي «العناية باللغة العربية».
وفي سياق العمل على هذه الفكرة الطموحة قام المجمع بالعديد من الخطوات والإجراءات منها: بناء تصور علمي لتحديد نطاق عمل المؤشر، وإعداد مخطط عام للمؤشر ومنهجيته، ورصد ودراسة وتحليل المؤشرات والتقارير ذات الصلة محليا وإقليميا ودوليا. إضافة إلى تنظيم حلقات نقاش عدة بمشاركة بيوت خبرة شملت عشرين (20) قطاعا حكوميا، ومجموعة كبيرة من الخبراء من داخل المملكة وخارجها.
ومن المصادر المنهجية التي اعتمدها المجمع في بناء النطاقات والمؤشرات وصناعة معادلة لقياس واقع اللغة العربية: ما يزيد على مائة وخمسين (150) مرجعا، تشمل التقارير والدراسات السابقة، وجهود المنظمات، والتجارب العالمية المرجعية. إضافة إلى حلقات النقاش التي أقيمت لمناقشة واستخراج النطاقات والمؤشرات، وللمراجعة المعمقة والتقييم. وقد فاق عددها خمسا وعشرين (25) حلقة. وشارك فيها نخبة من المتخصصين في اللسانيات وفي القياس وصناعة المؤشرات. كما أفاد المجمع من آراء الخبراء المحليين والعالميين ممن شاركوا في المناقشات وفي أعمال التحكيم، إضافة إلى القراءة الفاحصة الدقيقة لمؤشرات ثلاثة سابقة وهي: مؤشر قوة اللغة لـ « كاي شان «، مؤشر منظمة اليونسكو، بارومتر اللغات في العالم للأخوين كالفاي. إضافة إلى الرصد الدقيق لتجربتين دوليتين في إصدار التقارير الدورية عن واقع اللغات، وهما: تجربة المنظمة الفرنكوفونية، وتجربة معهد ثيربانتس الإسباني.
وتتويجا لهذه الجهود، أجرى مجمع الملك سلمان مراجعة معمقة للمؤشر بعد اكتمال التصور الأول بمشاركة خبراء في الإحصاء وفي اللسانيات وعلى امتداد تسعة اجتماعات لتجويده. وبعد الحذف، والإدماج، وإعادة الصياغة، والإضافة المستندة إلى آراء الخبراء والمحكمين؛ استقرت النطاقات والمؤشرات في نهاية المطاف على ثماني نطاقات وخمسين مؤشرا، وكانت النطاقات على النحو الآتي:
المؤشرات الحيوية، التعليم، الاتصال، اقتصاديات اللغة، السياسات اللغوية على مستوى الدول والمنظمات الدولية، الاتجاهات، الإنتاج المعرفي، التقنية..
ويسعى مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية إلى أن يكون مؤشر اللغة العربية وتقريره الدوري انعكاسا موضوعيا لحالة اللغة العربية، يعمل على فهم واقعها، ويسهم في التخطيط لمستقبلها، والتمكين لها في كافة الدول التي يتضمنها نطاق عمل المؤشر.
** **
أ.د. محمود بن عبد الله المحمود - رئيس قطاع التخطيط والسياسة اللغوية بمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية