الاحتفال لدولة تأسست جذورها منذ ثلاثة قرون يعني استمراراً لإدارة متينة واثقة من قدراتها، ولمزيد من القوة الحقيقية التي رسخت قواعدها منذ زمن، يعني توثيقاً لسيادة حكيمة وقيادة واعية تدرك حجم المسؤولية المناطة إليها، وتقدر صعوبة المراحل التي تم اجتيازها بجدارة واستحقاق؛ بما حققته من نجاح موثق، تُعنى بشؤون ذلك الجمْع المختلف، وتسعى نحو توحيد الأهداف وتنسيق الجهود لبناء تلك القوة الرائدة، وذلك الكيان الذي نعيش ثماره اليوم ونحصد خيراته وريعه في جميع مقدراتنا الوطنية التي توجت مراحل التأسيس.
أن نحتفل بيوم التأسيس يعني احتفالنا بتاريخ من المنجزات المتراتبة بقياداتها والمتراكمة بمحصلاتها التي توارثتها الأجيال، فيه تقدير لِكَمٍّ من الجهود المتعاقبة وإدراك لتلك المسؤوليات الجسام التي تحملتها القيادات المتتابعة، لترفع راية الوطن ككيان توحدت أطرافه واجتمعت اختلافاته تحت راية واحدة وإدارة مقدامة، نجحت في دمج التباينات واستطاعت المقاربة بين الجماعات المتناثرة، ليكون هذا النسيج الوطني الغني بتفاصيله، الثري بثقافاته، الواعد بعطاءاته، المتميز بمكوناته ومكنوناته، التي عززت من القيمة الحضارية المضافة لذلك الجمْع الملتحم من الثقافات وذلك النسيج المنسجم من الأعراق.
يوم التأسيس فيه استشعار لتاريخ وطن نفتخر به، وفيه معايشة لبدايات بناء صرح وطني توطدت أركانه وتوثقت سيرته عبر التاريخ، الاحتفال بيوم التأسيس لا يدفع لتعزيز الإيمان والاعتزاز بالانتماء لوطن يحتوينا ويرعانا فحسب؛ وإنما يفرض علينا مزيداً من الجهود والامتنان والتقدير للمحافظة على تلك المنجزات، والسعي نحو التألق بالعطاء والتميز بالمكونات لتستمر الريادة ويكون الإنتاج بذات العزيمة والقوة وحجم التضحيات التي صنعت الحاضر، الذي نقطف فيه ثمار بذور أينعت ونجني حصاد سنوات طويلة من البناء والعطاء، الذي لم تضعفه الأزمات ولم تهنه العقبات ولم تتمكن النكبات والسنين أن تُعرقل مسيرته، أو تَنخُر في أوصاله لتفتت إرادته الجامحة نحو تكوين وطن موحد في تطلعاته، ومجتمع على تحقيق أهدافه وآماله بجميع مكوناته.
ازدهار الوطن ونماؤه واستمرار ريادته يحتاج لتعاون مخلص يملؤه الإدراك، ولمشاركة جماعية مواطنة تستشعر الولاء والانتماء، لاستكمال البناء المتراكم ولتحقيق المنجزات الواعدة، التي تليق بوطن سخر مقدراته لبناء هذا الكيان الشامخ بمقدراته، وللارتقاء بتلك المقدرات البشرية الثرية بإبداعاتها ومواهبها التي ترفد الوطن بابتكاراتها وتدعمه بعطاءاتها المختلقة، والتي تشكل في مجموعها القاعدة المتينة التي يرتكز عليها الوطن، فمواردنا البشرية عبر مقدراتنا المتاحة ومؤسساتنا الوطنية بقطاعيها العام والخاص؛ مسؤولة عن بلورة أحلامنا المستقبلية إلى واقع نشهده، ومعنية بترجمة أهدافنا الموضوعة إلى منجزات قائمة في إطار خططها الموضوعة وإستراتيجيتها الهادفة، التي تضمنتها رؤيتنا الطموحة بمحتواها الإستراتيجي الشامل.
بفضل من الله ثم بدعم كريم وبجهود سخية تُبذل لنهضة الوطن وتنميته؛ حققنا الكثير من تطلعاتنا المأمولة، ولامسنا أهدافنا كشواهد تتحدث عن نفسها، حتى أصبحنا نموذجاً تنموياً يستقطب التميز والإبداع والمحاكاة، وها نحن مستمرون وماضون في تحقيقها وجادون في استكمال المسيرة كأفضل ما يكون الإنجاز، ضمن مراحل تنموية مدروسة وعبر تطوير إجراءات مصاحبة مطلوبة شملت جميع ممكناتنا المؤسسية وقدراتنا البشرية، لتكون السعودية الحديثة اليوم في ثوبها العصري بثوابتها الراسخة على مر العصور وأصالتها العريقة بين الأمم.
النجاحات تتوالد والمنجزات تتراكم مع السنين لتحصدها الأجيال الحاضرة والقادمة، في إطار خطة متكاملة لتحقيق تنمية مستدامة تستهدف استمرارية النماء والازدهار والعطاء، لدولة جُبل قادتها على الكرم والبذل وتأسست قواعدها على التضحية والإيثار والصبر، ليستمر البناء ويدوم الرخاء ويتعزز الإنجاز بمختلف المهارات والقدرات التي تشكلت وربَتْ وتأهلت لخدمة الوطن في جميع متطلباته وتطلعاته الحاضرة والمستقبلة.
المواطنون هم عِزوة الوطن وقاعدته الثابتة التي يرتكز عليها في تحقيق أهدافه، والوطن هو البيت الكبير والحضن الدافئ الذي يحتويهم ويرعاهم ويحميهم ويمكنهم من تحقيق تطلعاتهم وآمالهم التي هي جزء من تطلعات الوطن واهتماماته، المواطنون هم جسد الوطن وكيانه الراسخ، والقيادة هي تاج الوطن ورأسه الشامخ الذي برعايته يستمر الوطن عزيزاً حراً متميزاً بين الأوطان.
** **
عبدالله بن رفييد آل مناع الشهراني - رئيس بلدية الواديين - منطقة عسير