ظهرت الواقعية الأدبية في أربعينيات القرن التاسع عشر في فرنسا، وأثرت في أوروبا كمحاولة لإعلاء شأن تصوير الحياة الواقعية، وهي حركة أدبية واعية عارضت الرومانسية التي كانت سائدة في بداية القرن التاسع عشر.
ففي أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر كانت الرومانسية سائدة ومهيمنة على الإبداع الأدبي، والتي كانت ثورة ضد المعايير الاجتماعية والسياسية الأرستقراطية التي تنتمي إلى عصر التنوير السابق، لكن في منتصف القرن التاسع عشر جاءت الواقعية كردة فعل على الرومانسية التي أفرطت في الخيال والأحلام والانطواء على الذات.
والواقعية الأدبية هي باختصار «تمثيل الواقع في الأدب»، أي تمثيل الموضوع بصدق دون اصطناع، مع تجنب العناصر صعبة التصديق وتجنب الإغراب وما وراء الطبيعة. فهي حركة تُصوِّر الواقع والحياة بدقة دون تحسين أو تجميل، وتجنح بعيدًا عن المثاليات والخيال وكل ما هو بعيد عن الواقع.
والرواية الواقعية هي سردية لقصص واقعية وأحداث حقيقية من خلال تأليفها وإخراجها في دراما الرواية، وهي رواية هدفها إصلاح الواقع الذي يظهر ويُقدَّم في مضمون سردية الرواية، وإصلاح بعض سلوكيات المجتمع ودعم الصفات والقيم الإيجابية في المجتمع من خلال إنتاج أمثلة إنسانية تتعرض لأزمات وصراعات مختلفة وتُعرض بشكل درامي يدعو لرفع الوعي ودعم القيم الإنسانية والأخلاقية والسلوكيات الحسنة والإعلاء منها، ونبذ السيئ من هذه السلوكيات في المجتمع الخاص.
واهتمت الرواية الواقعية العربية بتصوير الحياة الحقيقية في المدن والحواضر والأرياف والقرى العربية وتصوير طبيعة البشر وصراع قوى الخير والشر داخل تلك المجتمعات، وهذا التصوير الصادق لحقيقة تلك المجتمعات وما يعترض لحياة الإنسان العربي في مدينته أو حيه أو حارته أو قريته من صراعات وأزمات حقيقية ومقاربة ذلك أو مطابقته للواقع هو الذي أعطى للرواية الواقعية العربية انتشارها وشهرتها وتفوقها على بعض الاتجاهات الروائية الأخرى.
وكان الاتجاه الواقعي من أبرز الأسباب في انتشار روايات نجيب محفوظ وحصوله لاحقًا على جائزة نوبل للآداب في أكتوبر 1988م؛ حيث امتاز نجيب محفوظ بالرواية الواقعية والنحو منحى الاتجاه الواقعي في أعماله الأدبية، وكانت هذه النوعية من الأعمال الأدبية والروايات الواقعية أبرز ما تم الإشارة له عند نجاحه في الحصول على هذه الجائزة العالمية كما تذكر المصادر المهتمة بتلك الجائزة. وامتاز قبله طه حسين في إبداعه ورواياته الواقعية وبرز توفيق الحكيم في رواياته وكتاباته ومسرحياته الواقعية، وكذلك ظهر جليًا الاتجاه الواقعي عند يوسف إدريس في قصصه ورواياته ومسرحياته المختلفة، وبرزوا ثلاثتهم كمرشحين لجائزة نوبل أكثر من مرة، وغيرهم كثير.
وتُقدِّم الرواية الواقعية أشكالًا مختلفة من محاولات رفع الوعي الاجتماعي والإنساني والقيمي والأخلاقي والثقافي للمجتمعات العربية، ودعم القيم والأخلاق داخل تلك المجتمعات الخاصة ونبذ بعض السلوكيات السيئة من خلال ما تتناوله بالتصوير والعرض والسرد الدرامي الواقعي للمجتمع الخاص في تلك الروايات.
ويحكم جودة الرواية الواقعية مخيلة الروائي في سردية الرواية الواقعية، وكذلك لغته ولغة المجتمع الذي يتناوله في روايته، وقدرة الروائي على التنويع، واستعمال السياقات اللغوية الخاصة في التكوين المجتمعي الذي يتناوله في سرديته. كما أن الرواية الواقعية تمثّل إنتاجًا جماليًا أكثر انفتاحًا على التطوير والتجديد من داخل فضائها السردي، وهذا سر استمراريتها وحيويتها.
** **
د.ساير الشمري - دكتوراه في الأدب والنقد