الثقافية - علي القحطاني:
يُعد الدكتور راشد الشمراني من الفنانين السعوديين الذين تركوا بصمة واضحة في مجالي الدراما والكوميديا إلى جانب تخصصه في علم النفس. فقد جمع في مسيرته بين الأداء التمثيلي الرفيع والفهم العميق للنفس البشرية، مما أتاح له القدرة على تجسيد شخصيات متنوعة ومؤثرة تتفاعل مع قضايا المجتمع بواقعية
لطالما ارتبط اسمه بالموسم الرمضاني، حيث شارك في أعمال درامية وكوميدية حظيت بمتابعة واسعة، بفضل محتواها الذي يجمع بين الكوميديا الهادفة والدراما العميقة واستطاع من خلال أدواره المتعددة أن يعكس قضايا اجتماعية بطريقة ذكية ومؤثرة، مما جعله أحد الأسماء المتميزة في الإنتاجات الرمضانية التي تحظى باهتمام الجمهور السعودي والعربي
في لقائه مع «الثقافية»، ناقش الفنان راشد الشمراني مجموعة من القضايا التي تهم المشهد الفني السعودي.و تطرق الحديث إلى واقع الكوميديا السعودية، ومدى حاجتها إلى التطوير والإبداع لمواكبة تطلعات الجمهور، بالإضافة إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه المنصات الرقمية في دعم الدراما السعودية وتعزيز فرصها للمنافسة عالميًا
كما تناول اللقاء التحديات التي تواجه كتّاب السيناريو في المملكة، مشددًا على أهمية الابتكار والإبداع في كتابة النصوص، لما لذلك من أثر في رفع جودة الأعمال الدرامية وفتح آفاق جديدة أمام الدراما السعودية.
العلاج بالدراما النفسية
باعتبارك حاصلًا على دكتوراه في علم النفس، وقدمت أطروحة حول العلاج بالدراما النفسية؛ برأيك، هل يمكن أن يلقى هذا النوع من العلاج قبولًا ونجاحًا في المجتمع العربي، أم أن هناك عوائق ثقافية واجتماعية قد تعيق تطبيقه؟
أعتقد أن أي شخص يلجأ إلى الخدمة النفسية أو يراجع العيادة، إذا قُدِّم له العلاج النفسي المناسب، فسيتقبله بغض النظر عن كونه جديدًا أو غير مألوف. فالمراجع لا يركز على حداثة العلاج بقدر ما يهتم بمدى توافقه مع احتياجاته وتقديمه بطريقة ملائمة، فإذا وجد في العلاج استجابة مباشرة لمشكلته، فإنه سيتقبله بغض النظر عن كونه جديدًا أم لا. كما أن المجتمع لا يشكّل تأثيرًا مباشرًا في هذا الأمر، إذ يبقى الأهم هو كيفية تقديم العلاج بما يتناسب مع كل حالة على حدة.
ومن الطبيعي ألا تكون طريقة علاج واحدة مناسبة لجميع طالبي الخدمة النفسية؛ فهناك من يستفيد منها، وهناك من لا يجد فيها فائدة، مما يدفعه للبحث عن أسلوب آخر، وهذا لا يعني أن العلاج ذاته غير فعال، بل ببساطة قد لا يكون مناسبًا لذلك الشخص بعينه، كما أن عدم استفادة المريض من طريقة علاج معينة لا يقلل من فعالية العلاج نفسه، ولا من المريض، وإنما يعود ذلك إلى اختلاف الاحتياجات والاستجابات الفردية.
اللحظة الراهنة
كيف يمكن للعلاج بـ السيكودراما أن يساعد الأفراد في اكتشاف ذواتهم والتعبير عن مشكلاتهم الداخلية بطريقة أكثر تلقائية وإبداعًا؟
حقيقةً، أعجبني هذا السؤال كثيرًا، لأنه يتناول جوهر العلاج بالسيكودراما، حيث ترتكز هذه الطريقة العلاجية على التلقائية والإبداع، وهما ركيزتان أساسيتان في العملية العلاجية. يعتمد العلاج بالسيكو دراما على استحضار اللحظة الراهنة، أي «هنا والآن»، وهو مفهوم يبدو بسيطًا لكنه يمثل جوهر حياتنا. لذلك، تعد السيكو دراما أسلوبًا علاجيًا فعالًا لأنها تستند إلى الإلهام والتفاعل اللحظي، مما يجعلها ذات تأثير عميق على الأفراد الذين يخوضون هذه التجربة. يساعد الأفراد في اكتشاف ذواتهم والتعبير عن مشكلاتهم الداخلية، لأنه لا يعتمد فقط على اللغة والكلام، بل يرتكز أيضًا على الحركة والفعل، مما يتيح الوصول إلى أعماق النفس. فالعمود الفقري للعلاج بالسيكو دراما هو إعادة تمثيل الحدث المأساوي الأول، وهذا لا يتحقق إلا من خلال الحركة والفعل، مما يسمح باستخراج المشاعر المكبوتة والتغلب على عدم القدرة على المواجهة. وهنا نعود إلى مبدأ «هنا والآن» ، الذي يقوم على التلقائية والإبداع.»
الأدوار الكوميدية والدرامية
تألقت في الأدوار الكوميدية والدرامية، فأيهما الأقرب إلى شخصيتك ولماذا؟ وما رأيك في الكوميديا اليوم؟ هل ترى أنها لا تزال تحتفظ برونقها أم أنها تراجعت بسبب تغير الذوق العام؟
لا أعتقد أنني قادر على تحديد الدور الذي أحدث تحولًا أو تأثيرًا كبيرًا، لأنني مؤدٍ، بينما المتلقي أو الجمهور هو الذي يمتلك القدرة على التحليل والاستنتاج. فأنا على الخشبة، سواء في التلفزيون أو المسرح أو أي مجال درامي، والجمهور هو الذي يشاهد ويتفاعل، مما يمنحه رؤية أعمق وأشمل مني.
حتى على مستوى الشخصيات، لا أعرف أي شخصية أقرب إليّ، بل في الحقيقة، لا أستطيع تحديد ذلك بنفسي.
أما الكوميديا، فستظل محتفظة برونقها الكبير، لأن الضحك لم يعد مجرد وسيلة للترفيه، بل أصبح وسيلة علاج فعّالة. الدراسات العلمية والأبحاث تؤكد أثر الضحك على تركيبة الإنسان، ودوره في تحفيز التفاعلات الكيميائية داخل الجسم، مما ينقل الإنسان إلى حالة من البهجة. كما أن الكوميديا أصبحت علاجًا حقيقيًا للعديد من المشكلات، سواء على المستوى العضوي أو النفسي.
لهذا، لا يمكن أن تتراجع الكوميديا، لأنها فن يخاطب العقل، ومن الصعب جدًا على أي ممثل لا يمتلك الموهبة الحقيقية أن ينجح في هذا المجال، فالأمر لا يحتمل أنصاف الحلول؛ إما أن تكون قادرًا على تقديمه بجدارة، أو أنك مجرد دخيل عليه.»
المنصات الرقمية
ما رأيك في دخول المنصات الرقمية والإنتاجات الضخمة إلى السوق الفني السعودي؟ وما الذي تحتاجه الدراما السعودية لتنافس عالميًا؟
أعتقد أن ما يُعرض حاليًا وما عُرض سابقًا على منصات عالمية معروفة يعكس تطور الدراما السعودية، فقد تمكنت هذه الدراما من الوصول إلى الجمهور العالمي عبر المسلسلات والسينما، سواء من خلال التلفزيون أو الإنتاج السينمائي، وهذه المنصات لا تجامل، بل تعتمد معايير جودة عالية لقبول الأعمال الفنية، لذلك، لا شك أن هذه المنصات ساهمت بشكل كبير في انتشار الدراما السعودية وتحسين جودتها، مما أتاح لها فرصة أكبر للوصول إلى جمهور أوسع وتقديم أعمال متميزة.»
كتاب السيناريو
لماذا لا يوجد عدد كافٍ من كتاب السيناريو المحترفين في السعودية؟ وهل تعتقد أن ضعف النصوص يرجع إلى نقص التدريب والتأهيل أم إلى غياب الحوافز لصناعة نصوص قوية؟
بالطبع، هناك عدد من الكتّاب في هذا المجال، خاصة مع تزايد برامج الابتعاث الخارجي التي توفرها وزارة الثقافة، حيث يدرس العديد من المبتعثين تخصصات متعلقة بصناعة الدراما، بما في ذلك كتابة السيناريو إضافةً إلى ذلك، تقدم هيئة الأفلام وهيئة المسرح والفنون الأدائية دورات متخصصة في هذا المجال.
المسألة لا تتعلق بعدد الكتّاب بقدر ما تتعلق بجودة الإبداع. فإذا وُجدت أزمة، فهي أزمة إبداع أكثر من كونها أزمة عدد.
لدينا كتّاب سيناريو جيدون، وعددهم معقول، لكن التحدي الحقيقي يكمن في مستوى الإبداع، سواء في صياغة القصة، وبناء الفكرة، وكتابة السيناريو، وتطوير الحوار.
في النهاية، القضية ليست في كثرة أو قلة الكتّاب، بل في القدرة على تقديم أعمال إبداعية متميزة.
** **
@ali_s_alq