(الوَطَن) أو (الوَطْن) بالتخفيف، هو محل الإنسان، وقد يطلق عند بعض اللّغويين على مرابض بعض الحيوانات، ومنه توطين النفس على الشيء أي تمهيدها، والمِيطَان هو الغاية أو المشهد من مشاهد الحرب أو الموضع الّذي يُوَطّن السباق (أوّل غاية السباق).
وتحمل كلمة (الوَطَن) دلالات، منها:
1 - أوّل الغاية أوّ المنزل الأوّل، قال أبو تمام:
نقّل فؤادَك حيثُ شئتَ من الهوى
ما الحبُّ إلّا للحبيبِ الأوّلِ
كم منزلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفتى
وحنينُه أبداً لأوّلِ منزلِ
2 - الاستقرار؛ لذا وقف الشعراء على الغربة؛ لأنّها تُشعر بأهمية الاستقرار في الأوطان، وقد قسمها إلى قسمين: حسية وهي مفارقة الجسد للأوطان، ومعنويّة وهي فقد التواصل والحب، وإن كان الجسد حاضراً في الوطن، قال الشاعر في ذلك، مؤكداً هذه المضامين بأسلوب القسم:
سقى اللهُ أيامَ التواصلِ غيثَهُ
وردَّ إلى الأوطانِ كلَّ غريبٍ
فلا خيرَ في دنيا بغيرِ تواصلٍ
ولا خيرَ في عيشٍ بغيرِ حبيبٍ
3 - الوطن هو الغاية، وهو الحياة، فلا حياة دون وطن، لذا ركّز الشعراء على أخلاقيات الوطن، كعدم خيانته، وأن يُحافظ على الوطن كما يُحافظ على الوطن الصغير (البيت) ، يقول ابن الرومي مشبهاً الوطن بالشجرة تشبيهاً تمثيليّاً؛ لكي ينقل المعاني المعنويّة إلى الحسيّة؛ وليكشف أن هذا الوطن الذي تستظل بظله، وتأكل من ثماره، وتستنشق الهواء الطلق كالشجرة المثمرة لا يستحق الخيانة:
ولي وطنٌ آليتُ ألا أبيعـهُ
وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا
عهدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً
كنعمةِ قومٍ أصبحُوا في ظلالِكا
4 - التضحية، حيث نثر الشعراء معاني التضحية للوطن في أشعارهم منذ زمن الطفولة، حتّى تتحقق المواطنة الصادقة عن طريق تسخير أشعارهم وأغانيهم للوطن، والكاتب يستعمل قلمه لخدمة الوطن، والمفكر يوجه فكره لبناء الوطن، وقد جمع هذه المعاني الشاعر غازي القصيبي، قائلاً:
ويا بلاداً نذرتُ العمرَ زهرتَهُ
لعزّها ! دُمتِ! إني حان إبحاري
تركتُ بين رمالِ البيدِ أغنيتي
وعندَ شاطئكِ المسحورِ أسماري
إن ساءلوكِ فقولي: لم أبعْ قلمِي
ولم أدنَّسْ بسوقِ الزيفِ أفكاري
5 - حب الوطن يتجدد في دم المواطن الصالح وإن شاخ جسده، كما قال الشاعر طاهر الزمخشريّ:
أنا في حبّهِ سكبت أغاريدي
فكانت على اشتياقهِ شُهُودا
فإذا شِختُ من تزاحمِ آلامي
فحبّي إليه يحبُو وليدا
حيث صاغ كلماته المؤثرة، وصوره الفنية العميقة بما يجسِّد حرارة الحُب، ومدى ما يمثله الوطن له من قيم.
6 - المملكة العربيّة السعودية هي بلد الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين، ومنبع الرسالة، عاش على أرضها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وقد تغنى الشعراء بذلك، يقول حسين عرب:
بشبه الجزيرةِ أرضُها وسماؤها
حَرَمٌ على من رام أن يتصيّدا
أرضُ الفداءِ ومهدُهُ وغراسُهُ
أفدي بنفسي المفتدي والمفتدى
7 - العلاقة الحميمة بين المواطن والوطن، وقد جسّد نزار قباني ذلك عن طريق أداة الاتساق النصي (الاستبدال) ليبعث الحيويّة في النّص، ولكي يكون الوطن في ذهن المتلقي حتّى نهاية النّص، قائلاً:
وَطَنِي يُجَاذبني الهوى في مُهْجَتِي
هُوَ جنّتي هو مَرْتَعي هو مَسْرَحي
آوي إليه وملْءُ عـيني غَفْوَةٌ
هُو من أحَلِّقُ فَـوْقَهُ بِجوانحي
ما لا رأت عَيْنٌ ولا سَمِعَتْ به
فيه الحواري والملائكُ تَسْتَحِي
وهذه العلاقة تجسدت عند الشاعر من خلال جانبين، هما:
- أشرك الشاعر العلامات في هذا النص كالسمعية، والبصرية، والأطراف، والشعور، ولم يكتفِ بذلك بل جعلها تتداخل أمام الوطن، حيث جعل العين تسمع وترى.
- ربط الشاعر نفسه بالوطن في مترادفات، منها (يجاذبني) و(مهجتي) و(جنتي) و(مرتعي) و(مسرحي) و(جوانحي) بل جعل الوطن هو دم القلب أو الروح.
9 - تحية الوطن والحنين إليه، وقد جسد هذا الجانب الشاعر عبد الحميد الرافعي عن طريق كثرة التضام؛ لأنَّه من أوضح العلاقات الّتي تكشف المعنى، والتكرار في بداية الأبيات للعناية والاهتمام بكلمة (وطن)، وألفاظ العموم ليعبر عن معانٍ كثيرةٍ بلفظ واحد ككلمة (الهنا)، يقول:
وطني عليك تحيتي وسلامي
وقف بحلّي غربتي ومقامي
وطني إليكَ أحنُ في سفرٍ وفي
حضري أجل وبيقظتي ومنامي
ثم قال:
وطني وأدعو في ظلامِ الليلِ أن
لا يبتليك اللهُ بالظلامِ
وطني وأرجو أن يدومَ لك الهنا
أبداً بظلِ عدالةِ الحُكّامِ
عاش وطني عزيزاً شامخاً.
** **
- د.فهد بن سالم المغلوث