يعد عالما الكتب والفن عالَمين متداخلين خدم ويخدم كل منهما الآخر، فلطالما دفعت الكتب الناس إلى التعرف على اللوحات العالمية ودقائقها، وتسليط الضوء على نواحي الجمال فيها، معرّفةً بها ومشجعةً على اقتنائها. وفي المقابل فإن هناك عددًا من اللوحات الفنية التي كانت توحي بأهمية الكتب والقراءة في حياتنا، وربما دفعت الناس للقراءة.
وتعد لوحة «دودة الكتب» (The Bookworm) للفنان الألماني كارل سبيتزويغ من أهم هذه اللوحات، إذ تعكس بصورة جميلة حالة التعلق بالكتب، حيث تعرض رجلًا عجوزًا واقفًا فوق آخر درجة من سلّمٍ داخل مكتبة كبيرة. ويظهر الرجل في اللوحة وبيده اليسرى كتاب يقرؤه ويحمل آخر باليمنى، وثالثًا بين فخذيه، وفي الوقت نفسه يتأبط رابعًا. ويوحي بقاء الرجل فوق السلم حاملًا الكتب الأربعة بأنه لم يكتف بها، وكان بوده أن يلتقط كتابًا خامسًا وربما سادسًا. كما تشير ثيابه الرثة ومنديل يتدلى من الجيب الأيسر لبنطاله إلى عدم اكتراثه بمظهره في مقابل عشقه للكتب والمكتبة.
ويضفي لون اللوحة الذهبي الهادئ الذي تميز به الفنان سبيتزويغ (1808-1885م) جمالًا إضافيًّا عليها، حيث رسمت بالألوان الزيتية. وقد رسمها الفنان (وهو أيضًا شاعر) عام 1850م بثلاث نسخ موجودة حاليًّا في ثلاثة مواقع تبشر بعالم الكتب لفنان عُرف باهتمامه بطرح المناظر الطبيعية وحياة الناس اليومية في لوحاته، وذلك بأسلوب ساخر لطيف يحمل الرسالة السامية التي يفترض أن تكون عليها اللوحات الفنية، تاركًا خلفه مهنة الصيدلة التي درسها؛ ساعده في ذلك ثراء والديه واكتفاؤه المادي.
وأخيرًا فقد جاء ظهور هذه اللوحة في وقت شهدت فيه أوروبا ازدهارًا اقتصاديًّا واستقرارًا سياسيًّا (1815-1848م) وهو ما ساهم في النهضة الفنية الأوروبية.
*المثقف هو من يقول شيئاً بسيطاً بطريقة صعبة، والفنان هو من يقول شيئاً صعباً بطريقة بسيطة. تشارلز بوكوفسكي
** **
- يوسف أحمد الحسن