الرباط - «الجزيرة»:
سيصدر قريباً للدكتور عبدالحق عزوزي ترجمة وتفسير للقرآن الكريم باللغة الفرنسية عن دار النشر الفرنسية والعالمية البراق. والعمل يجمع بين الترجمة والتفسير إلى اللغة الأجنبية من حيث الحجم والترجمة والتفسير الكامل للقرآن الكريم. والعمل كُتب في ثلاثة مجلدات ضخمة (3200 صفحة) ولم يقتصر الدكتور عبدالحق عزوزي على مجرد الترجمة الحرفية أو التفسير المعتاد، وإنما سعى إلى الحفاظ على احترام جوهر النص القرآني وجماله وخصوصية اللغة العربية ودقتها عند ترجمته لآي القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية، كما خاض في أمهات التفاسير وفق تصريح منه لـ»الجزيرة» قبل أن يقوم بتفسير يقدم للقراء فهما دقيقا لكتاب الله ليكون نبراساً يربط المسلم وغير المسلم بكتاب الله تعالى الذي أنزل لصلاح أمر الناس كافة رحمة يهم لتبليغهم مراد الله منهم، ولأن المقصد الأعلى منه صلاح الأحوال الفردية والجماعية والعمرانية.
ويقول الدكتور عبدالحق بن إدريس عزوزي تختلف عن الترجمات الموجودة، لدقتها وضبطها وتحقيق مما خلت عن ضبط بعض منه الترجمات الموجودة، ولاطلاع المؤلف على دقائق اللغة العربية والفرنسية على السواء؛ فهو استفاد من تخرجه في جامعة القرويين والجامعات الفرنسية وأستاذيته في العديد من الجامعات وثقافته في العلوم الإسلامية والتاريخية والعلوم الإنسانية والاجتماعية ليضع ترجمة تحافظ على جمال النص القرآني وثرائه الدلالي والبلاغي تُمكن القارئ من إدراك أبعاده الحقيقية الروحية والدينية، خاصة وأن القرآن الكريم هو كتاب الله المعجز وجاء في أرفع أسلوب وأبلغ كلام، ومعانيه ومقاصده ذات أفانين كثيرة، حيث لا يجاريه في أسلوبه ومنهاجه كلام آخر؛ فأبرز الدكتور عبدالحق عزوزي النص القرآني بلغة فرنسية تجمع بين الدقة في المعنى وجمال الأسلوب، مستلهما كل شروط البيان والبلاغة والإعراب التي يتميز بها النص العربي الذي فتح بصائر، وفتح عقولا، وفتح ممالك، وفتح أدبا غضا ارتقى به الأدب العربي مرتقى لم يبلغه أدب قطر أو أمة من قبل أو من بعد.
كما أنه في التفسير، فقد ميز البحاثة الدكتور عبدالحق عزوزي في ترجمته الاعتماد على أسلوب فرنسي ببلاغة وبيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض، ويقول الدكتور عزوزي إنه لم يشرع في ترجمة وتفسير السورة إلا بعد بيان ما أحيط به من كل أغراضها، ويترجم الآيات من السورة ذات المعنى المترابط بمعنى أنه يقسم الآيات القرآنية ذات الوحدات الموضوعية أولا ثم يشرع في تفسيرها.
وأشار الدكتور عزوزي في تصريحه لـ»الجزيرة» أنه جمع في تفسيره بين المأثور والمعقول معتمداً على أوثق التفاسير القديمة والحديثة، ومن الكتابات حول القرآن الكريم ومستنداً إلى عدة علوم تساهم في خدمة المقاصد القرآنية.. وبين أسباب النزول في أصح ما ورد فيها ويترك الضعيف منها، وأضاف أنه توقف عند مسائل في الإعراب تساعد في تبيان كثير من الآيات، كما أنه توقف عند مختلف المحامل التي تسمح بها كلمات القرآن وتراكيبه وإعرابه ودلالته، من اشتراك وحقيقة ومجاز، وصريح وكناية، وبديع، ووصل ووقف؛ وأنه سلط الأضواء على قصص الأنبياء وأحداث الإسلام الكبرى التي تحوي عبراً جمة وفوائد للأمة، وتوقف كثيراً عند آيات التدبر والتفكر، وآيات الله في الكون واستعان ببعض العلوم الفيزيائية والطبية والطبيعية وغيرها ليتبين للخاص والعام قدرة الخالق في خلقه وصنعه وأنه ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق؛ وأنه بذل الجهد في الكشف عن نكت من معاني القرآن وإعجازه؛ وعندما يذكر الروايات فإنه بحسب تصريحه لـ»الجزيرة» لا يثمن إلا ما يتفق وأحكام الدين ويتقبلها العلم والعقل، ويؤيد في بعض الأحيان الآيات بالأحاديث الصحيحة، وأن تفسيره جاء مطابقاً للفظ من حيث الاستعمال، سليما من التكلف، عريا من التعسف.
وهاته المنهجية العلمية التي اتبعها الدكتور عبدالحق عزوزي في عمله باللغة الفرنسية، يقول عنها إن الهدف منها ليجد فيها كل قارئ ضالته، ولتكون محل الثقة والاطمئنان في وقت كثر فيه المفترون والمغرضون، وكثرت فيه أعمال تجانب الصواب عن قصد أو عن خطإ، وتجانب الدقة الموضوعية والعلمية.
وعن هذا العمل يقول لـ»الجزيرة» إنه جمع بين الترجمة والتفسير من خلال روايتي ورش عن نافع وحفص عن عاصم، وقد نشرت كل رواية في ثلاثة مجلدات مستقلة، وأن مثل هذا العمل يحافظ على ما ينطوي عليه النص القرآني من تركيبات لغوية ودلالات عميقة صالحة لكل زمان ومكان وجامعة لمصالح الدنيا والدين وحاوية لكليات العلوم؛ وقد استغرق هذا العمل من الدكتور عبدالحق عزوزي -كما يقول- في تصريحه لـ»الجزيرة» أزيد من عشر سنوات، وأنه أعاد العمل أربع مرات لأن القرآن لا تنقضي عجائبه وهذا من تمام إعجازه أن يتضمن من المعاني مع إيجاز لفظه ما لم تقف به الأسفار المتكاثرة؛ كما أن هذا النوع من العمل وفق تصريحه لـ»الجزيرة» يتطلب هذا الجهد، لأن ما يزيد على المعاني الأساسية فقد يتهيأ لفهمه أقوام، وتحجب عنه أقوام، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه؛ وأيضا لما يستلزمه إعادة الأفكار والتصحيح والتعديل في خضم كل ما يتطلبه كل فئات القراء من بيان وتفقه في الدين وتوجيه وتشريع وبلاغة وتأريخ ولغة وإعراب، وتبيان للعقيدة والأخلاق والمنهج والسلوك والنكت المستقاة من الآية القرآنية تصريحا أو تلميحا أو إشارة، مع التزام التوسط والاعتدال في الإيضاح. كما أن هذا العمل غرضه مساعدة المسلم وغير المسلم في تدبر القرآن الكريم ككتاب هداية إلهية وتشريع ديني ونور يهدي إلى الحق وإلى طريق من الوسطية والاعتدال والأخلاق والقيم الإنسانية المثلى.