هل تتذكرون قصة أبي الأسود الدؤلي مع ابنته حينما نظرت إلى السماء وأعجبت من جمالها، فأرادت التعجب من جمالها فقالت : ما أجملُ السماءِ . فسمعها أبوها فظنها تسأل، فقال لها : نجومُها.
وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلّم— لمن لحن العربية — : (أرشدوا أخاكم فقد ضل) أو كما قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم–. وفي رواية أيضا قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه— عن أهمية معرفة اللغة العربية الصحيحة: (علّموا أولادكم العربية، فإنها نصف دينكم).
إن النحو على امتداد تاريخ الدولة الإسلامية في فترتها الممتدة من القرن الثاني الهجري؛ تاريخ البداية الفعلية للنحو بظهور دستوره كتاب سيبويه إلى القرن العاشر الهجري تقريبا؛ تاريخ وفاة جلال الدين السيوطي، وكل ما بين ذلك قضايا كبرى، وخلافات بين المدارس النحوية البصرية، والكوفية، والبغدادية، والأندلسية، والمصرية الشامية ؛ خلافات بعضها نفسي، وبعضها سياسي، وبعضها موضوعي علمي، على أن ذلك كله إنما كان من أجل وضع القواعد الصحيحة التي تضبط الكلام، والتي يختلف النحاة في سبيل ضبطها ما يختلفون، ولكنهم عنها أبدا لا يحيدون، واليوم ينادي عدد غير قليل من الباحثين بضرورة تجديد النحو العربي، من أمثال رفاعة الطهطاوي، وجرجس الخوري، وعلي مبارك، وقاسم أمين، ويعقوب عبد النبي، وطه حسين، وأحمد المرصفي، وعبد الله فكري، والشيخ المرصفي، وحفني ناصف، وعلي الجارم ومصطفى أمين، وإبراهيم مصطفى، وأحمد برانق، وأمين الخولي، وشوقي ضيف وإبراهيم أنيس، وتمام حسان، وأحمد المتوكل، والفاسي الفهري.
ولعل أول ما نلاحظه على هذه الدعوات أنها خصت جانبا واحدا من درس العربية باهتمامها وهو النحو، لا بالمفهوم الشامل الذي كان عليه في القرن الثاني الهجري كما يمثله كتاب سيبويه، وإنما بمفهوم أضيق يقتصر على قواعد الصرف والتركيب دون الأصوات والدلالة.
وقد ظهرت هذه الدعوات في إطار عام ينادي بتطوير اللغة حتى تصبح وافية بمطالب العلوم والفنون في العصر الحديث.
إن الشكوى من صعوبة النحو قديمة، والخصومة بين الشعراء والنحاة صورة من صور عدم الرضا. وبلغت تلك الخصومة ذروتها بين المتنبي وابن خالويه في القرن الرابع الهجري؛ لذلك ارتفعت أصوات تنادي بتيسير النحو منذ نهاية القرن الثاني الهجري، وظهرت بشكل عملي في صورة كتب تعليمية ميسرة تلبي حاجة الطلاب والمتكلمين.
ولقد فشلت أغلب جهود أصحاب دعوات التيسير والإصلاح، سواء على المستوى النظري أو التطبيقي التعليمي؛ فلم يستطيعوا إمداد الفكر اللغوي بنموذج جديد طبقا لأصول جديدة، وبالتالي لم يستطيعوا تقديم قواعد معيارية أيسر وأسهل؛ لافتقارهم جميعا إلى نظرة جديدة.
إن الأمور التي يجِبُ التَّأكيد عليها هي إعادة النظر في وصف وتفسير ما خلفه النحاة؛ للوقوف على آراءٍ في غاية الأهمية بإمكانها أن تدفعنا إلى وَضْعِ نظرية نحوية متكاملة، فما تركه الخليل بن أحمد الفراهيدي،وتلميذه سيبويه، والفراء، والجرجاني، والرضي الاستراباذي قريب من آليات المنهج الوظيفي الذي يسعى المُحْدَثُون إلى درس النحو وفقه.*
**__**__**__**__**
* اعتمدت هذه المقالة على عدد من المصادر والمراجع، أهمها كتاب “العربية وعلم اللغة البنيوي” للدكتور حلمي خليل.
** **
- محمد عثمان الخنين