يعد التراث الثقافي جزءًا أساسيًا من هوية الإنسان وذاكرته، فهو تجسيد لتاريخ الشعوب وتجاربها وحفظ هذا التراث ليس مجرد واجب تاريخي، بل هو ضرورة ملحة تعزز من الاستيعاب المتبادل بين الثقافات وتقوي الروابط الإنسانية.
تتنوع أشكال التراث الثقافي، بدءًا من المواقع الأثرية والمعمارية، وصولاً إلى الفنون الشعبية والموسيقى والحرف اليدوية وهذه العناصر ليست مجرد أشياء مادية، بل تحمل قصصًا وحكايات وحكمة تعكس ما مرت به المجتمعات عبر الزمن.
ويمثل التراث الثقافي أساسًا مهمًا للأجيال الجديدة لفهم جذورها، وهو وسيلة للتعبير عن الهوية الوطنية للأفراد والمجتمعات وحتى المؤسسات المدنية، فهو يعكس كيفية تشكيل قيم ومبادئ المجتمعات، مما يعزز الشعور بالفخر والانتماء ويحفزهم للحفاظ على روح مجتمعهم.
علاوة على ذلك، يسهم التراث الثقافي في تعزيز السياحة والتنمية الاقتصادية، حيث تختار العديد من الدول الاستثمار في تراثها الثقافي كوسيلة لجذب السياح، مما يقوي الاقتصاد المحلي ويوجه أكبر عدد ممكن من الناس للتفاعل مع الثقافات المختلفة.
وفي هذا المقام أود الإشارة إلى سعود الخريف كمثال يحتذى به في توثيق مشروع الزراعة في الخرج، من خلال المتحف الذي أنشأه منذ عدة أشهر على هامش مهرجان ألبان الخرج، بالإضافة إلى استقطاب ابنة مؤسس المشروع الأمريكية، سام لوغان. حيث يُعتبر هذا تجسيدًا عمليًا لمعنى الثقافات المختلفة وجانب تسويقي مهم وحاذق نال من خلاله دعمًا رسميًا من صاحب السمو أمير الرياض، الأمير فيصل بن بندر، ومن سمو محافظ الخرج، إضافة إلى الدعم الشعبي الكبير الذي حظي به متحفه وغصت به جنباته.
من جهة أخرى، يمكن أن يكون التراث الثقافي جسرًا للتواصل بين الأجيال المختلفة. فالشباب الذين يتعرفون على تراثهم يكتسبون قيمة احترام الماضي ويعزّزون من استمرارية هذه القيم عبر الأجيال كما يعزز قدرة المجتمع على مواجهة التحديات الحديثة من خلال الاستفادة من الدروس التي يقدمها الماضي.
لكن يجب أن نتذكر أن التراث الثقافي ليس شيئًا ثابتًا فهو أداة حية تتطور وتتغير مع مرور الزمن، لذلك يجب أن نوجد توازنًا بين حماية التراث والتطورات الثقافية الحديثة، مما يتيح للمجتمعات القدرة على الابتكار مع الحفاظ على جذورها.
وتتجاوز أهمية التراث الثقافي كونه وثيقة تاريخية أو معلمًا سياحيًا؛ فهو رمز للهوية والانتماء وبوابة للتواصل مع ثقافات أخرى. يجب على جميع المجتمعات أن تدرك أهمية تراثها الثقافي وأن تبذل جهودًا كافية لحمايته وتوثيقه ومن خلال الحفاظ على تراثنا، نعزّز تواصل الأجيال ونمنح الأمل بمستقبل مليء بالاحترام المتبادل والفهم العميق.
** **
- حمود فالح السبيعي