رواية «خان جليلة» للروائي ماجد سليمان تعد عملاً أدبياً يسلط الضوء على حياة أهل اليمامة في منتصف القرن الحادي عشر الهجري، وهي فترة زمنية زاخرة بالمتغيرات السياسية والاجتماعية التي شكلت جزءا مهما من تاريخ الجزيرة العربية.
الرواية تتكون من 39 فصلاً، وتحكي قصة اختطاف الفتى ابو النجاة من منطقة جو اليمامة، حيث يتم بيعه مرتين قبل أن ينتهي به المطاف في خان جليلة، وهو المكان الذي ستتغير فيه حياته بشكل جذري نظرا لعدل صاحبة الخان فقد تم بيعه لسيدته «سفانة» وعمل لديها ولكن ليس مثل أي رقيق بل أنها تكافئه بنقود الفضة ولا تعامله كرقيق.هو ومن معه من مماليك رجالا ونساء؛ بل أصبحت توكل إليه أعمالها وتجارتها وقد كسب ثقتها فأوكلته مهمة قيادة القافة التجارية لها.
الفتى أبو النجاة رغم البؤس الذي لاقاه من حياته السابقه مع» الجديسي حين ذهب في القافلة الى حجر تذكر أيامه بحلوها ومرها وتذكر أيضا مولاه الجديسي الذي لم يحسن معشره ومع ذلك اعتبر تلك الأيام جميلة ولم يذكره بسوء .
وما يميز رواية «خان جليلة..عودة أبو النجاة النجدي» هو القدرة على تصوير الحياة اليومية في اليمامة بحيويتها وصراعاتها الاجتماعية والسياسية.
احتوت الرواية على حوارات بين شخصياتها قد يكون بالغ فيها الكاتب نوعا ما. كما بالغ في الوصف في بعض المواضع دون حاجة ملحة أو غاية، لكن الرواية أيضا صورت مشاهد رائعة في تلك الحقبة .
القارئ لها يلحظ تصوير بطلها الفتى ابو النجاة وأن حياته مليئة بالتقلبات، حيث يواجه تحديات متنوعة تتعلق بالهوية والانتماء، فضلاً عن الصراع بين الرغبات الشخصية والمجتمع الذي يفرض قواعد صارمة على أفراده.
هذا الصراع يتجلى بشكل واضح في حبه لإحدى فتيات سيدته «سعدى « ، وهو حب محكوم عليه بالسرية بسبب التقاليد الاجتماعية التي لا تسمح له بالإفصاح عن مشاعره إضافة لكونه «عبدا» لم يتمتع بحريته المطلقة .
ويلحظ القارىء أيضا أن نجاح الفتى في كسب ثقة سيدته يعكس قدرة الإنسان على التكيف والتفوق في مواجهة الظروف الصعبة.
والرواية ترصد تحولات الفتى من شخص مغلوب على أمره إلى شخص ذو مكانة في المجتمع، من خلال مهاراته في النسخ والخط وقد صوره الروائي ماجد سليمان بأنه يتحلى بالأمانة وهذه الصفة أيضا جعلت منه أن يرتقي في مكانته عند سيدته «سفانة» وذلك تحقيقا لقول الله سبحانه وتعالى «خير من استأجرت القوي الأمين « وهي قيم تعززها الرواية كعناصر حيوية لتحقيق النجاح والاندماج في المجتمع.
الروائي ماجد سليمان بأسلوبه الأدبي السلس والمشوق، يتمكن من نسج تفاصيل حياة أهل نجد في حقبة زمنية محددة بأسلوب يربط بين الحاضر والماضي، حيث يشعر القارئ بعمق التجربة الإنسانية التي يعيشها البطل. كما أن الرواية ليست مجرد قصة شخصية، بل هي أيضاً مرآة تعكس تاريخاً كاملاً، وترصد التغيرات التي حدثت في المجتمع النجدي، وكيف أثرت تلك التغيرات على الأفراد.
بالمجمل، «خان جليلة» نستطيع القول بأن الرواية تعكس الاضطرابات والتحديات التي واجهها المجتمع النجدي في تلك الحقبة، وكيف أن الأمل والعمل الدؤوب يمكن أن يكونا مفتاحاً لتجاوز المحن. إنها دعوة للتأمل في التاريخ والبحث عن الإنسانية في خضم التغيرات والتحولات الكبرى.
** **
- براك البلوي