الرِّق موجود في جميع الحضارات منذ القِدم، ويصعب معرفة تاريخ بدايته وجاء، في البداية والنهاية لابن كثير وفي فتح الباري لابن حجر العسقلاني وفي أغلب المراجع التاريخية أن هاجر زوجة النبي إبراهيم عليه السلام وأم إسماعيل ؛كانت جارية لزوجته سارة فأهدتها إلى إبراهيم كي تنجب له ولدا حين تأخرت هي عن الحمل؛ مما يدل على قِدم الرق في تاريخ البشرية، والرق يُعد من أبشع الصور المنافية للأخلاق حيث تسلب من الإنسان حقوقه في العيش بحرية، ويمنع من التملك وليس له أجر مقابل عمله وخدمته لسيده بل حتى لوهرب فإنه يعاقب، فتسلب منه إرادته فلا يستطيع التصرف إلا بإذن مولاه وسيده، وقد أُخذ للرق والاستعباد عنوة؛بسبب حرب أو غزوة أو تسلط أو دَين، لذلك عانت السبايا وهن في زهرة أعمارهن في أغلب المجتمعات وخلال مراحل التاريخ ؛عانت من الظلم والاعتداء والاغتصاب والحرمان من أهلها وربما من زوجها باسم الرق!، وكانت هناك أسواق تسمى أسواق النخاسة لتجارة الرقيق وبيع الجواري ،ويتم عرضهن كأي بضاعة! فتُعرض الجارية بزينتها كما تعرض البهيمة وللشاري أن يتفحصها قبل دفع الثمن، وهي لارأي لها وليس لها حق الرفض! واقتناء الجواري يعد من التجارات الرابحة!.
وانتشرت دور القيان في العصر العباسي وتحدث الجاحظ وأبو الفرج الأصفاني صاحب الأغاني عن ذلك برسائل مستقلة، ولم أعلم كيف تقبَّل العقل البشري عملية الرق وكيف تقبَّلته الحضارات القديمة رغم أنها أسست لبعض القواعد الأخلاقية واهتمت بالقيم والفضائل إلا أن الرق مقبول لديهم ،وذكر علماء الشريعة أن الإسلام شجع على تحرير الرقيق عن طريق المكفرات للأخطاء كالقتل شبه العمد، وكفارة اليمين، كما أن الإسلام حث على تحرير الرقيق في أكثر من حديث، وجاء في البخاري ومسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا، اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ). وإن كان الإسلام قد أقر وجوده لكنه قصر مشروعية الرق على أسرى الحرب، ولم أعلم لماذا لماذا لما يُحرم الرق نهائيا في الإسلام ولم تحرمه الأديان السابقة مع أن الرق يعد أبشع صورة للاستعباد البشري، ووضعت الشريعة قوانين خاصة للرقيق في المسائل الشرعية، فالجارية مثلا تختلف عن الحرة في ستر العورة، فالجارية في عصر صدر الإسلام لاتغطي رأسها ووجهها؛ وعورتها كعورة الرجل في الصلاة وغيرها ويجوز أن تصلي وهي كاشفة جسدها عدا السرة والركبة،وذكر ابن حجر العسقلاني عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب ضرب أمَة قد وضعت على رأسها خمارا وقال: أتتشبهين بالحرائر؟! واجتهد علماء الشريعة في البحث عن علة لهذا الاختلاف مع أن العلة التي فُرض بسببها الحجاب على الحرة موجودة في الجارية وهي الفتنة، فذهب بعضهم إلى أن العلة هي كثرة استخدامهن وحاجة الناس إليهن وهي علة هشة واجتهادية!
كما أنه يحرم في الإسلام على المملوك أن يهرب وجاء في صحيح مسلم ( أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ)
الشاهد أن الشخص المملوك له أحكام خاصة، فالمملوك يختلف عن الحر في الزواج وفي الحدود وفي الإرث وفي الحجاب.
واستمر الرق منتشرا عبر التاريخ إلى أن بدأت بعض النداءات العالمية في القرن الخامس عشر الميلادي لإلغاء الرق وبدأ ذلك في أوربا حتى اتفق العالم في عام 1927 على إلغاء الرق؛ ويُعد ذلك تاريخا أخلاقيا مهما حيث مُنحت الحرية لملايين البشر من نساء ورجال ليتمتعوا بحقوقهم البشرية كغيرهم،
وإن كانت بعض آثاره لازالت موجودة وتشكل معضلة في بعض المجتمعات.
** **
- صالح بن سليمان الربيعان