يربط بعض علماء الجريمة بين الفقر اللغوي والتعبير الحركي عن الانفعالات؛ فكلما ازداد معدل الفقر اللغوي لدى شخص ما زاد احتمال استخدامه ليديه وأعضاء جسمه للتعبير عن انفعاله أو غضبه، والعكس بالعكس، حيث ينحو من يمتلك خزينة لغوية إلى التقليل من ذلك (بشكل عام) وإلى التعبير عن مشاعره لغويًّا (أو كتابيًّا).
ولذلك فحينما قال صموئيل جونسون: بدأت الحضارة عندما ألقى رجل غاضب للمرة الأولى كلمة بدل الحجر، فقد كان يعني بذلك أن الاستعاضة بالكلمات عن الحجر هي بداية المنحنى الإيجابي لمسيرة الحضارة الإنسانية.
ورغم مرور آلاف السنين على هذا المنحنى، وأكثر من ذلك بكثير على انتهاء العصر الحجري! فإنه لا يزال في عالمنا من يستخدم الحجارة أوما شابهها؛ كأعضاء الجسم أو العصي أو الرصاص، لإقناع الآخرين بوجهة نظره.
وهكذا فعلاقة الأحجار بالقراءة والكتابة تبدلت عبر الأزمان من مجرد كونها تُكتب عليها رسومات وحروف الإنسان في العصر الحجري إلى استخدامها في عملية الإقناع (القوة)، والذي لا يزال حتى يومنا هذا.
فهل يمكن للقراءة أن تقلل استخدام ما سوى الكلمة لإقناع الآخر بوجهة نظر؟ وهل يمكن أن تعجز الكلمة عن بعض عمليات الإقناع؟
نعم تساهم القراءة أحيانًا، على نحو مباشر أو غير مباشر، في حصول درجة من النضج الكلامي الذي يؤهل من يمتلكه إلى استخدامه أداةً للإقناع بدل استخدام العنف (الحجارة) في ذلك، لكنها (أي القراءة) قد تكون سلاحًا ذا حدين حين يستخدمها القراء والمثقفون لتبرير استخدامهم للعنف.
وَلَرُبَّما طَعَنَ الفَتى أَقرانَهُ
بِالرَأيِ قَبلَ تَطاعُنِ الأَقرانِ- المتنبي
** **
- يوسف أحمد الحسن