الثقافية - أحمد الجروان:
سعد بن عايض العتيبي: كاتب ومثقف، وهو اسم يجهله العامة ويعرفه معظم النخب المثقفة في المملكة والعالم العربي. قارئ نهم ورحّالة وصاحب مكتبة ثرية، وصاحب أرشيف كبير يضم النوادر من الصحف والمجلات السعودية والعربية، وله شغف بالمراسلات الأدبية مع كبار الأدباء العرب، وله كتابان مطبوعان والثالث في الطريق.
* عرف عنك اهتمامك الشديد بالكتب القديمة والنادرة، وبودنا أن تعطينا لمحة عن أبرز الكتب التي اقتنيتها، وأشهر المكتبات التجارية التي زرتها في مدينة الرياض أو خارجها؟
أحببت الكتاب كثيرا منذ أن كنت طالبا في المرحلة المتوسطة، وازداد هذا الاهتمام مع مرور الأيام، والحمد لله أنني استطعت تكوين مكتبة جيدة وبأسعار معقولة، قبل ظهور النت ومواقع التواصل الاجتماعي، فلقد صار البيع سهلا عن طريق هذه المواقع، وما على الوراق - في الداخل والخارج- سوى نشر صورة غلاف الكتاب المراد بيعه في حسابه وكتابة عبارة (السعر على الخاص) ثم يدخل الزبون بعد ذلك في مفاوضات لا تنتهي مع هذا البائع الجشع حول سعر الكتاب المبالغ به، ويحاول التاجر أن يقنع الزبون بأنه كتاب نادر ويستحق هذا المبلغ!
وأكثر هذه الكتب المعروضة للبيع عليها أختام جامعات ومدارس حكومية ومكتبات عامة، ومع ذلك تجد من يشتريها ومن يشجع على شرائها!
وحينما افتتحت مكتبات الكتاب المستعمل في مدينة الرياض، كنت من أوائل مرتاديها، وكانت لي جولة صباحية على بعضها، أذكر منها: الأطروحة والمنهاج والإصدارات والموسوعة والخزانة، وكنت أجد في تلك الجولات ما لذ وطاب من الكتب والمجلات وبأسعار زهيدة، ومن ذلك عثوري على الطبعة الأولى الأصلية من ديوان محمد بن عبدالله بن عثيمين - شاعر نجد- الصادر عن دار المعارف في القاهرة، عدا مئات الكتب المهداة من بعض المؤلفين إلى أصدقائهم من أدباء وشعراء!
وتعد مكتبة قيس أول مكتبة تجارية للكتاب المستعمل في الرياض، لصاحبها الأستاذ محمد بن عبدالله الحمدان، وكنت أمر عليها منذ أواخر الثمانينيات الميلادية، حينما كانت في مقرها القديم في حي عليشة، واشتريت منها مجموعة لابأس بها من الكتب والمجلات والصحف القديمة.
وفي إحدى زياراتي لهذه المكتبة المتميزة أهداني الأستاذ الحمدان نحو 80 عددا من صحيفة المقطّم المحتجبة - صحيفة مصرية تصدر مساء- التي كانت نواة لأرشيفي الصحفي المتواضع.
ولم أكتف بما اشتريته من مكتبات الرياض، وإنما تطلعت نفسي إلى زيارة مكتبات مكة والطائف والمدينة وجدة، فزرت مكتبة النمنكاني في المدينة المنورة، ومكتبات سور الأزبكية في القاهرة، وبسطات الكتب في ساحة المرجة في دمشق، وسوق الدبّاغين في تونس القديمة، ومكتبة ابن رويّح في الكويت وغيرها.
ولكم أتمنى أن يأتي اليوم الذي يتصدى فيه باحث جاد إلى تسجيل تاريخ المكتبات الأهلية في مدينة الرياض، وتحديد موقعها، وماذا كانت تجلب من كتب ومجلات.
ومن الطريف أنني وقعت أثناء تصفحي لأحد أعداد مجلة المنهل القديمة، على رسالة من قارئ يشكو فيها من سوء توزيع المنهل في الرياض، مما يدل على أن المشكلة قديمة، فأجابه الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري بما نصه: «ولا أريد أن أذكركم بما فعلت مكتبة البيان في الرياض وصاحبها الشطي، فقد ابتلع للمنهل نحو أربعة آلاف ريال، وهرب من البلاد في ليل مظلم»!
ولكننا لا نعرف شيئا عن هذه المكتبة - على سبيل المثال- ولا عن صاحبها، وكم من الزمن عاشت حتى أوصدت أبوابها.
* ما رأيك في هذا التوجه نحو كتابة السيرة الذاتية في السنوات الأخيرة؟ وكيف ترى مستوى هذه السير من خلال اطلاعك على بعضها؟
كتابة السيرة الذاتية مهمة لكل شخص ناجح في حياته، حتى لو كان سائق شاحنة ثم أغتنى بعد ذلك، المهم أن يلتزم صاحبها بالصدق والأمانة في نقل الأحداث والوقائع دون مبالغات؛ لكيلا يقدم للقراء بطولات زائفة تسيء إليه مستقبلا، مع الاهتمام بنشر بعض الوثائق الرسمية والصور الخاصة التي تضفي جمالا للسيرة ومصداقية للقارئ، مع العناية بسلامة اللغة وخلو الكتاب من الأخطاء الطباعية.
ومن الأشياء المبهجة في العقد الأخير هو ما نراه من كثرة كتب السيرة الذاتية بشكل ملحوظ، بعد أن ازداد الطلب عليها، وصارت تحقق نسبة مبيعات جيدة للناشرين، مما أغرى الكثيرين بكتابة سيرهم الذاتية.
وما زلنا نترقب منذ 5 سنوات صدور سيرة الشيخ جميل الحجيلان عن دار نشر شهيرة، فلعلها تصدر قريبا بإذن الله، فلم يعد في العمر فسحة للمراجعة والإضافات.
ويأتي هذا الاهتمام بكتب السيرة الذاتية بعد أن فقدت الرواية بعضا من توهجها، وكثر كتابها من الجنسين، بل إن هناك من هجر الشعر واتجه إلى كتابة الرواية!
وحينما أصدر الصديق د.عبدالله الحيدري كتابه القيّم «السيرة الذاتية في الأدب السعودي» منذ 30 عاما تقريبا، كانت كتب السير قليلة، وأغلبها لجيل الرواد، ولا أحد كان يتوقع أن يخصص النادي الثقافي بجدة إحدى دورات ملتقى قراءة النص لتكون السيرة الذاتية محورا لملتقاه.
أما بالنسبة للشق الثاني من سؤالك فإني لم أطلع على كل ما صدر من سير ذاتية؛ لأحكم على الجيد منها، وربما تكون سيرة د. عبدالواحد الحميد (سنوات الجوف.. ذكريات جيل) - في رأيي- من أفضل ما صدر من كتب السير الذاتية في السنوات الأخيرة؛ لأنها كتبت بأسلوب مشوق وكان صادقا فيما سرده من أحداث في حياته، ولم تصب سيرته - ولله الحمد- بداء اسمه (الترهل).
* حدثنا عن رحلاتك التي قمت بها وكتبت عن بعضها في عدد من الصحف، وكان آخرها ما كتبته تحت عنوان «11 يوما في ربوع اليمن» وحقق نسبة مشاهدات جيدة؟
وقعت في يدي بعض الأعداد القديمة من مجلة العربي في منتصف الثمانينيات الميلادية من القرن المنصرم، وأعجبت كثيرا بهذه المجلة العريقة، وكان أكثر ما كان يشدني من أبوابها هو (اعرف وطنك أيها العربي) الذي كان محفزا لي للسفر والارتحال، ونافذة جميلة يطل منها القارئ العربي على مدن وطنه العربي الكبير، من خلال استطلاعات مصورة زاخرة بالمعلومات والفوائد، في زمن لم تكن قد نالت أكثر الدول العربية استقلالها.
وقد أتيح لي -فيما بعد- زيارة بعض هذه البلدان على قدر إمكاناتي، وما يسمح به وقتي، وكان أكثر ما كنت أحرص على زيارته، المكتبات العامة ومكتبات الأرصفة وما تحويه من كنوز مطمورة، ولم أكتب - للأسف- عن كل هذه الرحلات، وإنما كتبت عن بعضها ونشر في صحفنا.
ورحلة اليمن التي أشرت إليها في سؤالك، كتبت عنها هذا المقالة بعد مضي 15 عاما تقريبا من القيام بها، قبل اندلاع الثورة وسقوط نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ولولا أنني دونت هذه الرحلة في مفكرة يومية رؤوس أقلام- لتبخرت كل أحداثها من الذاكرة المثقوبة!
ووصفت في تلك المقالة مشاهداتي، وما رأيته في بعض مدن اليمن ومحافظاته من طبيعة ساحرة، وجبال شاهقة، وأسواق قديمة، ومتاحف متنوعة، وكنت أتمنى أن أتمكن من زيارة متحف الأديب الأستاذ علي أحمد باكثير، ولكن هذا ما لم يتيسر لي تحقيقه في هذه الرحلة.
وصادف وصولي إلى صنعاء - آنذاك- وجود حدثين مهمين - سياسي وثقافي- وهما؛ الاحتفال بالذكرى رقم 38 لقيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، وافتتاح معرض الكتاب الدولي في دورته السادسة والعشرين.
ولم يكن يدور بخلدي حينما كتبت هذه المقالة المتواضعة - في وقت قصير- أن تبلغ عدد المشاهدات هذا الرقم الكبير، وأن يكتب الله لها هذا القبول والانتشار.
* لك اهتمام بالرسائل الأدبية وراسلت عددا كبيرا من أدباء الوطن العربي، فمتى بدأ هذا الاهتمام بأدب الرسائل؟ وهل نشرت شيئا منها؟
اهتمامي بالرسائل جاء مبكرا وفي عهد الصبا، وكانت البداية حينما كان والدي يكلفني بكتابة رسائل العمال الذين كانوا يعملون في مزرعتنا إلى أهاليهم في صعيد مصر، ونقل أشواقهم وتحياتهم؛ لأنهم كانوا (عوام) ولم يكن هناك من وسيلة للتواصل آنذاك- مع أسرهم سوى الرسائل التقليدية أو عن طريق تسجيل صوتي على شريط كاسيت!
ثم ازداد اهتمامي كثيرا بالرسائل بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي البغيض، فأتيح لي مراسلة عدد كبير من الأدباء والشعراء - وأغلبهم ليسوا سعوديين- وحسبك أن أذكر من هؤلاء: عبدالسلام العجيلي، ومحمد رجب البيومي، ووديع فلسطين، ومحمد عبدالمنعم خفاجي، وعيسى فتّوح، ونور الدين صمّود، وعبدالكريم الأشتر، وعمر الدقاق، وأحمد مطلوب، وأحمد الطماوي، وحسني السيد لبيب، وعبدالخالق فريد وغيرهم.
ولم أنشر من رسائل هؤلاء سوى رسائل العلامة د. البيومي -رحمه الله- ولولا إلحاح الصديق الشيخ محمد بن سعود الحمد بالمبادرة بنشرها ما كان لهذه الرسائل أن ترى النور؛ لأني لا أريد أن أتاجر بعواطف الأصدقاء مهما كانت أهمية رسائلهم وما تحمله من قيمة أدبية.
ومما شجعني على نشر هذه الرسائل هي أنها قليلة - 18 رسالة- ويمكن صفها ومراجعتها بسهولة، وقد صدرت في كتاب لطيف من ضمن منشورات دار الثلوثية لصاحبها الأخ د. محمد المشوح، فله الشكر الجزيل على اهتمامه بطبع الكتاب بهذه السرعة وبهذه الطباعة الأنيقة.
* هل للرواية نصيب من قراءاتك المتعددة في مجالات مختلفة؟ ومن أقرب كتّاب الرواية إلى نفسك؟
في الواقع أنني لا أميل إلى قراءة الروايات ولا أستسيغها، مهما بلغت شهرة كتابها ونالوا من الجوائز وشهادات التقدير، وأستغرب كثيرا من تهافت الناس على شراء الروايات واقتنائها والبحث عنها في كل مكان مهما كلف الأمر، مع ارتفاع أسعارها وضخامتها - بعضها يقع في عدة أجزاء- وهي من نسج الخيال!
وقد شاهدت جماعات من الناس - رجالا ونساء- في معارض الكتب في الرياض وجدة والقاهرة والشارقة والكويت وغيرها يقفون في طوابير طويلة، وينتظرون دورهم؛ ليتفضل المؤلف - مشكورا- ويكتب لهم إهداءات سريعة على روايته الجديدة، بعد أن دفعوا ثمنها مقدما عن طيب خاطر!
وقد التقيت الروائي الطيّب صالح مرارا في مهرجان الجنادرية، ولا أذكر أنني سألته ذات مرة عن روايته الشهيرة (موسم الهجرة إلى الشمال) أو طلبت منه التقاط صورة تذكارية، بل كان حديثنا يدور - في الغالب- حول ما يكتبه في زاويته «نحو أفق بعيد» في مجلة (المجلة) اللندنية.
وأعترف أن قراءاتي للروايات والأقاصيص قد توقفت منذ زمن بعيد عند مرحلة: محمود تيمور، ونجيب محفوظ، ومحمود البدوي، ويوسف السباعي، ومحمد عبدالحليم عبدالله، ويوسف إدريس، وأمين يوسف غراب، إلى جانب قراءة بعض روايات حامد دمنهوري - بطبعاتها الأولى- وبعض أعمال الأستاذ غالب أبو الفرج وإبراهيم الناصر الحميدان.
ولقد كان معرض الكتاب الخيري الذي يقيمه النادي الأدبي بالرياض سنويا - مشكورا- فرصة لي للتخلص من هذه الروايات الكثيرة التي احتلت جزءا كبيرا من مكتبتي الخاصة، ولم يبق الآن من تلك الروايات سوى بعض أعمال جيل الرواد، أو ما عليه إهداء بخط المؤلف وهو قليل.
* ماذا عن تجربتك الصحفية وقد كنت نشطا في إجراء بعض الحوارات الصحفية ثم توقفت؟
لست صحفيا بالمعنى الحقيقي للصحفي الذي يحمل بطاقة صحفية من المؤسسة الصحفية الذي ينتمي إليها، ويكلف من قبل الصحيفة بتغطية الأحداث والمناسبات الثقافية أو الرياضية أو الاقتصادية، ويتدرج في العمل الصحفي حتى يصل إلى كرسي رئاسة التحرير، وفي نهاية العام يحصل على راتبين مكافأة له بعد الإعلان عن الأرباح، وإنما هي اجتهادات صحفية متواضعة - من منازلهم- قمت بها في فترة مضت من حياتي، إلى جانب كتابة بعض المقالات القليلة وفي فترات متباعدة.
وقد توقفت عن إجراء الحوارات الصحفية بعد أن أجريت نحو 40 حوارًا، مع شخصيات أدبية وفكرية -من داخل المملكة وخارجها- وجمعت بعضها في كتاب عنوانه (أحاديث أدبية) قدم له الأخ الأستاذ خليل الفزيع.
ومن أبرز المقابلات الصحفية التي أعتز بها هو حواري مع الشاعر الأستاذ عمران بن محمد العمران بعد تقاعده من الوظيفة بسنوات قليلة، وابتعاده عن الساحة الثقافية، وهو الذي كان ينوب عن الشيخ حمد الجاسر في الإشراف على صحيفة اليمامة إذا سافر الجاسر خارج المملكة، فاقتحمت عزلته بعد أن وافق على إجراء الحوار الطويل الذي نشر على حلقتين في المجلة العربية، وكان ذلك في عهد الأستاذ حمد القاضي.
* في ختام هذا الحوار هلا حدثتنا قليلا عن مؤلفاتك، وهل هناك كتب جديدة ماثلة للطبع؟
صدر لي كتابان هما: «أحاديث أدبية»، صدر عام 1429هـ، وكتاب «من رسائل العلامة د. محمد رجب البيومي» عام 1443هـ، وهناك كتاب ثالث اسمه «خواطر قلم» - تحت الإعداد- وهو مجموعة منتقاة من بعض مقالاتي القديمة والحديثة المتناثرة في بعض الصحف والمجلات، وقد استبعدت منها ما يمثل البدايات أو المحاولات الأولى للكتابة، فليس كل ما ينشر في الصحافة يستحق الجمع.