علاوة على التأثيرات الكبيرة للكتب في الأفراد فإن لها تأثيرات اجتماعية لا يمكن نكرانها؛ فهي أولًا أفضل ناقل للأفكار والثقافات بين مختلف الأجيال في أي مجتمع، يضاف إليها التجارب والمعطيات المستجدة. كما أن أي إضافة معرفية لأفراد المجتمع تنعكس بالضرورة على المجتمع تطورًا ونماء. ويفترض أن مزيدًا من القراءة في المجتمع يعني غالبًا مزيدًا من الانفتاح في عقولهم ومزيدًا من التفهم والتفاهم، وزيادة في منسوب التعاطف مع الآخر لديهم، وهو ما ينعكس غالبا على تعاملاتهم اليومية بناء على أن مزيدًا من المعرفة يعني مزيدًا من الثقافة، ومن ثم مزيدًا من أن يعذر بعضهم بعضًا، وربما أدى إلى مزيد من التعاون، وإلى تقبل فكرة أن أي اختلاف في الرؤى لا يعني الخلاف بل مجرد تباين يمكن التعايش معه؛ تطبيقًا للرؤية القائلة: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه.
ويمكن أن تسهم الكتب حين تأخذ دورها الفاعل في المجتمع في صهر مختلف الشرائح والتوجهات الفكرية والوطنية في المجتمع في رافد واحد يصب في خدمة أهدافه، ما يعزز بالضرورة من استقرار ونمو المجتمع وتقدمه، لكنها في الوقت عينه تحافظ على التنوع القائم بين شرائحه دون أن تغمط شريحة منه حق شريحة أخرى.
يمكن للكتب كذلك إن تبوأت مكانتها بين الناس أن تقودهم إلى معالي الأمور، وإلى الأخلاق الإنسانية النبيلة، وإلى نبذ كل سلوك غير سوي، كما فعلت رواية العم توم في الولايات المتحدة الأمريكية وأثرت على الحياة الاجتماعية فيها.
تتحدث هذه الرواية - التي كتبتها هارييت بيتشر ستو ونُشرت في مجلدين عام 1852 - عن حياة العبودية في أمريكا وقسوتها، وقد تمكنت هذه الرواية من التأثير في الأمريكيين من أصل أفريقي، حتى إن بعضهم يعدها سببًا في قيام الحرب الأهلية هناك؛ بسبب الموضوع نفسه وهو العبودية.
وتدور الرواية حول شخصية عبد أسود اسمه العم توم، تنقل بين عدة أسياد عانى خلال ذلك الأمرَّين، وهو ما عكس وحشية النظام الاجتماعي هناك آنذاك. وبعد معاناة طويلة مات توم تحت التعذيب بسبب رفضه خيانة زملائه العبيد.
وقيل إنه قد بيع من هذه الرواية يوم نشرها في ذلك التاريخ 3000 نسخة، كما طبعت أربعون طبعة في عام واحد. ويقول منير البعلبكي، ناقل الرواية إلى العربية: «بل إن خمسمئة ألف إنكليزية وقعن خطاب شكر موجهًا إلى المؤلفة. وجمعت اسكتلندا ألف جنيه من أشد سكانها فقرًا، بنسًا واحدًا من كل، كمساعدة رمزية لحركة تحرير العبيد. وإلى جانب طبعات خمس صدرت باللغة الفرنسية، ترجم الكتاب إلى الأرمنية و.... ويقال إن بعض الروس أعتقوا أقنانهم بسبب من عظيم تأثرهم بالقصة» (المصدر، ص6).
وأحدثت القصة لدى نشرها هزة في الديار الأمريكية من أقصاها إلى أقصاها (ص6)، ووصل للمؤلفة سيل من الرسائل من كل مكان بين مؤيد ومعارض، كان منها: «أذن رجل زنجي وورقة كتب عليها ما مفاده أن هذا الصنيع هو إحدى النتائج المحتومة لكل حملة تشن من أجل الدفاع عن (الزنوج اللعينين)» (ص7).
وحين اجتمعت الكاتبة بالرئيس أبراهام لنكولن قال لها: حسنًا، مسز ستو، إني سعيد بأن أرحب بك بوصفك مؤلفة تلك القصة التي أحدثت هذه الحرب العظيمة (ص7).
** **
- يوسف أحمد الحسن
منصة X: @yousefalhasan