تحيي المملكة العربية السعودية الشقيقة اليوم ذكرى يوم التأسيس، تحت عناوين جديدة من النجاح والتطور، والتي تأتي استكمالا لما بدأه الأولون في خدمة هذا البلد المبارك وبنائه. فبعد إعلان الإمام محمد بن سعود عن تأسيس الدولة السعودية الأولى في مثل هذا اليوم 30 جمادى الثانية 1139هـ إيذانا ببزوغ فجر الدولة السعودية، صدر المرسوم الملكي لحضرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بتاريخ 27 يناير 2022، لتخليد هذه الذكرى العزيزة بما تحمله من معان جوهرية خالدة وعرفانا وإنصافا للأجداد الذين بذلوا الغالي والنفيس لبناء دولة يفخر أبناؤها اليوم بما تحقق لهم على مر السنين من إنجازات طالت جميع المجالات بفضل حكمة قيادتها التي استثمرت في نجاحات السابقين من الأئمة والأمراء والآباء المؤسسين، لتتشكّل المملكة العربية السعودية، كما نعرفها اليوم الدولة الرائدة إقليمياً ودولياً في شتى المجالات، والتي ما فتئت تتعزز مكانتها بين الأمم حضارياً وتنموياً، يوماً بعد يوم.
وإذ أعرب عن عميق سعادتي وامتناني لتواجدي في ربوع هذه الأرض الطيبة، ومشاركة أبنائها احتفالاتهم بذكرى يوم التأسيس الموافق لـ22 فبراير من كل سنة، فإني كذلك، أجدّد تهاني الصادقة للشعب السعودي الشقيق الذي يحظى برعاية واهتمام متواصلين من لدن حضرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، القائمين على بناء مستقبل هذه الأمة ورسم نجاحات هذا البلد الطموح، وهو ما أكّدته «رؤية المملكة 2030» التي جاءت لتكرّس مجتمعا حيويا، منفتحا على المستقبل والحداثة، ومواكبا للتّطوّر العلمي والتكنولوجي، مع التّمسّك بالجذور وقيم ديننا الاسلامي الحنيف ومبادئه.وقد شاركت المملكة العربية السعودية ثمرة تطورها وازدهارها مع دول العالم، من خلال تقديم الدعم والوقوف مع المتضررين من مختلف الأزمات والكوارث، وإقرار جملة من المبادرات والبرامج المتنوعة لدعم التنمية المستدامة في عديد دول العالم، بتوجيه من القيادة الرشيدة.وبهذه المناسبة، تؤكد تونس على اعتزازها بمتانة العلاقات الأخوية والتاريخية التي تربطها بالمملكة العربية السعودية منذ أكثر من سبعين سنة، وعلى حرص سيادة رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيّد وإيمانه العميق بمزيد الارتقاء بعلاقات التعاون بين البلدين وتعزيزها، للوصول بها إلى مرتبة الشراكة الاستراتيجية من خلال تفعيل آليات التعاون المختلفة، وبما يتيح تبادل المنافع والاستغلال الأمثل للإمكانات الكبيرة المتوفرة في البلدين، واستشراف آفاق جديدة للشراكة في مجالات واعدة، بما من شأنه أن يعكس الإدراك المشترك لقيادتي البلدين بأهمية ترسيخ قيم التضامن والتآزر والتكامل، خدمة لمصلحة البلدين والشعبين الشقيقين.هذه العلاقات الأخوية الضاربة في القدم، والمستمرة عبر العصور والأجيال، جسّدتها لقاءات قيادتي البلدين والزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين فيهما، حيث التقى سيادة رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيّد بصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، وذلك على هامش القمة العربية - الصينية التي احتضنتها مدينة الرياض بتاريخ 09 ديسمبر 2022، حيث عكس هذا اللقاء عزم سيادته مواصلة العمل المشترك مع قيادة المملكة لتدعيم أواصر الأخوة المتينة والراسخة في التاريخ، ومزيد تعزيزها ولاسيما في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتنموية، وكذلك بمناسبة مشاركة سادة رئيس الجمهورية في أشغال القمة العربية 32 على مستوى القادة بتاريخ 29 مايو 2023 بجدة.
كما أدى معالي وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، السيد نبيل عمار، زيارة إلى المملكة العربية السعودية في مناسبتين متقاربتين بتاريخ 18-20 يوليو 2023 في إطار جولة خليجية، وبتاريخ 03 سبتمبر 2023 بمناسبة عقد الدورة الثالثة للجنة المتابعة والتشاور السياسي برئاسة وزيري خارجية البلدين، مثلتا إطارا مهما لمزيد بحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين الشقيقين.
ويعرف التعاون التونسي السعودي حالياً مساراً تصاعدياً بعد انعقاد الدورة 11 للجنة المشتركة التونسية - السعودية، بتونس يومي26 و27 ديسمبر 2023، والتي توّجت أشغالها بتوقيع 7 اتفاقيات في مجالات المياه والبحث العلمي الزراعي، والبيئة، والسياحة، والصناعة، والعمل، والأرصاد الجوية. كما تم على هامش أشغال هذه اللجنة تنظيم منتدى الاستثمار والشراكة التونسي السعودي، بمشاركة أكثر من 300 ممثل عن القطاع الخاص من الجانبين، فضلا عن انعقاد مجلس الأعمال المشترك، بحضور حوالي 100 من رجال الأعمال السعوديين، حيث شكل مناسبة لتباحث فرص الشراكة والاستثمار في عديد القطاعات، مثل النقل واللوجستيك خاصة النقل البحري، وتكنولوجيا المعلومات والاتصال، وزيت الزيتون، وتصدير الخدمات الصحية، وإنتاج الأعلاف، وتعليب التمور وتعبئتها وتصديرها.
وبمناسبة اللقاء الذي جمعه بمعالي وزير الصناعة والثروة المعدنية السيد بندر الخرّيف، رئيس الوفد السعودي للجنة المشتركة، أكد سيادة رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيد على حرص تونس على توفير مناخ سليم وملائم لتشجيع رجال الأعمال والمستثمرين على الاستثمار في تونس وإرساء علاقات شراكة وتبادل مع نظرائهم التونسيين في عدة قطاعات واعدة على غرار الطاقات المتجددة وتحلية المياه والصحة والصناعات الدوائية، وتوفير كل أسباب النجاح لهذا التعاون في كل المجالات.
ولا شك أن مسار العلاقات المتميزة التي تشهد ديناميكية قوية على مستوى التعاون الثنائي شملت جميع المجالات، بما في ذلك تبادل الدعم لاحتضان التظاهرات العالمية الكبرى. ويتنزل في هذا الإطار صدور التعليمات السامية لسيادة رئيس الجمهورية، بدعم ترشّح المملكة العربية السعودية لاستضافة معرض «اكسبو العالمي 2030».
كما شمل هذا التعاون المسائل والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها القضية الفلسطينية العادلة، حيث شارك معالي وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج في أعمال القمة العربية-الإسلامية المشتركة غير العادية التي عقدت بالرياض بمبادرة من المملكة العربية السعودية بتاريخ 11 نوفمبر 2023، لبحث العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني الشقيق، ما يعكس حرصها المتواصل على الدفاع عن الحق الفلسطيني الذي لن يسقط بالتقادم.
من جانبها وفي إطار دعمها الثابت للقضية الفلسطينية العادلة، وبإذن من سيادة رئيس الجمهورية، قدمت تونس بتاريخ 14 ديسمبر 2023 طلبا لتسجيلها على قائمة الدول التي ستتولى تقديم مرافعات شفاهية أمام محكمة العدل الدولية، وذلك في إطار الرأي الاستشاري الذي طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة استصداره من المحكمة حول الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك الكيان المحتل المستمرلحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وعن احتلاله طويل الأمد للأراضي الفلسطينية واستيطانه وضمه لها، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي لمدينة القدس الشريف وطابعها ووضعها، وكذلك حول تأثير سياسات الكيان الصهيوني وممارساته على الوضع القانوني للاحتلال. وستحرص تونس في مرافعتها على كشف حقيقة افتقار كيان الاحتلال إلى الشرعية الدولية وخرقه الجسيم للمواثيق والمبادئ الأساسية في القانون الدولي.
وإذ تفخر تونس بما يتحقق للمملكة العربية السعودية وشعبها من تقدم ورفاه ورخاء في ظل قيادتها الرشيدة، فإن تونس عاقدة العزم على مزيد دفع التعاون مع المملكة، تحقيقا لتطلعات قيادة البلدين والشعبين، وانسجاماً مع ما يجمعهما من إرث ثقافي واجتماعي وديني، يعتبر قاعدة صلبة للتأسيس عليها من أجل مستقبل واعد وأكثر إشراقاً.
عاشت الأخوة التونسية السعودية
** **
هشام الفوراني - سفير الجمهورية التونسية لدى المملكة