مصطفى لطفي المنفلوطي -رحمه الله- أكثر الكتاب انتشارًا في الوطن العربي، فقد تهافت الناس من جميع الأعمار على قراءة كتبه، وأعماله الأدبية، لما فيها من بيان ساحر، ومتعة أدبية،وسرد فاتن...
المنفلوطي الذي تفرد بأدب رفيع، وأسلوب جديد في الكتابة بعد أن كانت الكتابة تقليدًا ومحسنات بديعية، من نهاية العصر الأندلسي إلى عصره، لقد أحدث المنفلوطي أسلوبًا مبتكرًا في الأدب لم يقلِّد فيه أحد، أسلوب فيه جمال ولذة، ورشاقة وأصالة، وعذوبة ورقة، وصورًا باهرة تطير بالأرواح إلى حيث الطهر والنقاء...
أسلوب ناصع، ومفردات رائقة، وجملٍ أنيقة، أمَّا العاطفة في كتاباته فهي عصاه التي يتوكأ عليها أسلوبه، عاطفة مرهفة ومشاعر حساسة سرعان ما يتفاعل معها القارئ في مشهد مؤثر جدًا!
المنفلوطي الذي عدَّه كبار النقاد إمام النثر في العصر الحديث ومع ذلك هاجمه بعض الكتاب الصغار، وكان هدفهم الشهرة والظهور في المشهد الأدبي!
ومن هؤلاء الأديب الكبير طه حسين الذي اعترف بعد نضوجه، بأنه هاجم المنفلوطي وانتقده بقسوة، بهدف الشهرة وقال: «كنت شابًا صغيرًا أدرس في الأزهر، أبحث عن الشهرة،
وإن أردتم الحق، فإني كنت أنتظر مقالة المنفلوطي كل أسبوع في جريدة المؤيد لأقرأها بشغف، بل وأُعيد قراءتها، وأقول: سبحان من أعطاه هذه المَلَكَة، وهذا الأسلوب الذي أعاد الروح لِنثرِنا العربي الذي كاد أن يموت لولا المنفلوطي” ولم يكن طه حسين الوحيد الذي هاجم المنفلوطي بغية الشهرة، فهذا العقاد أيضًا عندما كان شابًا (غريرًا) انتقد المنفلوطي نقدًا بعيدًا عن المهنية والموضوعية، وهاجمه بحدة، وكان يقول: يكفي أن تُقشر بصلاً بدلاً أن تقرأ مقالات المنفلوطي!
يقصد أن المنفلوطي يستدر دموع القراء بمقالاته، وقصصه الحزينة!
بالله عليكم أهذا نقد؟! أهذه مهنية؟!
لكن العقاد عاد عن رأيه، وقال كما قال طه حسين:“كنت شابًا صغيرًا أبحث عن الشهرة بمثل هذه الحماقات!
ثم هو يؤكد أن المنفلوطي هو إمام النثر الحديث، وما من متأدب إلا وعكف على كتبه ومقالاته بتدارسها، وينهل من أساليبها، ويتعلم فن الكتابة والتراكيب والصور والأخيلة منها”
وأذكر أن زكي مبارك رحمه الله قال:
(كنت عند صاحب مكتبة المعارف في مكتبته، وشاهدت بنفسي كيف كان الناس يتزاحمون على شراء كتب المنفلوطي وكتبنا أنا وطه والعقاد و... جالسة على الأرفف لا أحد يشتريها، فضلاً عن أن ينظر إليها!).
لقد كان المنفلوطي فتحًا كبيرًا لفن المقالة في أدبنا الحديث وما من متأدب، وأديب صغيرٍ أو كبيرٍ، إلا وقرأ له وتتلمذ على فنه وأسلوبه، ولكنَّ أكثرهم جحدوا هذا وأنكروه، وهذه صفة في الأدباء ذميمة!
أعود بكم إلى الشهرة والبحث عنها عند الكُتَّاب الصغار
ولكن هذه المرة عند شاب سعودي مبتدِئ في الكتابة!
هو: العلاَّمة الكبير الشيخ: حمد الجاسر -رحمه الله- والجاسر: عالم موسوعي يُذكرك بكبار علماء العصر العباسي في الأدب واللغة والتاريخ والأنساب والبلدان والفلك، عالم قلَّما يجود بمثله الزمان...
انتقد الجاسر الأديب الكبير محمد حسن عواد الذي كان من رواد الأدب السعودي وقادة نهضته، وهو صاحب أول كتاب نقدي في الجزيرة العربية بكتابه خواطر مصرحة الذي نادى فيه بالتجديد في الشعر العربي، وطرح فيه أفكارًا جديدة وجريئة وكان من أهمها الشعر الحر...
يقول العلامة جمد الجاسر في مذكراته التي وسمها بـ»من سوانح الذكريات»:
عندما كنت في بدايات شبابي وكنت حينها طالبًا صغيرًا كتبت مقالةً أنتقد فيها كتاب: (سليمان بن عبدالملك) للأديب الكبير: محمد حسن عواد، ونُشِرت المقالة في جريدة البلاد، وهي لا ترتقي إلى أن تكون نقدًا، لدرجة أن الجريدة توقفت عن نشر مقالتي الثانية في نقد الكتاب، بعد أن رأت أن نقدي غير موضوعي!
ثم يقول: وما رحل محمد حسن عواد من هذه الدنيا إلا وقد زال ما بيني وبينه، بل أحببته، وما مررت بجدة إلا وحرصت على زيارته والأنس به، والاستفادة منه، وكان يقابلني -رحمه الله- بمنتهى البشاشة...
رحمهم الله جميعًا.
** **
- راشد بن محمد الشعلان