تتجلى أهمية العمل الثقافي حين يكون متجاوزا المهاد النخبوي ليقترب من المجتمع، وبهذا يكون سببًا في تقريب أطياف الثقافة وأنواعها، لتكون بين يديّ المتلقي.
وفي مهرجان جادة الإبل الذي أقيم في حائل، برزت الثقافة شريكا وثيقا في نجاح هذا المهرجان، حيث برزت معالم الثقافة وجوانبها بحسن التنظيم وتنوع البرامج وتعدد الاهتمامات، فحضرت الإبل ذاكرة خصبة في الوجدان العربي مستمدة ذلك من عراقة وجودها في بلادنا الغالية واهتمام دولتنا المباركة فيها، فجاءت تسمية هذا العام باسمها (عام الإبل 2024)، وامتزجت هذه الذاكرة بالفنون الأدائية التي تنسجم مع الإبل وقيمتها، لتكون عونًا في سبر تاريخ الإبل في ثقافتنا العربية عند الجاحظ وابن قتيبة، لتتواءم مع قدرة الذاكرة العربية على تقديم صور بلاغية متنوعة تحفر في المصادر الأدبية القديمة لتبرز حضورها في الشعر والنثر العربيين، وهي صورة تمثلت بتشبيه الناقة بالسفينة حينا وبالنخيل حينا آخر وبالنعام مرة ثالثة وبتشبيهات متنوعة ومختلفة. ولم تقتصر هذه الصورة على الشعر الفصيح بل تجاوزته لتكون حاضرة في الشعر الشعبي ليقدم البرنامج الثقافي جادة الإبل مزيجا رائعا بين الفصيح والشعبي؛ لأنّ الإبل رابطة مهمة ووثيقة بين هذين الاتجاهين في ثقافتنا، نستطيع من خلالها التقريب بين هذين المستويين من اللغة. ولذا كان الامتداد جليا للحديث عن الإبل وأصولها وأنواعها، وقيمتها المتوارثة في ثقافتنا وكونها سببا للاتصال الثقافي الذي ينتج عنها آثار اجتماعية واقتصادية تنامت مع رؤية المملكة 2030 .
لقد قدم البرنامج لثقافي لجادة الإبل صورة رائعة متكاملة عن الإبل في جوانب عديدة، ولكننا حين ننظر لحضور الإبل في الشعر فإن هذا يمتد بنا للعصر الجاهلي حيث كانت الإبل صديقة الشاعر في حله وترحاله ووقوفه على أطلاله، ونجيّه في همومه، تقطع معه الفيافي وتنساب في الصحراء في كل وقت ليل نهار، وقد ظهرت صورة الإبل في الشعر العربي من خلال مكانتها وارتباطها بشعراء طي، كما تجلت الإبل في رمزيتها الأدبية والثقافية في الشعر وحضورها في وجدان الشاعر العربي، كما ارتبطت بالشعراء الصعاليك الذي قطعوا الصحراء وآثروا صداقة الوحدة بعيدا عن القبيلة.
لقد كان البرنامج الثقافي متنوعا ومختلفا تناول عددا من القضايا المتعلقة في الإبل، وإن كان من شكر وتقدير فإنّ مركز صالح الرخيص الثقافي يستحق هذا الشكر على جهوده وتنظيمه، أمّا فارس هذا البرنامج فهو الدكتور أحمد المخيدش الذي بذل من وقته وجهد في التنسيق والإعداد ما لا يخفى على من قام بمثل هذا العمل في مهرجان كبير تاريخيا وزمنيا.
** **
- د. أحمد بن سليمان اللهيب