يُحكى أن رجلا يُدعى أبا حنش، قال له خاله، وقد بلغه أن ناسا من أشجع في غار يشربون، وهم قاتلون إخوته: هل لك في غار فيه ظباء لعلنا نصيب منها؟ وانطلق به حتى أقامه على فم الغار، ثم دفعه في الغار فقال: ضربا أبا حنش، فقتلهم جميعا. فلما خرج من الغار قال بعضهم: إن أبا حنش لبطل! فقال أبو حنش: «مكره أخاك لا بطل». فصار هذا مثلا يضرب لمن يحمل على ما ليس من شأنه.
وقيل: إن أول من قاله عمرو بن العاص، لما عزم عليه معاوية ليخرجن إلى مبارزة علي رضي الله عنهم جميعا، فلما التقيا قال عمرو لعلي: مكره أخاك لا بطل، فأعرض عنه.
إن لغة القصر تعني لزوم الألف في جميع الأحوال، رفعاً ونصباً وجراً، ويكون الإعراب بالحركات المقدَّرة على الألف للتعذر. حيثُ تعرب هذه اللغة بالحركات المقدَّرة، على الألف رفعاً ونصباً وجراً، كما يعرب الاسم المقصور، نحو: أخاكَ صديقي، وإنَّ أخاكَ صديقي، وسررتُ برؤيةِ أخاكَ.
ولقد تعلمنا أن هذه الأسماء يجوز فيها ثلاث لغات: الإتمام والنقص والقصر.
الإتمام: هو أن تُرفع بالواو، وتُنصب بالألف، وتُجر بالياء. وهذه اللغة هي أشهرها استعمالا.
والنقص: أن تُرفع بالضمة، وتُنصب بالفتحة، وتُجر بالكسرة. ومن الشواهد المروية عن العرب في هذه اللغة قول الشاعر:
بأبهِ اقتدى عَدِيُّ في الكرمِ
وَمَنْ يُشابهُ أبَهُ فَما ظَلَمْ
حيث قال بأبه، فحذف الياء، وجعل الاسم مجرورا، وعلامة جره الكسرة الظاهرة. ثم قال: ومن يشابه أبه، فحذف الألف، وجعل علامة نصبه الفتحة الظاهرة.
وهذه اللغة تختص بأربعة أسماء هي: أب، أخ، حم، هن، وتعتبر هذه اللغة في الشهرة في المنزلة الأخيرة إلا في (هن) فإنها أشهر ما تكون بهذه اللغة.
والقصر: أن تكون بالألف دائماً، فتعرب بحركات مقدرة على الألف. ومن الشواهد على هذه اللغة قول الشاعر:
إن أباها وأبا أباها
قد بلغا في المجد غايتاها
وموضوع الشاهد عند قوله: وأبا أباها، فأبا الأولى مضاف، وأبا الثانية مضاف إليه مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره.
ولا تكون هذه اللغة إلا في ثلاثة أسماء هي أب، أخ، حم، وهذه اللغة تعد في المرتبة الثانية في الشهرة.
فإن قال قائل: إذا أردتُ أن أنشئ كلاماً فأي اللغات الثلاث أسلك؟ نقول: على الفصحى، وهي أن تعربها تامة، مرفوعة بالواو، ومنصوبة بالألف، ومجرورة بالياء؛ لأنه ليس لنا خيار، فيحسن بنا أن نمشي على الأفصح من كلام العرب، والأفصح من كلام العرب ما نطق به القرآن، قال الله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ} [يوسف: 81]، ولم يقل: إلى أباكم، ولا إلى أبِكم، وقال تعالى: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يوسف: 8]، ولم يقل: إن أبنا، وقال تعالى: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23] ولم يقل: أبانا، ولم يقل: أبنا.*
**__**__**__**__**__**
- اعتمدت هذه المقالة على عدد من المصادر والمراجع، أهمها أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام تحقيق هبود.
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.
aooa14301
** **
- محمد عثمان الخنين