«الثقافة العربية اليوم في مأزق.. وعند مفارق طرق.
المأزق ناشئ من حيرة الثقافة، أو ربما من شعورها بالعجز»
عبد الرحمان منيف
أصبح الرهان اليوم على الثقافة أشبه بالحلم، وضرورة ملحة في مختلف المجتمعات للسير قدما نحو طريق التطور والابتكار. ففي عام 1993م كتب صامويل هنتنجتون عن صدام الحضارات، وأكد على أن اشتداد الصراعات سيكون مستقبلا حضاريا وثقافيا.
وهذا يدفعنا إلى محاربة الجهل والأمية والرفع من مستوى التّعليم والتّعلم، كما يقول ادولف هتلر: «العين التي لا تبكي لا تبصر في الواقع شيئًا»، ومنه فإننا إن لم نعي حجم الضرر الذي يمكن أن يصيبنا جراء التغاضي عن سبل التطور والانفتاح فيمكن أن نتعرض للأسوأ، وحتى يتسنى لأفراد المجتمع امتلاك روح وثقافة وحسن نقدي يحميهم من موجة الاستلاب والخنوع والخضوع والانصياع والانبطاح والانكسار والانهزام أمام موجة الثقافات الأخرى، كما يقر بذلك المهاتما غاندي بقوله:»يجب أن افتح نوافذ بيتي حتى تهب عليه رياح جميع الثقافات، بشرط ألا تقتلعني من جذوري».
وقوة المجتمعات تكمن في الحفاظ على ثقافاتها الأم مع الحرص على تطويرها وتجويدها والتمكين لها على مر العصور وعبر جميع الأجيال حتى يمتلكوا أسباب الدفاع عن مجتمعاتهم حالما تعرضت إلى اعتداءات ثقافية، سياسية، اقتصادية، وإرهابية كما يحدث الآن. حينها سيكون المجتمع المثقف قويا وباستطاعته أن يرد على الاعتداءات سواء كانت داخلية أو خارجية.
الرهان على الثقافة، ليس فقط شأنًا داخليًا ضيقًا، بل له دور كبير أيضا في تبادل الاحترام والتعاون الدوليين.
فالثقافة في عالم اليوم، لم تعد فقط فضاء للابتكار والإبداع، ولكنها تحولت إلى وعي نقدي، تسنده قيم الحرية والمساءلة في المجتمع السياسي والمجتمع المدني…، تحولت إلى فعل يومي لتحصيل المعرفة وتربية الذوق وتنمية الملكة النقدية…، وهي بذلك وضعت نفسها في مواجهة القيم السلبية والرجعية التي تسعى إلى تحويل الثقافة والمثقف إلى “أعوان” للسلطة وخدامها.لذلك تظل الثقافة في عرف الأنثربولوجيين وعلماء علم الاجتماع الثقافي، بنية متحولة باستمرار، خاضعة لتأويلات التجارب الجديدة التي تصادف التاريخ في سيرورته، وهو ما يجعل منها شرطا أساسيا لإعادة بناء الرؤى حول القضايا الحيوية المرتبطة بالإنسان وبجوهر كينونته.
يقول فيودور دوستويفسكي: «إنني أفهم طبيعة الشباب في هذا الزمان، نعم إن أدمغتها قد شاخت قبل أن تنضج».
ويشير الدكتور: عبد الرحمن منيف في كتابه القيم «بين الثقافة والسياسة»: «... لذلك نلاحظ الآن زيادة طغيان الثقافة الأميركية، يقابلها تراجع الثقافات الوطنية، كما نلاحظ تصدير أنماط من الأفكار والأساليب بهدف إرباك الثقافات الوطنية وتغيير أولوياتها، وأيضا إشغالها عن همومها الحقيقية، وإغراقها في هموم واهتمامات لا تعنيها في المرحلة الراهنة. كل ذلك من أجل كسب الوقت، وبالتالي زيادة الفجوة بين المتقدمين والمتخلفين، من أجل استمرار صيغة الاستغلال والهيمنة والتبعية..».
خلاصة القول، لا يمكن أن نحدث فعلاً ثقافيا في غياب رؤية استراتيجية واضحة للدول، من خلال المساهمة في بناء الإنسان قبل بناء العمران، وإعداد أجيال فاعلة مُدرِكَة للتّحديّات ومواكبة للعصر، وليست أجيال مُدْرَكَة مُستلبة ثقافيّا وتكنولوجيّا ومعرفيّا وتاريخيّا أي أصبح متحكما فيه بحجة الذكاء الاصطناعي الذي بلد الإنسان عوض أن يطوره.
** **
- د. أسامة خضراوي