يعيش الوطن والمواطنون هذه الأيام في رحاب عبق يوم التأسيس لهذا الوطن العزيز «المملكة العربية السعودية» وفي خضم مشاعر الفخر والاعتزاز بذلك اليوم العظيم في تاريخهم الوطني المجيد؛ ذلك اليوم الذي بزغ فيه فجر خير وفلاح للعباد والبلاد، بعد أن كانت رياح الفرقة والخلافات والتشرذم والعداوات والحروب والنزاعات بين البلدان والقبائل والجماعات في البلدان والولايات تعصف بالناس من بدو وحضر من أهل المدر والوبر؛ وبعد أن كان الخوف والقلق هو السائد في حياتهم في ليل ونهار، وفي سر وجهار؛ إنه ذلك اليوم الذي أنعم الله به، وبما آل إليه من خير متواصل وفلاح يتجدد على أهل هذه البلاد، حين وفق الله الإمام المؤسس للدولة السعودية (محمد بن سعود بن محمد بن مقرن) إلى أن ينهض عام 1139هـ، الموافق 22 فبراير 1727م، بالقيام بتوحيد شطري الدرعية نفسها، وجمع كلمة أهلها تحت قيادته الحكيمة الموفقة، التي كانت إيذاناً بانطلاق مرحلة جديدة من التاريخ العظيم للعباد والبلاد بما تميز به من أمن وسلام، ومن محبة ووئام، ومن هدوء واستقرار.
فمنذ مطلع منتصف القرن الثاني عشر كان يعيش على ضفاف وادي حنيفة، وفي غيره من المناطق والأقاليم عدة قرى وبلدان؛ مجتمعها عربي ودينها الإسلام؛ ولكنها كانت تمثل قرى وبلداناً، فاقدة للأمن والسلام متعددة الأمراء والرؤساء، وبينها من التنافر والعداء ما بينها؛ ونذكر على سبيل المثال لا الحصر؛ إمارة الدرعية، وإمارة العيينة، وإمارة حريملاء، وإمارة الرياض، وإمارة مقرن، وإمارة معكال، وإمارة منفوحة..إلخ؛ بل كان لبعض الإمارات في نجد في بعض الأوقات، أكثر من أمير؛ فالتويم سنة 1120هـ كان فيها أربعة أمراء نتيجة قتال بين الأقارب؛ وكانت تسمى المربعة لذلك، ومثل ذلك كانت حريملاء وفيها قبيلتان ولكل منهما رئيس؛ يقول ابن بشر في عنوانه: «وكان رؤساء أهل حريملاء قبيلتين، أصلهما قبيلة واحدة، وهم رؤساؤها، وكل منهم يدعي القول وليس للأخرى على الثانية قول ولا للبلد رئيس يزع الجميع».. والدرعية نفسها كان فيها أميران، واحد في (سمحان) وآخر في (غصيبة) وكانت تلك القرى والبلدان، من الناحية السياسية والاجتماعية، كيانات مستقلة، وكانت تشبه ما يُعرف بالدول المستقلة، وكثيراً ما تنشب بينها المناوشات التي ربما وصلت إلى التناحر والحروب، ويكفينا دليلاً على ذلك قول شاعرهم الشعبي:
ياما حلا والشمس بادي شعقها
ضرب الهنادي بين مقرن ومعكال
وأما عن الحال العلمية والدينية؛ فلم تكن بأحسن حالاً من حالتهم السياسية والاجتماعية؛ فإنه على الرغم من وجود بعض العلماء، وبعض القرّاء، والوعّاظ الذين كان لهم دورهم النسبي في ذلك الوقت في حياة السكان، إلا أن آثار الأمية وشيوع الجهل من الأمور الواضحة في حياة الناس؛ وبخاصة من حيث انتشار بعض البدع والخرافات في المظاهر الدينية.
لقد كانت تلك الأحوال وأمثالها كثير في حياة الناس، قبل أن يقوم الإمام (محمد بن سعود بن مقرن)؛ بتوحيد إمارة الدرعية وجعلها في رئاسة واحدة ما جعل لها أهمية وشأناً علا بها على بلدان أخرى، وصار لها، بهذا التوحيد وجمع الكلمة على قيادة واحدة، شُهرة وتفوق واستقرار وانطلاق في آفاق لا حدود لها نحو التقدم والازدهار، في ظل أمن وارف واستقرار مستتب.
ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم بحمد الله وشكره عاشت الدولة السعودية، عبر أطوارها ومراحلها التاريخية عهوداً زاهية متتالية، تتابع فيها الخير والفلاح، قيادة وشعباً؛ على الرغم من تكالب قوى الشر على الدولة السعودية الأولى عام 1233هـ؛ حيث إنها لم تلبث سوى بضع سنوات قليلة، حتى أعادها الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود سيرتها الأولى وتواصل عطاؤها وفضلها على العباد والبلاد، وحين عصفت بالدولة السعودية الثانية رياح الفرقة والخلافات لعدة سنوات؛ نهض صقر الجزيرة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن ابن فيصل آل سعود، طيَّبَ الله ثراه، وأعاد للدولة شبابها وحيويتها، وأعاد تأسيسها بثوابتها ومقوماتها الأساسية في إطار من التحديث ومواكبة مظاهر التقدم والتطور في العالم في ذلك الوقت، وشهدت المملكة العربية السعودية، في عهده نهضة علمية واجتماعية واضحة، وتمتعت بقوة ومنعة، في ظل سياسة حكيمة فرضت مكانته وهيبتها واحترامها في الدوائر السياسية العالمية، وواصل أبناؤه البررة من ملوك المملكة العربية السعودية رسالتهم في قيادة الوطن والعمل من أجل تحقيق أمنه ورخائه وتطوره.
وتعيش (المملكة العربية السعودية) اليوم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله، ومعاضدة سمو ولي عهده، رئيس مجاس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله عهداً زاهراً بكل المقاييس، ومرموقاً من قبل الداني والقاصي: بما يتحقق فيه من تقدم وازدهار للمواطن والوطن.
ويعيش المواطن السعودي حياة زاهية تنعم بالأمن والرخاء وجودة الحياة، في ظل الرعاية والتمكين المكين في كثير من الميادين والمجالات، وفي إطار رؤية المملكة 2030 وسياساتها هذه الرؤية التي هي من رؤية عرابها وابن بجدتها صاحب السمو الملكي الأمير (محمد بن سلمان) ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله ورعاه ووفقه وأعانه؛ فقد جعلت هذه الرؤية فجر الدولة يتجدد، وتنميتها تستمر وتتطور، وأمنها وأمانها يستتب ويتعمق، وأصبحت آثارها واضحة ملموسة للمواطن، ولغيره، في الداخل والخارج، يشهد لها العدو قبل الصديق، فتنميتها للوطن والمواطن مستدامة، وإصلاحاتها الاقتصادية بارزة، ومواجهة الفساد من أجلها مستمرة، وطموحاتها ذات تطلعات حالمة بلا حدود، وأحلامها متفائلة واثقة، وآفاقها واسعة متنوعة، ووقودها وأدواتها وهدفها، هم أبناء الوطن وبناته، وميادينها أوجه الحياة وأنشطتها وخدماتها ومجالاتها المتعددة المتنوعة؛ في الحياة العلمية، والرعاية الصحية والاجتماعية، والاقتصادية، وتنويع مجالات الاستثمار، والتركيز على القطاع الصناعي، واستخدام التكنولوجيا المتطورة (الهاي تك) في الصناعات بعامة، والصناعات الحربية، والعمل الجاد لنقل التقنية الحديثة المتطورة بما يمثل توجهاً نحو حركة صناعية واعدة، وذلك من خلال سياسة المملكة التي تتجه بدلاً من شراء التقنية إلى السعي إلى نقلها وتوطينها، وإنتاجها؛ ومن سبل ذلك مطالبة الشركات الصناعية الأجنبية التي تتعاقد معها حكومة المملكة، بنقل نشاطها أو جزء منها إلى داخل المملكة وإتاحة الفرصة لأجيال الشباب السعوديين للمشاركة والانخراط في تلك الصناعات وتقنياتها الحديثة المتطورة لاكتساب الخبرة والمهارة تمهيداً لقيادة العمل الصناعي فيما بعد، والتمكن من استيعاب التقنية وإنتاجها.
ومن حقنا نحن المواطنين؛ أبناء هذا الوطن وبناته وشيبه وشبانه ورجاله ونسائه وكباره وصغاره الذين ننعم بالعيش فوق ثراه وتحت سمائه وننعم بأمنه وأمانه ورخائه وسخائه أن نتغنى بتاريخه وأمجاده وأن نفخر بإنجازاته وعطائه وأن نباهي بإخلاص قيادته وأن نعتز بحنكتها وحكمة سياساتها، وتفانيها في خدمة الوطن وأهله، وبذلهم الغالي والنفيس من أجل الارتقاء به وصيانة مكانته، وحفظ كيانه ومنجزاته.
وقد قلتُ في ذلك:
نفديكم آلَ السّعود فأنتمُ
من نَبْعِ خير بالهَُدى يتجدَّدُ
فاضت فواضلكم وفاض بها الندى
من فيضكم نهرُ الندى يتزوّد
كم يعلم التاريخ من صفحاتكم
بيضاً على مر الزمان ويشهد
ومحمد من آل مقرن قد بدا
عهد الشريعة؛ نهج حق يُحمد
من مبدأ التاريخ قام معاهداً
للشيخ يدعو للصلاح ويجهد
من بعده تركي الذي جلاّ علا
لا ينثني أبداً ولا يتردد
حين استراب الخل من خلانه
وغدا الفتى عن خله يتبعّد
واستحكم البؤس الشديد بربعنا
والظلم ساد بحينا ويهدد
الأجرب الصمصام كان مبارياً
للسيد المقدام لا يتبعّد
تركي أعاد الأمن في فلواتنا
دَعْدٌ بها تسعى وترعى مَهْدَد
واذكر أبا تركي تدارك أمة
لما اشتكتْ وتوجعتْ تتوجّد
لبَّى النداءَ مبادراً في لُجّة ال
أهوالِ لا يخشى ولا يتلددُ
الله أرشده وسدَّدَ خطْوَه
بالدين فيها يستعيدُ يوحِّدُ
عبد العزيز الصقر أحيا دولةً
بالله يسعى والشريعة مَقْصد
وليوث عز قد توالت بعده
تحمي حمى الدين الحنيف وتعهد
أنتم لنا مجد وفخر دائماً
نزهو به في دارنا نتعبّد
طاعاتنا لولاتنا دين لنا
وديارنا فيها النبي محمد
والكعبة الغراءُ في أم القرى
يُسعى إليها في الحياة ويُسْجَد..
في خدمة البيتين والدين الذي
وفَّّى الإلهُ. لنا المنار الأسعد
من ذا يفاخرنا وفي دار السّعُو
دِ لنا مناراتُ الهدى تتوقّد
وحي تنزل في ربا بلدي سَنَاً
والضادُ فيها والهُدَى والمَنْجَدُ
الله أكرمنا وعَز ّ بلادنا
الوحيُ يُتْلى والحديثُ يُسَنَّد
والراية الغرا شعار واحد
الشعب جند والحسام مهنّد
وأقولُ أيضاً:
وطني هنئتَ سَنَاً فأنت الأوّلُ
في ظل رايتك الهدى هيَ أفضلُ
وطني هنئت بكل يوم عِشْتَه
في ظل رايتك الهدى هي أجملُ
وطني هنئت بكل ما أسديتَه
للشعب فيكَ زها الأمانُ ومَنْزِلُ
طاب الأمانُ بأرضه وبسربه
قد ضاء للعُبَّاد فيه المشعل
كم زان للعُبَّاد في عرصاته
حُسْنُ المشاعر للحجيج تَجَمَّل
وطني هنئتَ بكل ما قدمتَه
للناسِ منكَ وطابَ فيك المحفل
وطني هنئتَ بكل برٍّ سقتَه
للعالمينَ نجابةً تتحمَّل
دامتْ بك الأفراحُ فينا والهنا
والعزُّ دامَ ودامَ نصرُكَ يرْفُل
والراية الخضرا شعارٌ دائمٌ
يزهو على كل الأنام و يفضل
يعلو على كل البنود رجاحة
عَلَمُ الندى فيه الهدى والصيقل
وولاة أمر بان فيك بناؤهم
حزم وعزم والسداد وفيصل
سلمان ساد بحكمة وعزيمة
لا ينثني أبدا ولا يتمهَّل
روحُ القيادةِ شأنُه وعضيدُه
صِنْوُ الأبوّةِ من يقولُ ويفعلُ
ومحمدٌ وهو الأبِيُّ صلابةً
للعهد صانَ وللأمانةِ يَحْمِلُ
رأيٌ سديدٌ والطموحُ بهمّةٍ
عُلْيَا توثّبُ بالبلادِ وتَبْذُلُ
إنه وطن عزيز وعالٍ وغالٍ ولا يشبهه وطن في هذا العالم لما فيه من خصائص وميزات يتفرد بها وكما قال شاعر الوطن الأمير بدر بن عبد المحسن:
فوق هام السحب وإن كنتي ثرى
فوق عالي الشهب يا أغلى ثرى
مجدك لقدام وامجادك ورى
وان حكى فيك حسادك ترى
ما درينا بهرج حسادك أبد
إنت ما مثلك بها الديا بلد
ومن حق المواطن أن يرفع رأسه فخراٍ واعتزازاٍ بوطنه وقيادته الحكيمة الموفقة الملهمة؛ وكما قال المواطن الأمير خالد الفيصل: ارفع رأسك أنت سعودي. ومن حق المواطن أن يزهو بما يحققه وطنه من تفوق مشهود، وأمجاد ونجاحات متحققة في مجالات الحياة المختلفة وشواهدها ظاهرة للعيان وهي محط الإعجاب والتقدير، ومن القريب والبعيد.
ومن حق الوطن والمواطن السعودي، أن يواصل مسيرته الظافرة، في التنمية والتقدم والتطور والإصلاح، بعون الله ومشيئته، شاكراٍ لأنعم الله ومنه، وسائلاً الله الكريم المزيد من فضله وعطائه، غير ملتفت إلى نعيق الغربان، وغير عابئ بحسد الحاسدين على ما هو فيه من نعمة وخير وفضل من الله المنعم الكريم؛ وصابراً على حسد الحساد ومتجاوزاً كيد الأوغاد؛ فكل ذي نعمة محسود، والحاسد لا يضر إلا نفسه ومع الصبر الظفر، وكما قال الشاعر الحكيم:
اصبر على مضض الحسود
فإن صبركَ قاتلهْ
فالنار تأكل نفسها
إن لم تجد ما تأكلهْ
أو كما قال الشاعر الآخر:
كناطح صخرة يوما ليوهنها
فام يضرْها وأوهى قرنه الوَعلُ
ونثق بالله ونعتمد عليه، مؤمنين بأن صلاح سلف هذا الوطن قيادة وشعباً، يدرك خلف هذه الأمة، وكما قال الله ربنا في تنزيله المبين: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} (الكهف 82).
ودام عزك يا وطن. ودام خيرك يا وطن للكبار والصغار، للرجال والنساء، للفتيان والفتيات،
وقال تعالى: {كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (سبأ: 15) والحمد لله رب العالمين.
** **
- د. محمد بن حسن الزير آل حمد