الثقافية - علي القحطاني:
منذ بداية الألفية الميلادية تقريباً هبّت عاصفة الاستغناء عن الطباعة الورقية. وقد بدأ الوسط الثقافي والإعلامي يستغني أحياناً عن الطبعات الورقية من الصحف والكتب، وأغلقت كثير من المكتبات الورقية أو تم تعديل نظام العمل فيها، بسبب التطبيقات الرقمية للكتب. وقد طالت تلك الموجة من التغيرات أيضاً موسوعات وكتب قيّمة. في هذا المناخ استطاعت الموسوعة العربية العالمية أن تواكب التقنية. لكن الموسوعة، من ناحية أخرى، تعثرت بسبب الضائقة المالية.
صدرت الموسوعة قبل أكثر من ثلاثة عقود، وهي أول موسوعة عربية عالمية تهديها المملكة العربية السعودية إلى المكتبة العربية بتمويل من سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي وهب كل ما يخصه في المشروع إلى مؤسسة سلطان الخيرية. وقد أسهم في المشروع علماء ومترجمون ومراجعون لغويون ومفكرون وإعلاميون من السعودية والدول العربية. استغرق العمل على المشروع سنوات عديدة حتى صدرت الطبعة الأولى عام 1996م، ولقيت ترحيباً كبيراً وصدى واسعاً، ثم صدرت الطبعة الثانية عام 1999م متزامنةً مع احتفالات المملكة العربية السعودية بمئوية التأسيس، حيث تضمنت كتاباً خاصاً عن المملكة في الموسوعة الأم كما تزامن إصدار الموسوعة مع احتفال الرياض بعاصمة الثقافة العربية عام 2000م.
وأثارت التغريدات التي كتبها د. أحمد الشويخات في منصة أكس (تويتر سابقاً) الأسى والشجن عن مصير هذه الموسوعة المكتنزة بالمعلومات الضخمة، التي عمل على تحرير موادها أكثر من ألف أكاديمي. ويتطلع الدكتور أحمد الشويخات إلى شراكة مع الجهات المختصة لتطوير هذه الموسوعة المنسية واستمرار وجود محتواها لأجيال.
وفي لقاء الثقافية مع د. أحمد الشويخات، صاحب فكرة مشروع الموسوعة العربية العالمية ورئيس تحرير الطبعة الورقية التأسيسية الأولى من الموسوعة والمدير العام للمشروع، يتحدث الدكتور أحمد عن بدايات الفكرة والعمل الضخم في هذه الموسوعة من استئجار مبنى في أسواق العقارية بالعليا والصدى الواسع الذي أحدثته في الأوساط الثقافية وحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله - حفل تدشين الموسوعة في فندق الإنتركونتنتال بالرياض، فقد حضر الحفل راعي المشروع سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز -غفر الله له - بمعية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله - عندما كان أميراً لمنطقة الرياض، كما تحدث د. أحمد الشويخات عن الصعوبات التي واجهت المشروع منذ عام 2002م بعد انفكاك الشراكة مع مؤسسة الأمير سلطان الخيرية، فقد قررت المؤسسة الخيرية أن تقتصر أنشطة المؤسسة على الأنشطة الخيرية وتشغيل مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية، ولذلك ألغت ارتباطها بالمشروع وآلت جميع حقوق نشر المشروع بتوجيه من الأمير سلطان إلى الدكتور أحمد الشويخات لكي يستمر المشروع.
تغريدة حول الموسوعة
* كتبت تغريدة في منصة X (تويتر سابقاً) وقلت إلى من يتذكّر الموسوعة العربية العالمية من القرّاء والأصدقاء القدامى الذين يسألون عن أحوال الموسوعة ومصيرها, كيف وجدت أصداء هذه التغريدة؟
- وصلتني اتصالات عديدة من الأصدقاء والمتابعين يسألون عن واقع ومصير الموسوعة، مع التشجيع على كتابة سلسلة تغريدات عن الموضوع. أرجو أن أقوم بذلك أو أكتب كتاباً عن حكاية الموسوعة ومصيرها.
الفكرة وتمويل الموسوعة
* متى بدأت فكرة إصدار الموسوعة، وكيف تُبني هذا الموضوع ومن الممول الرئيسي لهذا المشروع الضخم؟
- عام 1989م تركتُ العمل أستاذاً مساعداً بقسم اللغات الأجنبية في جامعة الملك فيصل وعكفتُ متفرغاً لأكثر من عامين على دراسة تتضمن خطة عمل تنفيذية لإصدار موسوعة شاملة كبرى معاصرة باللغة العربية على غرار الموسوعات العالمية الكبرى المعاصرة. بعد إنجاز الدراسة، ظل المشروع يبحث عن جهة تتبناه حتى قيّض الله لهذا المشروع الدكتور محمد الرشيد -رحمه الله - قبل أن يصبح وزيراً للمعارف. وقد تفضل الدكتور الرشيد بإيصال متن الدراسة وملخصها وملاحقها المالية والإدارية إلى سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله. و قد اقتنع الراحل الكبير تغمده الله بواسع رحمته بالمشروع وأهميته فشكّل مجلس إدارة له، وعُقدت شراكة بين سمو الأمير سلطان جهةً ممولة وراعية ومكتب الشويخات للترجمة والاستشارات التربوية (أحمد الشويخات) جهةً منفذة، وكلّفني سموه برئاسة تحرير الطبعة التأسيسية الورقية الأولى والإدارة العامة للمشروع.
عام 1992م. استأذنتُ سمو الأمير سلطان -رحمه الله - بتحويل مكتب الشويخات للترجمة والاستشارات التربوية الذي قام بدراسة المشروع إلى مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع للقيام بتنفيذ المشروع. وهكذا انطلق هذا المشروع بتأسيس مقر لأعماله الإدارية والتحريرية والفنية في مبنى عقارية العليا الثانية بالرياض (مكتب 222 ومكتب 232). واستمرت إدارة المشروع في المكتبين المذكورين حتى عام 2005. في هذا التاريخ كان من المفترض أن تنتقل حقوق المشروع إلى وزارة الإعلام بعد إبرام مذكرة تفاهم معها، لكن الوزارة اعتذرت بعد توقيع مذكرة التفاهم، بسبب الظروف المالية كما قالت.
فالشكر لله، ثم لسمو الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله - ولمجلس الأمناء في مؤسسة سلطان الخيرية والدكتور محمد الرشيد -رحمه الله - ولمجلس الإدارة الذي شكله سمو الأمير لمتابعة أعمال المشروع، ولنحو ألف باحث وكاتب ومترجم ومراجع علمي ومدقق لغوي ومستشار وفني ومؤسسة أسهموا في إنجاز الطبعة الأولى من المشروع التي بدأ العمل فيها عام 1992 واستمر إلى عام 1996, بعد نحو ست سنوات من العمل المتواصل. الشكر لأخي الدكتور الدكتور سعد البازعي الذي تفضل مشكوراً برئاسة تحرير الطبعة الورقية الثانية من المشروع عام 1999م، وكان لإسهامه الأثر الكبير في التحديثات التي تمت على الطبعة الأولى.
دعم الموسوعة
* تم شراء آلاف من النسخ وتزويد مكتبات المدارس العامة بها.. حدثنا عن هذا الدعم؟
- تم ذلك بمبادرة من وزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات آنذاك. وقد استقبلت مكتبات المدارس المتوسطة والثانوية للبنين آلاف النسخ من الطبعة الورقية الأولى والثانية.
الاحتفاء بصدور الموسوعة
* كيف تم الاحتفاء بصدور الطبعة الأولى من الموسوعة عام 1996م وكيف كان استقبالها؟
- كان احتفاء كبيراً واستقبالاً حاراً من الدوائر الرسمية والخاصة والمثقفين في الساحة السعودية والعربية والعالمية. هناك ملف كبير يوثّق هذا الاستقبال، من حفل التدشين في فندق الإنتركونتننتال الذي حضره سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله - وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- (أمير منطقة الرياض آنذاك) وعدد كبير من أصحاب السمو الأمراء ومعالي الوزراء والمسؤولين والمثقفين والصحفيين والإعلاميين. ويوثّق الملف إفادات المثقفين السعوديين والعرب وتصريح الإشادة والإعجاب من منظمة اليونسكو على لسان مديرها العام فريدريكو ماير آنذاك إلى غيرهم من الأفراد والجهات داخل المملكة وخارجها. كان محور الإفادات التهنئة بالإصدار وتقديم الشكر إلى سمو الأمير سلطان على مبادرته العظيمة والإعجاب بإنجاز ثقافي سعودي عربي كبير تقوده المملكة.
استثمار الموسوعة والصعوبات
* كان لكم رأي في استثمار هذه الموسوعة من خلال الوسائط الرقمية والبرامج الإعلامية والمواد التعليمية، ما الصعوبات التي واجهتكم في هذا الشأن؟
- اقترحتُ، ولا أزال، أن يتم تطوير المحتوى الواسع والمتنوع الموثوق والمدقق والمتوازن للموسوعة العربية العالمية وهو أكثر من 10 ملايين كلمة في نحو 150 ألف مادة بحثية من خلال تحديث المعلومات مع آلاف الصور والإيضاحات والانتفاع من المحتوى.
في هذا السياق، قدمتُ مشروعاً متكاملاً مفصّلاً إلى وزارة الثقافة أولاً عام 2005م بأهداف محددة، ووقعت مع الوزارة عام 2005م مع الوزارة مذكرة تفاهم بنقل حقوق نشر الموسوعة إلى الوزارة و تنفيذ المشروع أيام كان معالي الدكتور إياد مدني وزيراً للثقافة و الدكتور عبد العزيز السبيل وكيلاً للوزارة. . وقد كان استقبالهما للمشروع ممتازاً، فلهما الشكر، لكن الوزارة مع الأسف اعتذرت عام 2008 لأسباب مالية كما أسلفت.
ثم في عام 2019 قدمتُ إلى وزارة الثقافة مرة أخرى مقترحاً جديداً مطوراً هو الانتفاع من محتوى الموسوعة العربية العالمية بتصميم منصة ثقافية تفاعلية متطورة وإصدار ألف كتاب رقمي لتخدم وتعزز الحراك الثقافي الجديد في المملكة العربية السعودية من خلال إصدار الكتب الرقمية وربط المحتوى المعرفي بالحراك الثقافي الجديد في بلادنا، والانتفاع من محتوى الموسوعة من جانب هيئة الأدب والنشر والترجمة وهيئة المكتبات وهيئات وزارة الثقافة في المملكة. هذا المقترح في صلب الأهداف الثقافية المعرفية لرؤية المملكة 2030 بتطلعاتها وإنجازاتها الجديدة في مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح. ويؤكد دور الثقافة والشغف بالمعرفة والانفتاح على الثقافات كأس من أسس التنمية المتوازنة. في عالم متداخل المنافع. هنا يجب على الدوام إثراء مناهج التعليم بالمحتوى الحديث المتطور والمنفتح على الثقافات في عالم يتوق إلى التنمية والأمن والسلم و الحياة الكريمة.. إثراء مناهج التعليم دائماً وتعزيز الجوانب المشرقة من التراث العربي الإسلامي يكون في حكم الضرورة، مع تأكيد دور المعرفة في التنمية الثقافية وخدمة المحتوى العربي الرقمي. لذلك يقترح المشروع الجديد الانتفاع من المحتوى على منصة مصممة لهذا العرض وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها بأهداف محددة ومؤشرات قياس أداء ومحكات أو وسائل تحقيق الأهداف من خلال طرائق عمل مدروسة. أعتقد و يتفق معي كثيرون أن مجتمعنا يستحق مكتبة رقمية تفاعلية ذات محتوى موثوق ومدقق ومتوازن؟
وبعد اجتماع مع الوزارة وشرح كل ذلك وتقديم المشروع الجديد وشرحه، وصلني اعتذار مقتضب من الوزارة دون ذكر سبب أو أسباب عدم القبول.
قناعتي أن هذا المشروع غير المسبوق لم يصل إلى سمو وزير الثقافة ولا إلى المستشارين المثقفين بالشكل الذي يوضح أبعاد أهميته المعرفية الثقافية التنموية والإعلامية كعنوان من عناوين الأداء والإنجاز الثقافي في بلادنا، وكاستثمار واعد تتجاوز قيمته المعرفية قيمته المالية، دون التقليل من أهمية استثماره مالياً.
موقع رقمي وقرصنة الموسوعة
* لماذا لم يكن للموسوعة العربية العالمية موقع رقمي على غرار ويكيبيديا؟ ويرى البعض أنه بسبب هذا الغياب الرقمي تعرضت الموسوعة للقرصنة وسرقة محتواها في الفضاء الرقمي؟
- منذ البداية قمنا بإنتاج الموسوعة العربية العالمية رقمياً ووضعها كاملة على الإنترنت في موقع خاص بها منذ عام 2002، وعنوانه (mawsoah.net )الموقع الآن مغلق تحت الصيانة. وظل هذا الموقع يعمل مع التحديث لثلاث سنوات حتى عام 2005 حين توقف لظروف مالية. أما عن قرصنة الموسوعة فقد تمت الكتابة إلى الجهة المعنية في غوغل وفي الهيئة السعودية للملكية الفكرية. و هناك خطوات في الطريق لتصحيح الوضع.
من حيث السرقة والقرصنة و عدم احترام الحقوق فهذا مع الأسف موجود في عالم النشر بوجه عام وبخاصة في المناطق العربية والإسلامية. وموضوع قرصنة محتوى الموسوعة هو قيد المعالجة القانونية والقضائية المحلية والدولية. ونهيب بالجهات التي قامت بوضع الموسوعة على مواقعها على الإنترنت بدون إذن من الناشر أن تحذف فوراً هذه المادة.
مخاطبة الجهات الرسمية
* ماذا تم بشأن مخاطبتكم للجهات الرسمية من أجل الاستفادة من الموسوعة، وإلى أين وصل؟
- تمت مخاطبة وزارة التعليم 2003 ووزارة الإعلام عام 2005 دون نتيجة، ثم مخاطبة وزارة الثقافة في عهدها الجديد عام 2019. بعد ذلك لم تعد هناك مخاطبات أخرى منذ عام 2020 .
سمعتُ أحياناً كلاماً عابراً تصريحاً أو تلميحاً أن المشروع مكلف مالياً وأن حقوق النشر غير واضحة، وأن الموسوعة تجاوزها الزمن. و من يقول هذا - سامحه الله- لا يريد أن يقتنع بما يأتي:
- حقوق النشر موثقة و معروفة لصاحبها وشركاه من موسوعة وورلد بوك. نقول هذا بكل وضوح ويقين وكل الوثائق موجودة.
- مشروعات الموسوعات الكبرى المعاصرة لا تموت وإنما تتطور ويتم تحديث محتوياتها مع تطور تقنيات ووسائل النشر الرقمي الحديث كما هو الحاصل مع موسوعة بريتانيكا ووورلد بوك وغيرهما. ووجود الموسوعات الموثقة والمدققة الكبيرة عنوان من عناوين الحيوية الثقافية و الفكرية و التعليمية في المجتمعات.
- لا يمكن الاطمئنان إلى مصداقية ونزاهة ودقة الموسوعات والمصادر المفتوحة مثل ويكبيديا و غيرها.
- التكلفة المالية لنقل الحقوق متواضعة جداً مقارنةً بقيمة ما تم إنفاقه في إنتاج الموسوعة و قيمتها الحقيقية المالية وما بُذل فيها من جهد ووقت وتنسيقات مع الجهات المحلية والعالمية عبر السنوات.
- هناك التزامات مالية على المشروع لجهات محلية وعالمية لا بد من تسديدها لكي تصبح الحقوق خالصة وللأبد للجهة التي تريد نبني المشروع و تطويره.
- للشفافية والوضوح، أعلن إني شخصياً متنازل عن أي ربح مالي مستحق يخصني شخصياً في المشروع. أرجو فقط أن يسدد المشروع الديون المتراكمة عليه، ولا أتطلع إلى الثراء من مشروع ثقافي وطني يخدم الصالح العام وسمعة المملكة وحضورها الثقافي.
** **
@ali_s_alq