منذ اعتماد التقويم الميلادي في القرن السادس عشر، ظل العالم يستخدم أسماء الأشهر التي تعود جذورها إلى الحضارة الرومانية، وهي أسماء حملت دلالات وثنية وأسطورية ترتبط بآلهة ومعتقدات قديمة. ورغم انتشار هذا التقويم واعتماده في معظم أنحاء العالم، بقيت أسماؤه كما هي، لم تخضع للتغيير إلا في بعض اللغات التي حاولت مواءمتها مع ثقافتها. أما العرب، فقد ظلوا ينطقون الأشهر الميلادية بأسمائها الأجنبية، رغم أن لغتهم غنية بالمفردات التي يمكن أن تعكس واقعهم البيئي والثقافي.
لكن، لماذا لم يتم تعريب أسماء الأشهر الميلادية رغم استخدامها الواسع في العالم العربي؟ لماذا بقيت أسماء الأشهر كما هي، دون محاولة منحها مدلولات أقرب إلى الواقع العربي؟ ولماذا لا يكون لدينا تقويم ميلادي بأسماء عربية تعكس طبيعة الأرض والمناخ.
عند البحث في جذور الأسماء الميلادية، نجد أنها تحمل دلالات لا تمت للبيئة العربية بصلة. يناير، على سبيل المثال، مستوحى من يانوس، إله البدايات والنهايات عند الرومان، وفبراير يشير إلى طقوس التطهير عندهم، أما مارس فهو نسبة إلى مارس إله الحرب، بينما يرتبط أبريل بتفتح الأزهار وتنوعها واختلاف ألوانها، ومايو بجذور تتعلق بالخصوبة، ويونيو بجونو، زوجة كبير آلهتهم. أما يوليو وأغسطس فقد حملا أسماء القادة الرومان يوليوس قيصر وأغسطس قيصر، في تخليد لرموز الإمبراطورية. هكذا نجد أن الأشهر تعبر عن ثقافة وحضارة لا تمت للعرب بصلة، ومع ذلك، بقي استخدامها سائدا دون محاولة لتعريبها بما يتناسب مع البيئة.
رغم أن بعض الدول العربية تستخدم تقويما عربيا معربا (مثل التقويم الشامي الذي يشمل كانون الثاني وشباط وآذار وغيرها)، إلا أن هذا التعريب لم ينتشر بشكل واسع، وبقيت الأسماء اللاتينية هي السائدة. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها الاستعمار الذي فرض هذه الأسماء، والاندماج في النظام العالمي الموحد، والاعتماد على التقويم الميلادي في مجالات الاقتصاد والتعليم والتقنيات الحديثة. ومع ذلك، فإن تعريب الأشهر ليس مستحيلا إذا أردنا تعريب الأشهر الميلادية بحيث تتناسب مع ثقافة العرب ومناخهم، يمكننا اقتراح أسماء تستمد مدلولاتها من الطبيعة والمواسم والتغيرات المناخية التي يعيشها العرب على مدار العام، وقد يكون من المناسب أن يحمل كل شهر اسما يعبر عن حالته الجوية أو دوره في الفصول والمواسم أو أي معنى يشير إلى ثقافة عربية وفيما يلي مقترح لتعريب الأشهر الميلادية وفق هذه الرؤية:
يناير (الصقيع): نسبة إلى البرد القارس الذي يميز هذا الشهر، حيث تتجمد المياه في المناطق الباردة، ويصبح الجو قارس البرودة، خاصة في بلاد الشام ووسط وشمال السعودية.
فبراير(البارد) لأن هذا الشهر يشهد أشد أيام الشتاء برودة، ويتميز ببرودة شديدة.
مارس (الربيع): إذ تبدأ الأرض بالخضرة، وتتفتح الأزهار، ويعلن الموسم عن بداية الربيع الجميل.
أبريل (الهبايب): لكثرة الرياح التي تحمل معها الأمطار أحيانا، وأحيانا أخرى تكون عواصف رعدية محملة بحبات البرد ذات الحجم الكبير.
مايو (البذور) حيث تبدأ الزهور بالذبول استعدادا لنثر بذورها في الأرض.
يونيو (الحار): نسبة إلى شدة حرارة الشمس، حيث تصبح الأرض ملتهبة ويزداد وهج الشمس وينصح في وقته بالبعد عن الشمس خاصة وسط النهار.
يوليو (المناصيف): بداية تحول البلح إلى تمر وكثرته مرورا بمرحلة المناصيف وهي جمع منصف بمعنى أن يكون الرطب نصفه بلح والنصف الآخر تمر ويتميز بطعمه اللذيذ.
أغسطس (العنب): حيث تبدأ ثمار العنب بالاستواء والقطف فنرى منه الأحمر والأخضر والأسود الفاخر.
سبتمبر (الطلح) وهو الوقت الذي يستعد فيه المزارعون لزراعة وغرس الأشجار وهو دلالة على تغير الطقس وتقلبه بين الحر والاعتدال، وهي ظاهرة معروفة في هذا الشهر.
أكتوبر (الوابل): نسبة إلى بداية نزول الأمطار الموسمية في منتصفه.
نوفمبر (الجميل): حيث تكون فيه الأجواء جميلة جدا ومعتدلة مع كثرة الغيوم والأمطار.
ديسمبر (الوديان): حيث تهطل الأمطار بغزارة، وتمتلئ الوديان والشعاب بمياه السيول.
ومن مزايا التعريب المقترح
1- تعزيز الهوية اللغوية والثقافية: فمنح الأشهر أسماء ذات طابع عربي يجعلها أكثر قربا للمتحدثين باللغة العربية.
2- الارتباط بالمناخ والبيئة: إذ تعبر الأسماء الجديدة عن الواقع المناخي والجغرافي للعرب، مما يسهل تفاعل الأجيال معها.
3- تبسيط التعليم للأطفال: حيث إن الأسماء الحالية تحمل معاني أجنبية يصعب على الأطفال العرب استيعابها، بينما يمكنهم بسهولة فهم مدلولات الأسماء المقترحة.
وبالرغم من أن تعريب الأشهر الميلادية يبدو فكرة جميلة وسهلة التطبيق، إلا أن هناك عدة تحديات قد تواجه تحقيقه، منها:
1. الاعتماد العالمي على الأسماء الأجنبية حيث إن هذه الأسماء مترسخة في المؤسسات الرسمية والدولية.
2. الاندماج في الاقتصاد العالمي، فمع كون الاقتصاد والسجلات التجارية تعتمد على التقويم الميلادي؛ فإن تغيير أسمائه قد يسبب بعض الصعوبات.
ورغم أن الواقع قد يجعل من الصعب تغيير أسماء الأشهر عالميا، إلا أن طرح مثل هذا المقترح يمكن أن يكون بداية لنقاش أوسع حول هذا الموضوع.
** **
- صالح بن سليمان الربيعان